{سورة الممتحنة مدنية، الآية 7}


{بسم الله الرحمن الرحيم}

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)}

ملخص معاني الآية:

(1) فيها إشارة إلى أولئك الذين لم يعادوا ذوي قرابتهم إلا لكفرهم وشركهم، بشّرهم الله بأنه قادر على أن يوفقهم للإيمان، ثم يمكنكم تقوية أواصر المودة معهم، فالله قادر على تغيير أحوال القلوب، وتحويل العداوة إلى المودة، أما ذنوبهم التي اقترفوها قبل الإسلام فالله غفور رحيم، يهدمها إن أسلموا.
(2) المودة والمعاداة أساسهما الدين، المسلم لا يعادي أحداً لذاته، فالكافر الحربي إن أسلم، استقبله المسلم بكل رحابة صدر.

تفسير سهل:

«فيها تسلية وتطمين للمؤمنين الذين قاطعوا أقاربهم المشركين، أن الله عزوجل قادر على أن يجعل بينهم مودّة، بأن يوفّقهم للإيمان، فكان كما قال الله، حيث أسلم البعض منهم قبل فتح مكة، والبعض يوم الفتح، فقد أسلم أبو سفيان بن حرب، وحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام يوم الفتح، وكان أبو سفيان يقود المشركين في حروبهم مع رسول الله ·، وسهيل بن عمرو مثّل قريشا يوم الحديبية لمّا صالحوا المسلمين، فعارض كتابة كلمة «محمد رسول الله» في كتاب الصلح، فتوفيقهم للإسلام إن دلّ على شيء فإنه يدل على أنه قادر على تأليف القلوب وجمعها، لذلك قال تعالى في آخر الآية: {والله قدير} ثم زاد {والله غفور رحيم} فيها إشارة إلى هدم ذنوبهم ومغفرتهم كلّما أسلموا.
إن كان الله سبحانه وتعالى غافرا لذنوبهم كلها، فلماذا يتردد المسلمون في استعادة الروابط التي قطعوها معهم لأجل كفرهم وشركهم، لا يهمهم كفرهم وشركهم بالأمس، بل الذي يهمهم هو إيمانهم بالله، الذي محا الفوارق كلها بينهم». (أنوار البيان)

جائزة التصلّب في الدين:

وفي روح المعاني:
«وعدهم الله بذلك لما رأى منهم التصلب في الدين والتشدد في معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر أقربائهم ومقاطعتهم إياه بالكلية تطييبا لقلوبهم، ولقد أنجز الله سبحانه وعده الكريم حين أتاح لهم الفتح». (روح المعاني)

والله قادر على تأليف القلوب وجمعها:

لقد أسهب الإمام ابن كثير حول هذا الموضوع، مستشهدا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما ذكر أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه بالتفصيل، وأشار إلى أن أبا سفيان كان في مقدمة من قاتل المرتدين بعد وفاة النبي ·، فقد قتل ذا الخمار عند عودته من اليمن، وذلك بعد وفاة النبي ·. والتفاصيل في تفسير ابن كثير رحمه الله.
وقال النسفي رحمه الله:
«والله قدير على تقليب القلوب وتحويل الأحوال وتسهيل أسباب المودة والله غفور رحيم، لمن أسلم من المشركين». (المدارك).

حقوق الإنسان:

نرى اليوم كثيرا من الناس يتشدقون بكونهم دعاة لحماية حقوق الإنسان، ثم يوجّهون نقدهم اللاذع للدين والعقيدة، يقولون: لقد فرّق الدين بين أبناء البشر، لذا يتوجب علينا أن نتدبر فيما فيه مصلحة للبشرية كافة بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية. هذه فكرة خاطئة ومعادية للبشرية نفسها، لأن:
(1) على أي أساس يمكن توحيد الناس كافة؟ إن كان على أسس قَبَلية أوعشائرية أو وطنية فنطاقها ضيّق، ثم إن انقسموا بناء على تلك الأسس فكيف توحيدهم؟ بل ترتب عليه انقسامهم وتحزّبهم في عصابات وجماعات صغيرة، فلا سبيل إلى توحيدهم وجمع كلمتهم غير الدين، الذي يقدر على محو فوارق اللون والعرق والجنس واللغة والقبيلة والعشيرة ليصهرهم في بوتقة واحدة.
(2) دعاة حماية حقوق الإنسان يتهمون الدين بأنه ساهم في الفُرقة وتوسيع الهوّة بين أبناء البشر، مع أن الإسلام صهر ملايين البشر في بوتقة واحدة، أما الفرقة بين أبناء البشر على أسس قومية وعرقية فلا يتحدث عنها هؤلاء الدعاة، رغم معاناة البشرية من قوانين متنوعة وتعامل غير عادل بسبب انقسام البشرية على دول وحكومات.
(3) المسلمون دعاة إلى إنشاء دولة الخلافة الإسلامية، التي تتعامل مع كافة المسلمين على أسس سماتها المساواة، أما المحافظة على حقوقهم فهي من ضمن مسؤوليات الخليفة، وللأسف الشديد إن هؤلاء الدعاة إلى حماية حقوق الإنسان لا يحملون رسالة ولا نظاما يقضي على التقسيم والفرقة بين أبناء البشر.
(4) الواقع إن البشر لا مسكن لهم غير هذه الأرض، لكن هناك حقيقة أخرى، وهي أنهم يرحلون منها في يوم من الأيام، فكان الدين الشيء الوحيد الذي قدّم نهجاً يضمن راحتهم وسلامتهم هنا وهناك، في الدنيا والآخرة، أما دعاة الحقوق فيسعون إلى نصل البشرية من الدين ليلهثوا وراء الدنيا مثل الهمج الرعاع، ويتبعوا شهواتهم، الهمج الذي ينتهك حقوق الآخرين لضمان حقوقه، وفي النهاية يُرمى في نار جهنم يوم القيامة، أفليست دعوتهم لا تتبنى إلا معاداة البشرية دون رعاية حقوقها؟ (والله أعلم بالصواب)