{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}.
ملخص معاني الآية:
إن جرائم المنافقين هؤلاء أنهم أولا ما خرجوا
للجهاد، بل قعدوا في بيوتهم، وثانيا قالوا عن الذين قُتلوا في سبيل الله : إن
أطاعونا ما قُتلوا، فقال للنبي ·: قل لهم ادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.
(في قولكم: بأن كل من شارك في الجهاد قُتل)
أقوال المفسرين:
هذه من إحدى الشبهات التي يخلقها المنافقون لصد
الناس عن الجهاد في سبيل الله، يقولون: لو أطاع أولئك الذين قُتلوا لما ما ماتوا.
ونظراً إلى ما جُبل عليه الناس من حب الحياة وبُغض الموت، وتقوية ذلك بالشبهة التي
أثارها المنافقون، أراد الله تعالى دفعها. (التفسير الحقاني)
فائدة:
ما نقلناه عن التفسير الحقاني يؤيد كلام الرازي
التالي:
فخوفوا من مراده موافقة الرسول في محاربة
الكفار بالقتل لما عرفوا ما جرى يوم اُحد من الكفار على المسلمين من القتل، لأن
المعلوم من الطباع محبة الحياة. (التفسير الكبير)
(2) هؤلاء الأغبياء لا يقتنعون بما يقولون، بل
يزيدون الطين بللاًّ عندما يصرّون على أهمية رأيهم، وإصابته ودهائهم بقولهم: لو
أطاع أولئك المسلمين الذين قُتلوا يوم اُحد لما قُتلوا هناك، ولم يستول المشركون
على بلادهم، فقال الله تعالى لنبيه: قل لهم لو كان الأمر كما تقولون، وأن أحداً لا
يموت ما دام يطيعكم، وأن مرافقتكم وتأييدكم ذريعة إلى الحياة الأبدية السرمدية،
فادفعوا الموت عن أنفسكم إن كنتم صادقين، فإن عجزتم، وأنه لا مفر من الموت، فلا
موت أفضل من الذي يأتي المرء وهو يجاهد في سبيل الله. (تفسير الفرقان)
(3) {وقعدوا}..
قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد.
(القرطبي) ومعنى هذا القعود القعود عن الجهاد. (التفسير الكبير)
(4) {فقالوا لإخوانهم} أي قالوا لأجل إخوانهم.
(التفسير الكبير)
(5) {قالوا لإخوانهم} وهم الشهداء المقتولون من
الخزرج وهم إخوة نسب ومجاورة لا أخوة الدين. (القرطبي)
وقيل لأشكالهم من المنافقين. (القرطبي)
ملحوظة:
كانت معركة اُحد من إحدى المعارك العظيمة التي
تمثّل للمنافقين فتنة تحسم أمرهم، إذ لم يقدروا فيها على إخفاء نفاقهم، من أول
المعركة إلى آخرها لم يألو جهدا في خلق المشاكل وإثارة الشبهات والإرجاف بين
المسلمين. يعلمون أن المسلمين قرّروا الخروج إلى اُحد برأي الأغلبية، لكنهم باتوا
يضلّلون الناس، ويقولون: الخروج من المدينة انتحار. فقيل لهم: إذاً دافعوا عن
المدينة، وعندها باتوا يحتالون، قالوا: لا نتوقع الحرب، وإلا لأخذنا عُدتها. ثم
لمّا كان المسلمون قاب قوسين أو أدنى من النصر، إذ عصى بعضهم رسول الله ·، وتركوا
موقعهم من الجبل، فانهزم المسلمون. وسنحت فرصة جديدة للمنافقين لإثارة الفتن
والشبهات، مرة قالوا: وقع ما وقع لأنهم ما أطاعونا، أو قالوا: ما الذي كسبنا من
دوامة القتال هذه؟ ولا سبيل إلى التخلّص منه إلا إرضاء الأعداء والمصالحة معهم،
ولم يكن لهم هدف إلا تخويف المسلمين وترعيبهم، ومنعهم من تحقيق أغراضهم النبيلة
التي لأجلها يضحّون. الأحوال النفسية التي أشار الله تعالى إليها في هذه الآيات
ليست وليدة وقت، يتضح ذلك عند التأمل أنها أمور يلجأ إليها الضعفاء والمذبذبون في
الجماعة في مثل هذه المناسبات. (ترجمان القرآن)
(6) {قل فادرءوا عن أنفسكم الموت} أي إن كنتم
تقولون إن القعود في البيت يُنجي من الموت، فانظر هل يقدرون على منع الموت من دخول
بيوتهم ومنازلهم؟ فإن كان الموت يطاردهم حتى داخل البيوت، فهل ليس من الأفضل أن
يواجهوا الموت مثل الأبطال الشجعان في ساحات القتال؟ (التفسير العثماني)
(7) وقال أبو الليث السمرقندي: سمعت بعض
المفسرين بسمرقند يقول: لما نزلت الآية {قل فادرءوا عن أنفسكم الموت} مات يومئذ
سبعون نفسا من المنافقين. (القرطبي)
أي كان المنافقون يقولون: الخروج في الجهاد سبب
الموت، ولو قعد شهداء اُحد مثلنا في البيوت، لما ماتوا. فأنزل الله تعالى هذه
الآية وأكّد على أنكم سوف تموتون كما ماتوا، ثم مات منهم سبعون في ذلك اليوم.
والله أعلم
ملاحظة:
لا سند للرواية المذكورة، كما قال المحشّي في
هامش القرطبي:
تفرد بذكره أبو الليث، وهو معضل لا حجة فيه،
ولو صح لجاء مسندا. (هامش القرطبي)
فائدة:
لقد فَنِيَ شهداء اُحد، كما فَنِيَ أولئك
المنافقين الذين أثاروا الفتن على قتلهم، وهذه الدنيا فانية لا بقاء لها، والجميع
سائرون على طريق الفنا، لكن شهداء اُحد فارقوا الدنيا وهم يُحرزون السعادة الأبدية،
والمنافقون فارقوا الدنيا يجرون وراءهم أذيال الندم والخزي والعار والإخفاق. ولا
مفر من الموت، لكن لكل نصيبه، نسأل الله الشهادة والسعادة، ويحفظنا من النفاق. في
الآية القادمة أكّد على أن هؤلاء المنافقين يموتون، لكن الذين أحدثوا الضجّة على
وفاتهم، هم أحياء عند ربهم يُرزقون.