{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}.
ملخص معاني الآية:
فيها توجيه المسلمين إلى الحذر والتيقظّ
من تولّد أسباب النفاق في قلوبهم.
ومن أسباب تولّد النفاق في القلوب: حب
المال والأولاد وتسخير القوى البدنية غير العادية لجمع المال، واتخاذه غاية
الحياة.
ومن أفضل أساليب الوقاية من النفاق
إنفاق الأموال في كل ما من شأنه ابتغاء وجه الله، وأن يُكثر من ذكر الموت الذي لا
يدري متى يفاجئه، وليبادر إلى الإنفاق قبل أن يأتيه الموت.
أما أن يزداد ارتباطه بالمال والأهل،
بحيث تفوته الصلوات المكتوبة وغيرها من الواجبات، وأن يتفكر دائما في طول العمر...
فهي كلها من ميزات المنافقين. (نسأل الله العافية)
احذروا عادات المنافقين:
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
حذّر المؤمنين أخلاق المنافقين، أي لا
تشتغلوا بأموالكم كما فعل المنافقون، إذ قالوا للشح بأموالهم {لا تنفقوا على من
عند رسول الله} (القرطبي).
علامات المنافق:
وفي التفسير المظهري:
«الآيات السابقة كانت في ذمّ المنافقين
بألفاظ واضحة، وفي هذه الآية إلى آخرها أشار إلى شرورهم وقبائحهم. فمن علامات
المنافق أن يجعل المال والولد همّه الوحيد، بحيث يغفل عن الصلاة والزكاة، وأن
يتمنى بطء الموت، ويأمل طول العمر، فلا ينبغي للمسلم أن يتحلّى بشيء من علامات
النفاق». (التفسير المظهري)
ما الذي أراد بذكر الله؟
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
لا تُلهكم أموالهم ولا أولادكم عن ذكر الله}
«لا تُلهكم لا تشغلكم كما شغلت
المنافقين، وقد اختلف المفسرون منهم من قال: نزلت في حق المنافقين، ومنهم من قال:
في حق المؤمنين». (التفسير الكبير)
لكن ما الذي أراد بذكر الله؟ فيه أقوال:
(1) جملة الفرائض التي كتبها الله تعالى
على عباده.
(2) الصلوات الخمسة.
(3) تلاوة القرآن الكريم.
(4) الجهاد في سبيل الله.
(5) الحج والزكاة.
وأقوى الأقوال فيه هو أن المراد منه
الطاعة والعبودية، والتي تشمل الدين بأكمله.
«وقال الحسن: جميع الفرائض كأنه قال: عن
طاعة الله». (القرطبي)
عبد المال والولد:
وفي تفسير المدارك:
الاشتغال بالمال أي الاهتمام بتنميته
وحمايته بحيث يغفل عن الله تعالى، والاشتغال بالأولاد بأن كانوا مبعث سرور وراحة،
وأن يحن إليهم ويشفق عليهم، والاهتمام بإصلاح أحوالهم بحيث يغفلون عن الفرائض
المكتوبة. (معنى ما ورد في تفسير المدارك)
اللهم ارحمنا، بعض الإخوة اليوم يتحولون
إلى عبيد لأولادهم وأموالهم، لا يهمهم غيرهما، تنقضي أيام عمرهم فيهما، فلا يبقى
من عمرهم إلا القليل. وبعض الإخوة لا يقدرون على الاستفادة من أموالهم، يحرصون على
أن يخلفوا لأولادهم مالا كثيراً، يغفلون عن الفرائض من الصلاة والزكاة والحج
والجهاد وغيرها. (نسأل الله العافية)
تفسير سهل:
«الاهتمام الكبير بالدنيا الفانية دليل
على خسران الآخرة، فالارتباط بالأدنى تفويت للأعلى، إن من أفضل الأموال والأولاد
ما لا تغفله عن ذكر الله وعبادته، وأن لا يهتمّ بها أكثر من اللازم، كي لا يخسر
الآخرة قبل الدنيا، التي فقد فيها طمأنينته وراحة قلبه واستقراره. قال الله تعالى:
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.
قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم}..
يحتمل أن يكون رداً لقول المنافقين: {لا تنفقوا على من عند رسول الله} ففيها تأكيد
على أهمية الإنفاق في سبيل الله، إذ ذاك لا يعود بالنفع إلا إليه، فبادروا إلى
الإنفاق قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لو لا أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ
وأكن من الصالحين، لكن الأجل إذا جاء لا يؤخّر، {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة
ولا يستقدمون}.
وعن ابن عباس أنه كان يحمل هذا التمنّى
على يوم القيامة، أي يتمنّى يوم المحشر أن يؤخر إلى أجل قريب فيتصدّق ويكن من
الصالحين.
{والله خبير بما تعملون} يعلم بما
تعملون إن تمّ تأخيرهم إلى أجل قريب على سبيل الفرض والتقدير، فهو عالم بمواهبكم
الشخصية المكنونة، خبير بظواهركم وبواطنكم، فيجازي كل واحد حسب عمله.
تمت سورة المنافقون، ولله الحمد
والمنّة، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
كثيرا كثيراً.
30 ربيع الأول 1430هـ
28 مارس 2009م