{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}.
ملخص معاني الآية:
الله مولى المسلمين، ونصره خير النصر، فبنصره
الخير ألقى الرعب في قلوب الكفار. (وهذا ما لا يقدر عليه أحد) وذلك لأنهم يُشركون
مع الله غيره. والشرك ظلم، ومصيرهم نار جهنم خالدين فيها. (دلت الآية على أن
التوحيد يبعث القوة في القلب، والشرك يورث الضعف في القلب).
الربط بين الآيات:
(1) اعلم أن هذه الآية من تمام ما تقدم ذكره،
فإنه تعالى ذكر وجوها كثيرة في الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار، ومن
جملتها ما ذكر في هذه الآية أنه تعالى يلقى الخوف في قلوب الكفار. (التفسير
الكبير)
(2) في الآية السابقة ذكر أنه تعالى هو المولى
والناصر، وهنا يُثبت ذلك بقصة. (بيان القرآن)
أقوال
أهل العلم ومراجعها:
ذكر الآلوسي رحمه الله في سبب نزولها قولين:
الأول : «لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد
متوجهين نحو مكة انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق ثم إنهم ندموا فقالوا : بئس ما
صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوا فقذف الله
تعالى في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا اعرابياً فجعلوا له جُعْلاً فقالوا له إن لقيت
محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخبرهم بما قد جمعنا لهم فأخبر الله تعالى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فأنزل الله تعالى في ذلك هذه الآية
يذكر فيها أمر أبي سفيان وأصحابه.
الثاني: وقيل : إن الآية نزلت في يوم الأحزاب ،
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نصرت بالرعب على
العدو . (روح المعاني)
(2) لقد ناقش الرازي إلقاء الرعب هل كان في
اُحد أم أنه عام..فقال:
ان هذا الوعد غير مختص بيوم أحد ، بل هو عام .
قال القفال رحمه الله : كأنه قيل إنه وإن وقعت لكم
هذه الواقعة في يوم أحد إلا أن الله تعالى سيلقي الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين
حتى يقهر الكفار ، ويظهر دينكم على سائر الأديان . وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام
قاهراً لجميع الأديان والملل ، ونظير هذه الآية قوله عليه السلام « نصرت بالرعب مسيرة
شهر » .
ومثله قال أكثر المفسرين باللغة الأردية، بأن
الوعد عام، إذ ظهر ذلك عقب غزوة اُحد مباشرة، فقد قعد المشركون عن ملاحقة
المسلمين، ومثله ظهر مراراً في مواقع كثيرة، فيما يلي لاحظوا بعض النصوص:
* سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بسبب كفرهم
وشركهم، فلا يغني عنهم كرّهم وفرهم، فكان كما قال، ألقى الله تعالى في قلوب جنود
الروم وفارس رعب الصحابة الذين كانوا يلبسون الدُثر، خاوي اليدين.
* من أحد نماذج إلقاء الرعب في قلوب المشركين
القصة التي حفظت بطون كتاب التاريخ، وذلك أن المشركين يوم اُحد بعد ما تحقق لهم النصر
في الظاهر كان بإمكانهم أن يغيروا على المدينة، لأن المسافة بين اُحد والمدينة
قليلة جدا، لكنهم لم يتشجعوا له، بل عادوا إلى مكة. وعكس ذلك قام المسلمون
المنهزمون بملاحقتهم بقيادة خير القواد في العالم حتى وصلوا إلى «حمراء الأسد» على
بُعد ثمانية أميال من المدينة، وأقاموا بها ثلاثة أيام، وأسروا رجلا من غُنيم
(الأعداء). (التفسير الماجدي)
* مهما تظاهر المشرك بالقوة فإن قلبه يبقى
ضعيفا، لأنه يعبد خلقا ضعيفا، لا فرق بين العابد والمعبود. {ضعف الطالب والمطلوب}
(الحج) . ولاشك أن القوة الحقيقية هي بتأييد الله تعالى ونصره، والكفار محرومون
عنه. لذلك مادام المسلمون مسلمين، تخوّف منهم المشركون واُرعبوا، وهذا ما نشاهده
إلى اليوم. فالمسلمون رغم ما يعانون منه من تفرقة وتشتت وضعف وانحطاط تخاف منهم
جميع قُوى الكفر، مثل الأسد المجروح النائم. يخشون من نهضته وصحوته، كما أنه هو
الملاحَظ في مناسبات المناظرات والنقاشات العلمية. وقد قال النبي ·: «نصرت بالرعب
مسيرة شهر» لعل من آثاره ما حصلت للمسلمين في العصور كلها. فلله الحمد على ذلك وله
المنة. (التفسير العثماني)
نكتة:
لقد ألقى الله تعالى في قلوب كفار العالم رُعب
أولئك المسلمين الذين لا يخضعون أمام الكفار، ولا يتخذون أحداً مولىً غير الله
تعالى، ويثقون به ويتوكلون عليه. فتلك التي تزعم أنها أقوى دولة في العالم مذعورة
من هؤلاء المسلمين الذين فراشهم بُسطهم.
كلام
بركة:
أي الكفار لصوص، واللص متخوف دائما، لذلك يُلقي
في قلوبهم الرعب. (موضح القرآن)
دلت العبارة على أن سبب الرعب هو الكفر والشرك،
وهو ما يستمر إلى يوم القيامة، فيستمر رعب المسلمين الطيبين الصادقين في قلوب
المشركين إلى يوم القيامة، فيضعفون. فليغنتم المسلمون خبر النصر هذا.
فائدة:
لقد أكرم الله رسوله برعب خاص، وقد جمع العلامة
ابن كثير مجموعة من الأحاديث الطيبة التي تذكر جانبا من الرعب العظيم هذا. وعلى
الراغبين مراجعتها.
{حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم} كأنّ
سبب الفشل التنازع، وسبب التنازع العصيان. (التفسير العثماني) أي لم يحدث فيكم
الضعف والوهن إلا بعدما تنازعتم فيما بينكم، وهو بسبب عصيان أمر رسول الله ·.
دعاء:
اللهم يا ذا الفضل العظيم نسألك من فضلك ورحمتك،
آمين يا ذا الفضل العظيم.