{الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}.
ملخص معاني الآية:
الذين آمنوا إيمانا جازما يقاتلون في سبيل الله
(كلما سمعوا الآيات والقصص في القرآن) والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت. ولما
تقررت هذه الحقيقة فيا أيها الذين آمنوا (إن كنتم تحبون الله وتؤمنون به) فقاتلوا
أولياء الشيطان (لن يضروكم شيئا) لأن كيد الشيطان ضعيف.
أي المسلمون جنود الرب، والكفار جنود الشيطان،
والقتال في سبيل الله من أعمال المسلمين، والقتال في سبيل الطاغوت من أعمال
الكفار.
الأقوال والمراجع:
(1)
أسلوب رائع لإثارة الغيرة على الجهاد:
لقد اختار في هذه الآية نهجا مختلفا عن
الأساليب السابقة للتحريض على الجهاد، وهو أن الكفار إن كانوا يقاتلون في سبيل
الطاغوت، وينضمون إلى جيشه لصدّ الناس عن المعروف، ويؤذون الموحّدين، فما بال
المؤمنين لا يقاتلون في سبيل الله؟ إن الصادقين منهم لا يقصّرون في التضحية
بأرواحهم. ثم قال: فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا، لذلك يتحقق
لهم النصر. أين فرعون اليوم؟ وأين جنوده؟ وما كان مصير نمرود؟ وإلى أين صار أولئك
الذين كانوا يؤذون المسيح عليه السلام؟ (ملخص التفسير الحقاني)
(2)
يشجّعهم على الجهاد:
كلام مستأنف سيق لتشجيع المؤمنين وترغيبهم في
الجهاد، أي المؤمنون إنما يقاتلون في دين الله تعالى، الموصل لهم إليه عزوجل، وفي
إعلاء كلمته فهو وليهم وناصرهم لا محالة. الخ
والكافر يقاتل في سبيل الطاغوت، الموصل لهم
إليه، وأراد بالطاغوت الكفر. (روح المعاني)
(3)
الجهاد مهم:
أي لما تحقق أن المؤمن يقاتل في سبيل الله،
والكافر يقاتل في سبيل الطاغوت، فلماذا يتردد المسلمون في قتال الكفار، والله
ناصرهم، فلا يتذبذبوا ولا يترددوا، وليعلموا أن كيد الشيطان ضعيف، لا يؤثّر على
المسلمين. والغرض منه ترغيب المسلمين في الجهاد، وتشجيعهم، والذي يأتي صراحة في
الآيات القادمة. (التفسير العثماني)
(4)
بيان الفرق بين المؤمن والكافر:
لما أمر تعالى المؤمنين أولاً بالنفر إلى
الجهاد، ثم ثانيا بقوله {فليقاتل في سبيل الله} ثم ثالثا على طريق الحث والحض
بقوله {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} أخبر في هذه الآية بالتقسيم.
أن المؤمن هو الذي يقاتل في سبيل الله، وأن
الكافر هو الذي يقاتل في سبيل الطاغوت، ليبين للمؤمنين فرق ما بينهم وبين الكفار،
ويقويهم بذلك، ويشجعهم ويحرضهم. (البحر المحيط)
معنى الطاغوت:
من خلال ما ذكرنا من الأقوال اتضح معنى الآية
الكريمة، وسوف نذكر مزيداً من الأقوال بإذن الله تعالى، والأولى أن نعرف معنى
الطاغوت قبل أخذ مزيد من الأقوال. قال الله تعالى: {والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطاغوت} والطاغوت لفظ وسيع المحمل، قال صاحب مصباح اللغات: الطاغوت: كل يتعدى
الحدود، رأس الشر والخبث، الشيطان، المعبود - من دون الله - الباطل. (مصباح اللغات
ص 511)
واخْتُلِفَ
في تَفْسيرِه : فقيلَ : هُوَ ما عُبِدَ منْ دُونِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وكُلُّ رَأْسٍ
في الضَّلالِ طاغُوتٌ وقيلَ : الأصْنامُ وقيلَ : الشَّيْطَانُ وقيلَ : الكَهَنَةُ وقيلَ
: مَرَدَةُ أهْلِ الكِتَابِ كذا في اللِّسانِ وزادَ الرّاغِبُ : ويُرَادُ بهِ السّاحِرُ
والماردُ منَ الجنِّ والصّارِفُ عنْ طَرِيقِ الخَيْرِ
وقدْ يُجْمَعُ
على الطّواغِيتِ وطَواغٍ الأخِيرُ عن اللِّحْيَانِيِّ وسيَأْتِي ذلكَ في المُعْتَلِ
أيْضاً إنْ شاءَ اللهُ تعالى. (تاج العروس)
قال صاحب التفسير الماجدي:
من الصعب ترجمة كلمة الطاغوت بالأردية، وأقرب
كلمة لها بالأردية هي: الشيطان، وهي تُطلق على كل معبود باطل وعلى كل مارد باعتبار
عموم المعنى.
قال أبو إسحاق: كل معبود من دون الله جبت
وطاغوت. (لسان العرب)
الطاغوت عبارة عن كل معبد ومعبود من دون الله.
قال مالك بن أنس: كل ما عُبد من دون الله
تعالى. (روح المعاني)
ما عُبد من دون الله تعالى، قاله الطبري. (بحر)
وهو كل ما تكون عبادته والإيمان به سببا
للطغيان والخروج عن الحق من مخلوق يعبد، ورئيس يقلد وهوى يتبع.
الطاغوت كل من حملت طاعته وعبادته على التمرد
والعصيان والحرمان عن الحق، سواء أكان خلقاً يُعبد، أو سيداً مُطاعاً، أو هوى
مُتّبعاً. (التفسير الماجدي مع زيادة ترجمة)
وقال القرطبي رحمه الله:
حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتحاكموا إليها فقال: كانت في جهينة واحدة وفي أسلم
واحدة وفي كل حي واحدة. (القرطبي)
دل على أن الطاغوت كان اسم إنسان، وأنه كانوا
يهديهم طريق الكفر والشيطان.
وخلاصة القول..
ومن خلال هذه الدراسة الموجزة توصلنا إلى أن
الطاغوت اسم لكل قوة نشطة ضد الإسلام. وأنه اسم لكل شخص يسعى إلى تضليل الناس عن
دين الحق، سواء أكان إنسانا أم جنّياً، كما أنه اسم لكل من يحارب الإسلام
والمسلمين، وكل نظام يجتمع الناس تحت رايته للكيد والحرب ضد الإسلام والمسلمين.
اسم لكل مؤسسة تُقيم جبهة لمناهضة دين الحق.
وفي زمرة الطواغيت كل من يسعى إلى إعاقة طريق
الإسلام، وتطبيق شرع الله في الأرض، ومناصرة الكفار في حربهم مع المسلمين. ومن
معانيه الأوّلية الشياطين (الجن والإنس) وكل معبود من دون الله. (والله أعلم
بالصواب)
درس وعبرة:
في القديم كانت الحكومة البريطانية تمثّل
الطاغوت، التي قضت على الخلافة الإسلامية، واحتلت بلاد المسلمين. حتى أفتى العلماء
بحرمة الانضمام إلى الجيش البريطاني يومئذ، كي لا يقاتلوا في سبيل الطاغوت.
فتقيَّد السُعداء بالفتوى وامتنعوا عن الانضمام إليه، وآخرون انضموا إلى الجيش
البريطاني ليمثّلوا جنود الطاغوت.
واليوم عدد من الطواغيت ومن بينهم أمريكا تحارب
الإسلام والمسلمين. والواجب على كل من آمن بالله ورسوله أن يسمع نداء القرآن هذا،
ولا يسخّر نفسه لخدمة الطواغيت ولا يجنّد نفسه لتنفيذ مشاريعهم. لأن الله تعالى
قال: {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}.
لا مفر من الموت، والوقوف بين يدي الرب، لا
نعمة أفضل من الإيمان، والرزق بيد مالك الأرزاق، فتقوية الطاغوت لأجل مال قليل
وراتب متواضع ليس من شيمة المسلم. (والله أعلم بالصواب)
فيما يلي لاحظوا مزيدا من الأقوال بشأن تفسير
الآية الكريمة:
الغرض من ذكر لفظ الطاغوت هنا إبراز جانب
التمرد في الجنود الجهلة، واتّباع الهوى، والتعدّي عن الحدود. ولتوضيح المعنى لو
قلنا إن المراد من الطاغوت في هذا الموضع «النفس» لكان أدل على المعنى. أدعوكم هنا
إلى ملاحظة المستوى الخُلُقي للأمم والشعوب التي تخوض المعارك تحت مسمّيات الوطن
والشعب والاستقلال الرنانة لإرضاء الطاغوت والنفس. سوف تجدونهم أسوأ من الحيوانات والسباع
من ناحية القساوة والشقاوة والغدر والخيانة وتعاطي الكحوليات وارتكاب الفواحش
والمعاصي. فهذه كلها بفضل قتالهم في سبيل الطاغوت. يقاتلون بدون وازع ديني ومحاسبة
أخروية، ولاشك أن القتال مشترك في الفريقين، لكن لا وجه ارتباط بين المقاتلين في
سبيل الله والمقاتلين في سبيل الطاغوت. (التفسير الماجدي)
بعض أسرار الآية الكريمة:
فيما يلي لاحظوا مجمل ما ذكره الحقاني بشأن
الآية الكريمة:
(أ) نرد على أولئك الذين يدعون إلى نبذ العنف
في الإسلام، ويقولون: يجب الاكتفاء بالوعظ والنصيحة والمعجزات، لا داعي إلى القتال
والجهاد، لم يقاتل المسيح عليه السلام، كان صابرا. فردًّا على سؤالهم قيل لهم: إن
كان أعداء الحق يقاتلون للكفر والفساد في الأرض {والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطاغوت} فهل من الجور أن يُؤذن للمؤمنين بقتالهم إن كانوا يطيقون. (لأنه إن لم
يؤذن لهم بالقتال أضحت الدنيا تعبد الطاغوت) لقد كان نبي الله موسى عليه السلام
يرافقه قومه، لذلك أمره بالقتال، وحواريو المسيح عليه السلام كانوا ضعفاء، لا حيلة
لهم ولا قوة دون الصبر والمثابرة. (شرط القوة لم يتوفر فيهم) رغم ذلك لمّا وقعوا
في الأسر اُمروا بالتسلّح، وقام حواريٌّ بقطع أذن أحد المعارضين. (انجيل لوقا)
(ب) في قوله تعالى {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
إشارة إلى أن الفتح سوف يحالف المسلمين. وقد تزامن نزول الآية الكريمة بسط هيمنة
جنود الطاغوت على العالم كله، وكان المقاتلون في سبيل الله يعانون من ضُعف، رغم
ذلك تحققت البشارة المذكورة خلال مدة يسيرة. (ففيها درس وعبرة إلى يوم القيامة).
(ج) لا خير في القتال المحض، لأن الكفار أيضاً
يقاتلون في سبيل الطاغوت، لذلك يجب أن يقاتل المسلمون لإعلاء كلمة الله، دون
السمعة والشجاعة. (مجمل ما ورد في التفسير الحقاني)
(7) ضد من يقاتلون؟ {فقاتلوا أولياء الشيطان}
المقاتلين في سبيل الطاغوت، الذين يسعون إلى نشر حكومة الكفر والشرك والفسق
والفساد في الأرض. (التفسير الماجدي)
(8) {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} والشيطان أقوى
زعماءهم، والله سبحانه وتعالى يؤكّد على أن كيده وتدبيره ضعيف، فكيف يمكن له
ولأنصاره أن يواجهوا جنود الله؟ فيما يلي لاحظوا بعض الآيات التي تزيد في الإيمان.
نكتة عجيبة في النهاية:
* {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} في حد ذاته، فكيف
بالقياس إلى قدرة الله تعالى {الذين يقاتلون في سبيله} وهو سبحانه وليكم. (روح
المعاني)
* والنصر للحق أبدا كلما كان النضال بين الحق
والباطل. (حاشية اللاهوري رحمه الله)
* {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} فيها تشجيع
للمؤمنين على القتال، أي لا تخافوا الشيطان لأن كيده وتدبيره ضعيف، إذ لا يقدر على
التحكم والسيطرة عليكم، تشجّعوا قليلاً، ترون أنه يهرب متعوذّاً منكم، لا قوة لديه
ولا سلطان. وبِغَضِّ النظر عن الحياة النضالية، فإن مقاومة الشيطان ليس بصعب في
ميادين الأخلاقيات والاجتماعيات والمعاملات والعبادات، أكثر ما عليهم أن يتحمّسوا
قليلاً. (التفسير الماجدي)
ملاحظة:
إن ما لدى الكفار من قوة وشوكة وسلاح نووي وقوة
جوية كلها تأتي ضمن كيد الشيطان، والله عزوجل قال: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} فهل
يسع لأحد أن يشك فيما قال الله؟ فما على المسلمين إلا أن يصدقوا في ادّعائهم
الإسلام، يجعلوا الآخرة همهم الأول والأخير، ويواصلوا الجهاد في سبيل الله وفق
الحكم القرآني، عندئذ يزول الغشاء الشيطاني عن العين، والجميع يردّدون أنه لاشك
{إن كيد الشيطان كان ضعيفا}. والله أعلم بالصواب)
فائدة:
{كان ضعيفا} قيل: كان بمعنى صار، أي صار كيد
الشيطان ضعيفا بعد ظهور الإسلام. (روح المعاني)
كما أشارت الآية إلى أن المسلمين كلما اقتربوا
من الإسلام، ضعفت قوى الشيطان بنفس القدر. (والله أعلم بالصواب)