{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)}.
ملخص معاني الآية:
من كان طالبا للحياة الآخرة فليقاتل في سبيل
الله، ومن يُقاتل في سبيل الله ثم يُقتلُ أو يَغلب على العدو، يعطيه الله الأجر في
الوجهين.
فائدة:
المنافق لا يُدرك أبعاد الجهاد الإسلامي، فهو
سريع الانفعال بالفتح أو الهزيمة. لكنّ الله تعالى أوضح للمؤمنين أن الجهاد عبارة
عن طاعته، وهو تجارة رابحة مع الله، وفيها سعادة أخروية عظيمة. أما الفتح أو
الهزيمة باعتبار الظاهر فلا عبرة بهما من حيث القبول وثبوت الأجر، فالمسلم سواء
قُتل أو غَلبَ على العدو، كان ناجحا في الحالتين. (والله أعلم بالصواب)
ثلاثة معاني للآية:
المعنى الأول: فليُقاتل في سبيل الله الذين
يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة. (كما قال الشاه عبد القادر وشيخ الهند محمود الحسن
والشيخ أحمد علي اللاهوري رحمهم الله)
فمعنى يشرون: يبيعون، والذين يشرون فاعل:
فليقاتل. والخطاب للمؤمنين بأن يبيعوا الحياة الدنيا الزائلة ليطلبوا الحياة
الآخرة.
فكان معنى الآية: فليقاتل في سبيل الله الذين
يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة، وهو كقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة}. (التفسير الكبير)
المعنى الثاني:
من كان راغبا في الحياة الدنيا بدلاً من
الآخرة، عليه أن يقاتل في سبيل الله. (أنوار البيان وغيره)
أي الخطاب للمنافقين طلاب الدنيا، كأنه قيل
لهم: لقد ارتكبتم خطأ فادحا باتخاذكم الدنيا غاية حياتكم، فتوبوا إلى الله،
وآمنوا، ثم قاتلوا في سبيل الله، كي لا تُحرموا من سعادة الآخرة.
فيشرون بمعنى يشترون.
والقول الثاني معنى قوله يشرون أي يشترون:
قالوا والمخاطبون بهذا الخطاب هم المنافقون الذين تخلفوا عن اُحد. (التفسير
الكبير)
قيل: نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن اُحد.
ويشرون بمعنى يشترون. (البحر المحيط)
المعنى الثالث: فليقاتل في سبيل الله الذين يُفضّلون
الحياة الدنيا على الآخرة. (بيان القرآن)
يعني المراد من قوله {الذين يشرون الحياة
الدنيا} الكفار، وأن عليه أن يقاتل الذين اتخذوا الحياة الدنيا غاية حياتهم بدلاً
من الآخرة، وفي هذا الوجه (الذين) مفعول (فليقاتل).
{فليقاتل} أي المؤمن النافر في {سبيل الله
الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا، وما ذلك
إلا لكفرهم وعدم إيمانهم. (تفسير ابن كثير)
جوانب
الجهاد المتنوعة:
فيما سبق ذكرنا ثلاثة معاني ومراجعها، وهي
تُشير إلى جوانب الجهاد الثلاثة، الأول أن في الآية ترغيبا إلى الجهاد في سبيل
الله، كما هو ظاهر وواضح، وفيها دليل على فرضية الجهاد، في صيغة الأمر {فليقاتل}.
والمعنى الأول يشير إلى أن الجهاد تجارة رابحة
بين العبد وربه، فمن كان له إيمان صحيح، وعقل سليم، بَاعَ حياته الدنيوية الفانية
الحقيرة بالحياة الآخرة الباقية العالية بكل بسط وفرح. فخروج المسلم للجهاد يُبرم
العقد، ثم الأمر بعده إلى الله، متى يقبل التضحية والروح. ويتضح من المعنى الثاني
أن الجهاد وسيلة لتكفير الذنوب الكبيرة، فكل من تخلف عن رسول الله · يوم اُحد،
ووقعوا في معصية النفاق الكبيرة، يؤكد لهم أهمية المسارعة إلى التوبة بالجهاد،
ليغفر الله ذنوبهم، ويؤتيهم أجراً عظيما. كأنه قال: من أراد التخلص من ذنوب الحياة
كلها، فعليه المبادرة إلى الجهاد.
والمعنى الثالث يُشير إلى أن الكفار الذين
اتخذوا الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها غاية حياتهم، وسعوا إلى تعميم حب الدنيا
وبهجتها ومفاتنها في العالم، لذلك لا يؤمن الناس، إنما يتخبطون في ظلمات الكفر
والشرك، وبما أنهم يشكّلون خطراً للدين والإنسانية، لذلك وجب محاربتهم للقضاء على
قوتهم وشوكتهم، حتى يتراجعوا، ولا يقدروا على تضليل الناس وتكفيرهم بقوتهم
وزينتهم. (والله أعلم بالصواب)
قال القرطبي رحمه الله:
ظاهر الآية (2) يقتضي التسوية بين من قتل شهيدا
أو أنقلب غانما.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي
وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما
نال من أجر أو غنيمة) وذكر الحديث.
وفيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم
من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم).
فقوله: (نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) يقتضي أن
لمن يستشهد من المجاهدين أحد الامرين، إما الاجر إن لم يغنم، وإما الغنيمة ولا أجر،
بخلاف حديث عبد الله ابن عمرو، ولما كان هذا قال قوم: حديث عبد الله بن عمرو ليس بشئ،
لأن في إسناده حميد بن هانئ وليس بمشهور، ورجحوا الحديث الاول عليه لشهرته.
وقال آخرون: ليس بينهما تعارض ولا اختلاف.
و(أو) في حديث أبي هريرة بمعنى الواو، كما يقول
الكوفيون وقد دلت عليه رواية أبي داود فإنه قال فيه: (من أجر وغنيمة) بالواو الجامعة.
وقد رواه بعض رواة مسلم بالواو الجامعة أيضا.
وحميد بن هانئ مصري سمع أبا عبد الرحمن الحبلى وعمرو
ابن مالك، وروى عنه حيوة بن شريح وابن وهب، فالحديث الاول محمول على مجرد النية والاخلاص
في الجهاد، فذلك الذي ضمن الله له إما الشهادة، وإما رده إلى أهله مأجورا غانما، ويحمل
الثاني على ما إذا نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم، فلما انقسمت نيته انحط أجره، فقد
دلت السنة على أن للغانم أجرا كما دل عليه الكتاب فلا تعارض.
ثم قيل: إن نقص أجر الغانم على من يغنم إنما هو
بما فتح الله عليه من الدنيا فتمتع به وأزال عن نفسه شظف عيشه، ومن أخفق فلم يصب شيئا
بقي على شظف عيشه والصبر على حالته، فبقي أجره موفورا بخلاف الاول.
ومثله قوله في الحديث الآخر: (فمنا من مات لم يأكل
من أجره شيئا - منهم مصعب ابن عمير - ومنا من أينعت له تمرته فهو يهد بها).
ومثله ما ذكره ابن كثير أن للمجاهد الأجر
الكامل، سواء قُتل أو غَلبَ، فيما يلي نص تقريره:
أي كل من قاتل في سبيل الله، سواء قتل أو غلب،
فله عند الله مثوبة عظيمة، وأجر جزيل، كما ثبت في الصحيحين، وتكفل الله للمجاهد في
سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه ما نال من أجر أو
غنيمة. (تفسير ابن كثير)
كلام بركة:
قال الشاه عبد القادر رحمه الله في تفسير الآية
الكريمة:
أي الواجب على المسلمين أن يركّزوا أنظارهم على
الآخرة بدلاً من الدنيا، وليعلموا أن في التقيد بأوامر الله تعالى المنافع كلها.
(موضح القرآن)
(المنافع كلها أي سواء تحقق لهم النصر أم
الهزيمة، ظفروا بالعدو أم أصيبوا بجروح، اغتنموا الأموال أم القتل، ترتّبت عليه
نتيجة ظاهرة أم لم تترتب، لا يهمه هذه الأشياء، إذ ليس غرضه إلا العمل بحكم الله
تعالى، وتفضيل الآخرة على الدنيا. إن وعينا هذا، تلاشت كافة الأسئلة التي تُوجّه إلى
الجهاد.
داعي الحق:
من كان راغبا في شراء الحياة الآخرة، عليه أن
يخرج بدعوة الحق إلى العالم كله، ويستقبل المشاكل كلها برحابة صدر، لأن الذي خرج
من بيته مجاهداً في سبيل الله، فقد ثبت أجره، قُتل أم قَتَلَ.