في ربيع الأول سنة 4 من الهجرة
متى كانت غزوة بني النضير:
بنو النضير عشيرة يهودية تسكن بالمدينة، وقيل: هم قبيلة يهودية موطنها خيبر، وقريتها زهرة. وقد وقعت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة أربع من الهجرة، وقيل: وقعت قبل غزوة اُحد، وهو قول الإمام البخاري، كما قال الراوي. وقال ابن كثير: والصحيح أنها وقعت بعد غزوة اُحد، كما قال ابن إسحاق وغيره، وهو إمام علم الغزوات.
سبب غزوة بني النضير:
أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا ، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا . ثُمّ خَرَجَ حَتّى وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فِي قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِئْسَ مَا صَنَعْت ، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَقَالَ مَا شَعَرْت ، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا ، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا . وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا
وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِي ، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِي دِيَتِهِمَا ، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِي عَامِرٍ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، ثُمّ جَاءَ بَنِي النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِي نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُعِينُوهُ فِي دِيَةِ الْكِلَابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ . فَقَالُوا : نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت . قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا ، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا ، فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمّدٌ فِي نَفِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَبْلُغُونَ عَشْرَةً - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، وَالزّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ تَجِدُوهُ أَخْلَى مِنْهُ السّاعَةَ فَإِنّهُ إنْ قُتِلَ تَفَرّقَ أَصْحَابُهُ فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ بِحَرَمِهِمْ وَبَقِيَ مَنْ هَاهُنَا مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حُلَفَاؤُكُمْ فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ فَمِنْ الْآنَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ : أَنَا أَظْهَرُ عَلَى الْبَيْتِ [ ص 365 ] فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً.
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي هَذِهِ الْمَرّةَ وَخَالِفُونِي الدّهْرَ وَاَللّهِ إنْ فَعَلْتُمْ لَيُخْبَرَنّ بِأَنّا قَدْ غَدَرْنَا بِهِ وَإِنّ هَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَا تَفْعَلُوا أَلَا فَوَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ الّذِي تُرِيدُونَ لَيَقُومَنّ بِهَذَا الدّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَسْتَأْصِلُ الْيَهُودَ وَيُظْهِرُ دِينَهُ وَقَدْ هَيّأَ الصّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَحْدُرَهَا ، فَلَمّا أَشْرَفَ بِهَا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا هَمّوا بِهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا كَأَنّهُ يُرِيدُ حَاجَةً وَتَوَجّهَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُ قَامَ يَقْضِي حَاجَةً فَلَمّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا مُقَامُنَا هَا هُنَا بِشَيْءٍ لَقَدْ وَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَمْرٍ . فَقَامُوا ، فَقَالَ حُيَيّ : عَجّلَ أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ كُنّا نُرِيدُ أَنْ نَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَنُغَدّيَهُ . وَنَدِمَتْ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا ، فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمّدٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ مَا نَدْرِي وَمَا تَدْرِي أَنْتَ قَالَ بَلَى وَالتّوْرَاةِ ، إنّي لَأَدْرِي ، قَدْ أُخْبِرَ مُحَمّدٌ مَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ فَلَا تَخْدَعُوا أَنَفْسَكُمْ وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَمَا قَامَ إلّا أَنّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ . وَإِنّهُ لَآخِرُ الْأَنْبِيَاءِ كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَجَعَلَهُ اللّهُ حَيْثُ شَاءَ . وَإِنّ كُتُبَنَا وَاَلّذِي دَرَسْنَا فِي التّوْرَاةِ الّتِي لَمْ تُغَيّرْ وَلَمْ تُبَدّلْ أَنّ مَوْلِدَهُ بِمَكّةَ وَدَارَ هِجْرَتِهِ يَثْرِبُ ، وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ حَرْفًا مِمّا فِي كِتَابِنَا ، وَمَا يَأْتِيكُمْ [ بِهِ ] أَوْلَى مِنْ مُحَارَبَتِهِ إيّاكُمْ وَلَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ يَتَضَاغَى صِبْيَانُكُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا [ ص 366 ] وَأَمْوَالَكُمْ وَإِنّمَا هِيَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِي فِي خُصْلَتَيْنِ وَالثّالِثَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا قَالُوا : مَا هُمَا ؟ قَالَ تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ مُحَمّدٍ فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ . قَالُوا : لَا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى قَالَ فَإِنّهُ مُرْسَلٌ إلَيْكُمْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقُولُوا نَعَمْ - فَإِنّهُ لَا يَسْتَحِلّ لَكُمْ دَمًا وَلَا مَالًا - وَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ إنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ .
قَالُوا : أَمّا هَذَا فَنَعَمْ . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ إنّ الْأُخْرَى خَيْرُهُنّ لِي . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّي أَفْضَحُكُمْ لَأَسْلَمْت . وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا تُعَيّرُ شَعْثَاءُ بِإِسْلَامِي أَبَدًا حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكُمْ - وَابْنَتُهُ شَعْثَاءُ الّتِي كَانَ حَسّانٌ يَنْسِبُ بِهَا .
فَقَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : قَدْ كُنْت لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا ، وَهُوَ مُرْسِلٌ إلَيْنَا أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ دَارِي ، فَلَا تُعَقّبْ يَا حُيَيّ كَلَامَهُ وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلَادِهِ قَالَ أَفْعَلُ أَنَا أَخْرُجُ
فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَقَوْا رَجُلًا خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ هَلْ لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ لَقِيته بِالْجِسْرِ دَاخِلًا . فَلَمّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إلَيْهِ وَجَدُوهُ قَدْ أَرْسَلَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَدْعُوهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قُمْت وَلَمْ نَشْعُرْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِي ، فَأَخْبَرَنِي اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت . وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِي النّضِيرِ فَقُلْ لَهُمْ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه
فَلَمّا جَاءَهُمْ قَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ وَلَسْت أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتّى أُعَرّفَكُمْ شَيْئًا تَعْرِفُونَهُ .
قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِالتّوْرَاةِ الّتِي أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى مُوسَى ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَكُمْ التّوْرَاةُ ، فَقُلْتُمْ لِي فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا : يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ إنْ شِئْت أَنْ نُغَدّيَك غَدّيْنَاك ، وَإِنْ شِئْت أَنّ نُهَوّدَك هَوّدْنَاك . فَقُلْت لَكُمْ غَدّونِي وَلَا تُهَوّدُونِي ، فَإِنّي وَاَللّهِ لَا أَتَهَوّدُ أَبَدًا فَغَدّيْتُمُونِي فِي صَحْفَةٍ لَكُمْ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهَا كَأَنّهَا جَزْعَةٌ فَقُلْتُمْ لِي : مَا يَمْنَعُك مِنْ دِينِنَا إلّا أَنّهُ دِينُ يَهُودَ . كَأَنّك تُرِيدُ الْحَنِيفِيّةَ الّتِي سَمِعْت بِهَا ، أَمَا إنّ أَبَا عَامِرٍ قَدْ سَخِطَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا ، أَتَاكُمْ صَاحِبُهَا الضّحُوكُ الْقَتّالُ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشّمْلَةَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ آيَةٌ هُوَ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ كَأَنّهُ وَشِيجَتُكُمْ هَذِهِ وَاَللّهِ لَيَكُونَنّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلَبٌ وَقَتْلٌ وَمَثْلٌ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ قُلْنَاهُ لَك وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ .
رسول الله · يأمر اليهود بالجلاء:
قَالَ قَدْ فَرَغْت ، إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِي جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِي وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْيِ وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ فَأَسْكَتُوا فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا .
وَيَقُولُ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الْأَوْسِ .
قَالَ مُحَمّدٌ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ . فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِي الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ [ ص 368 ] [ إبِلًا ] وَأَخَذُوا فِي الْجَهَازِ .
مناصرة المنافقين لليهود وابن سلول يعدهم وعودا كاذبة:
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ ابْنِ أُبَيّ ، أَتَاهُمْ سُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ فَقَالَا : يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ : لَا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ فَإِنّ مَعِي أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِي وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ حِصْنَكُمْ فَيَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْكُمْ وَتَمُدّكُمْ قُرَيْظَةُ فَإِنّهُمْ لَنْ يَخْذُلُوكُمْ وَيَمُدّكُمْ حُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَانَ .
وَأَرْسَلَ ابْنُ أُبَيّ إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ يُكَلّمُهُ أَنْ يَمُدّ أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رَجُلٌ وَاحِدٌ الْعَهْدَ .
فَيَئِسَ ابْنُ أُبَيّ مِنْ قُرَيْظَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُلْحِمَ الْأَمْرَ فِيمَا بَيْنَ بَنِي النّضِيرِ وَرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ إلَى حُيَيّ حَتّى قَالَ حُيَيّ : أَنَا أُرْسِلُ إلَى مُحَمّدٍ أُعْلِمُهُ أَنّا لَا نَخْرُجُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَلْيَصْنَعْ مَا بَدَا لَهُ .
وَطَمِعَ حُيَيّ فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، وَقَالَ حُيَيّ : نَرْمِ حُصُونَنَا ، ثُمّ نُدْخِلُ مَاشِيَتَنَا ، وَنُدْرِبُ أَزِقّتَنَا ، وَنَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلَى حُصُونِنَا ، وَعِنْدَنَا مِنْ الطّعَامِ مَا يَكْفِينَا سَنَةً وَمَاؤُنَا وَاتِنٌ فِي حُصُونِنَا لَا نَخَافُ قَطْعَهُ . فَتَرَى مُحَمّدًا يَحْصُرُنَا سَنَةً ؟ لَا نَرَى هَذَا .
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : مَنّتْك نَفْسُك وَاَللّهِ يَا حُيَيّ الْبَاطِلَ إنّي وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ يُسَفّهَ رَأْيُك أَوْ يُزْرَى بِك لَاعْتَزَلْتُك بِمَنْ أَطَاعَنِي مِنْ الْيَهُودِ ; فلا تَفْعَلْ يَا حُيَيّ ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ وَنَعْلَمُ مَعَك أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا ، فَإِنْ لَمْ نَتّبِعْهُ وَحَسَدْنَاهُ حَيْثُ خَرَجَتْ النّبُوّةُ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَتَعَالَ فَنَقْبَلَ مَا أَعْطَانَا مِنْ الْأَمْنِ وَنَخْرُجْ [ ص 369 ] مِنْ بِلَادِهِ فَقَدْ عَرَفْت أَنّك خَالَفَتْنِي فِي الْغَدْرِ بِهِ فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَ مَنْ جَاءَ مِنّا إلَى ثَمَرِهِ فَبَاعَ أَوْ صَنَعَ مَا بَدَا لَهُ ثُمّ انْصَرَفَ إلَيْنَا .
فَكَأَنّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلَادِنَا إذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا ; إنّا إنّمَا شَرُفْنَا عَلَى قَوْمِنَا بِأَمْوَالِنَا وَفِعَالِنَا ، فَإِذَا ذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا مِنْ أَيْدِينَا كُنّا كَغَيْرِنَا مِنْ الْيَهُودِ فِي الذّلّةِ وَالْإِعْدَامِ .
وَإِنّ مُحَمّدًا إنْ سَارَ إلَيْنَا فَحَصَرَنَا فِي هَذِهِ الصّيَاصِي يَوْمًا وَاحِدًا ، ثُمّ عَرَضْنَا عَلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ إلَيْنَا ، لَمْ يَقْبَلْهُ وَأَبَى عَلَيْنَا .
قَالَ حُيَيّ : إنّ مُحَمّدًا لَا يَحْصُرُنَا [ إلّا ] إنْ أَصَابَ مِنّا نُهْزَةً وَإِلّا انْصَرَفَ وَقَدْ وَعَدَنِي ابْنُ أُبَيّ مَا قَدْ رَأَيْت .
فَقَالَ سَلّامٌ لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَيّ أَنْ يُوَرّطَك فِي الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا ، ثُمّ يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك . قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ وَقَالَ لَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَيّ .
وَإِلّا فَإِنّ ابْنَ أُبَيّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِي صَيَاصِيِهِمْ وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَيّ ، فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَيّ لَا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الْأَوْسِ فِي حَرْبِهِمْ كُلّهَا ، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ .
وَابْنُ أُبَيّ لَا يَهُودِيّ عَلَى دِينِ يَهُودَ وَلَا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ وَلَا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلًا قَالَهُ ؟ قَالَ حُيَيّ : تَأْبَى نَفْسِي إلّا عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلّا قِتَالَهُ .
قَالَ سَلّامٌ فَهُوَ وَاَللّهِ جَلَانَا مِنْ أَرْضِنَا ، وَذَهَابُ أَمْوَالِنَا ، وَذَهَابُ شَرَفِنَا ، أَوْ سِبَاءُ ذَرَارِيّنَا مَعَ قَتْلِ مُقَاتِلِينَا .
فَأَبَى حُيَيّ إلّا مُحَارَبَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ سَارُوكُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ - وَكَانَ ضَعِيفًا عِنْدَهُمْ فِي عَقْلِهِ [ ص 370 ] كَأَنّ بِهِ جِنّةٌ - يَا حُيَيّ ، أَنْتَ رَجُلٌ مَشْئُومٌ تُهْلِكُ بَنِي النّضِيرِ فَغَضِبَ حُيَيّ وَقَالَ كُلّ بَنِي النّضِيرِ قَدْ كَلّمَنِي حَتّى هَذَا الْمَجْنُونُ . فَضَرَبَهُ إخْوَتُهُ وَقَالُوا لِحُيَيّ أَمْرُنَا لِأَمْرِك تَبَعٌ ، لَنْ نُخَالِفَك .
اليهود يستعيدون الحماس ويرفضون الجلاء:
فَأَرْسَلَ حُيَيّ أَخَاهُ جُدَيّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَا نَبْرَحُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ .
وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ ابْنَ أُبَيّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ .
فَذَهَبَ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاَلّذِي أَرْسَلَهُ حُيَيّ ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ وَقَالَ حَارَبْت الْيَهُود.
وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ فَلَمْ تُعِنْهُمْ [ ص 371 ] بِسِلَاحٍ وَلَا رِجَالٍ وَلَمْ يَقْرَبُوهُمْ . وَجَعَلُوا يَرْمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ حَتّى أَظَلَمُوا ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْدَمُونَ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ فِي حَاجَتِهِ حَتّى تَتَامّوا عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِشَاءَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ .
وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْعَسْكَرِ وَيُقَالُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
محاصرة اليهود:
وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ . يُكَبّرُونَ حَتّى أَصْبَحُوا ، ثُمّ أَذّنَ بِلَالٌ بِالْمَدِينَةِ . فَغَدَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ .
فَصَلّى بِالنّاسِ بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ; وَحُمِلَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ .
وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ كَانَتْ الْقُبّةُ مِنْ غَرَبٍ عَلَيْهَا مُسُوحٌ . أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ . فَأَمَرَ بِلَالًا فَضَرَبَهَا فِي مَوْضِعٍ الْمَسْجِدِ الصّغِيرِ الّذِي بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُبّةَ . وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ عَزْوَك . وَكَانَ أَعْسَرَ رَامِيًا ، فَرَمَى فَبَلَغَ نَبْلُهُ قُبّةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِقُبّتِهِ فَحُوّلَتْ إلَى مَسْجِدِ الْفَضِيخِ وَتَبَاعَدَتْ مِنْ النّبْلِ .
وَأَمْسَوْا فَلَمْ يَقْرَبْهُمْ ابْنُ أُبَيّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ حُلَفَائِهِ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَيَئِسَتْ بَنُو النّضِيرِ مِنْ نَصْرِهِ وَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَكِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ يَقُولَانِ لِحُيَيّ أَيْنَ نَصْرُ بْنُ أُبَيّ كَمَا زَعَمْت ؟ قَالَ حُيَيّ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ هِيَ [ ص 372 ] مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْنَا .
علي بن أبي طالب يحمل رأس غزول على رمحه:
وَلَزِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّرْعُ وَبَاتَ وَظَلّ مُحَاصِرَهُمْ فَلَمّا كَانَ لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِي فُقِدَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ حَيْنَ قَرُبَ الْعِشَاءُ فَقَالَ النّاسُ مَا نَرَى عَلِيّا يَا رَسُولَ اللّهِ .
كتيبة إسلامية في طلب اليهود:
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ فَإِنّهُ فِي بَعْضِ شَأْنِكُمْ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَزْوَك ، فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كَمَنْت لِهَذَا الْخَبِيثِ فَرَأَيْت رَجُلًا شُجَاعًا ، فَقُلْت : مَا أَجْرَأَهُ أَنْ يَخْرُجَ إذَا أَمْسَيْنَا يَطْلُبُ مِنّا غِرّةً . فَأَقْبَلَ مُصْلِتًا سَيْفَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ، فَشَدَدْت عَلَيْهِ فَقَتَلْته ، وَأَجْلَى أَصْحَابَهُ وَلَمْ يَبْرَحُوا قَرِيبًا ، فَإِنْ بَعَثْت مَعِي نَفَرًا رَجَوْت أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ . فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا حِصْنَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَتَوْا بِرُءُوسِهِمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرُءُوسِهِمْ فَطُرِحَتْ فِي بَعْضِ بِئَارِ بَنِي خَطْمَةَ .
أوامر بقطع نخيل اليهود:
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامُوا فِي حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلّامٍ ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلّامٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو لَيْلَى : كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ . وَقَالَ ابْنُ سَلّامٍ قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا . .. مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِي فَعَلَ ابْنُ سَلّامٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا يَعْنِي الْعَجْوَةَ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ يَعْنِي بَنِي النّضِيرِ [ ص 373 ] رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا .
اليهود يدعون بالويل على قطع النخيل:
فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَهُنّ ؟ فَقِيلَ يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ - الْفَحْلُ الّذِي يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ - مِنْ الْجَنّةِ ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ
فَلَمّا صِحْنَ صَاحَ بِهِنّ أَبُو رَافِعٍ سَلّامٌ إنْ قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ هَاهُنَا ، فَإِنّ لَنَا بِخَيْبَرٍ عَجْوَةً . قَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُنّ خَيْبَرٌ ، يُصْنَعُ بِهَا مِثْلُ هَذَا فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ فَضّ اللّهُ فَاك إنّ حُلَفَائِي بِخَيْبَرٍ لَعَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُهُ فَتَبَسّمَ .
اليهود يصرخون بالسلام والعدل:
وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ يَا حُيَيّ ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلَا يُطْعِمُ ثَلَاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ ؟
الرد عليهم بالوحي:
فنزل قوله تعالى: {ما قطعتم من لِيْنة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليجزي الفاسقين}. (سورة الحشر، الآية 5)
المنافقون يطّمنون اليهود:
وكان عبد الله بن اُبي بن سلول يراسل بني النضير، ويأمرهم بالتصلّب في موقفهم، ولا يخرجوا من المدينة، وقال: فإن واصلتم القتال واصلنا معكم، وإن اُخرجتم لنخرجنّ معكم.
غدر ابي بن سلول:
وَخَرَجَ جُدَيّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَيّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ وَعِنْدَهُ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو ، فَقَالَ جُدَيّ : لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَيّ جَالِسًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلَاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَيّ فَقَالَ مَا وَرَاءَك ؟ قُلْت : الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ وَقَالَ « حَارَبْت الْيَهُودَ » . فَقَالَ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ . قَالَ وَجِئْت ابْنَ أُبَيّ فَأَعْلَمْته ، وَنَادَى مُنَادِي مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ .
قَالَ وَمَا رَدّ عَلَيْك ابْنُ أُبَيّ ؟ فَقَالَ جُدَيّ : لَمْ أَرَ عِنْدَهُ خَيْرًا . قَالَ أَنَا أُرْسِلُ إلَى حُلَفَائِي فَيَدْخُلُونَ مَعَكُمْ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَصَلّى الْعَصْرَ بِفَضَاءِ بَنِي النّضِيرِ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ قَامُوا عَلَى جُدُرِ حُصُونِهِمْ مَعَهُمْ النّبْلُ وَالْحِجَارَةُ .
قلق حُيي بن الأخطب وحُزنه:
ولمّا حلّ ببني النضير ما حل، قال حُيي بن الأخطب: « هي ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل».
الموافقة على الجلاء:
ثم قالوا: نَحْنُ نُعْطِيك الّذِي سَأَلْت ، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلَادِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ
ثُمّ نَزَلَتْ الْيَهُودُ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ فَلَمّا أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِابْنِ يَامِينَ أَلَمْ تَرَ إلَى ابْنِ عَمّك عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِي ؟ وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ كَانَتْ الرّوَاعُ بِنْتُ عُمَيْرٍ تَحْتَ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ . فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ أَنَا أَكْفِيكَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَجَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، وَيُقَالُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ . فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ ثُمّ جَاءَ ابْنُ يَامِينَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ فَسُرّ بِذَلِكَ .
وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَأَجَلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَوَلِيَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . فَقَالُوا : إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعَجّلُوا وَضَعُوا فَكَانَ لِأَبِي رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا ، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ .
حمل اليهود ما استطاعوا حمله ما عدا الحلقة:
وَكَانُوا فِي حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا ، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الْأَبْوَابِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِيّ بْنِ عَمْرٍو وَأُجْلِيهِ مِنْهَا وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى ، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ ، وَالنّسَاءُ فِي الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِي أَثَرِ قِطَارٍ فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 375 ] هَؤُلَاءِ فِي قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي قُرَيْشٍ.
دروس وعبر في خروج اليهود من المدينة:
وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى ، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ ، وَالنّسَاءُ فِي الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِي أَثَرِ قِطَارٍ فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 375 ] هَؤُلَاءِ فِي قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي قُرَيْشٍ.
قَالَ وَمَرّوا يَضْرِبُونَ بِالدّفُوفِ وَيُزَمّرُونَ بِالْمَزَامِيرِ وَعَلَى النّسَاءِ الْمُعَصْفَرَاتُ وَحُلِيّ الذّهَبِ مُظْهِرِينَ ذَلِكَ تَجَلّدًا .
قَالَ يَقُولُ جُبَارُ بْنُ صَخْرٍ : مَا رَأَيْت زُهَاءَهُمْ لِقَوْمٍ زَالُوا مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ . وَنَادَى أَبُو رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَرَفَعَ مَسْكَ الْجَمَلِ وَقَالَ هَذَا مِمّا نَعُدّهُ لِخَفْضِ الْأَرْضِ وَرَفْعِهَا ، فَإِنْ يَكُنْ النّخْلُ قَدْ تَرَكْنَاهَا فَإِنّا نَقْدَمُ عَلَى نَخْلٍ بِخَيْبَرٍ .
ثراء اليهود:
وكل ما كان لديهم من الذهب والفضة والثراء الفاحش كان بفضل تجارتهم مع العرب التي تبتني على الربا، يحتفظ بها أبناء أبي الحُقيق، وسوف يأتي عند ذكر قصّة غزوة خيبر أن النبي · عبّر عن هذا المال بلفظ المتاع والخزانة، ولأجله قُتل ابنا أبي الحُقيق، إذ أخفياه في مكان، فأهدر النبي · دمهما.
اليهود ينزلون خيبر بعد المدينة:
وبعدما أجلاهم النبي · من المدينة نزل بعضهم بخيبر، ومن بينهم سراتهم، كحُيّي بن الأخطب، وسلام ابن أبي الحقيق، وكنانة أبو ربيع ابن أبي الحُقيق وغيره. وأقرضهم أهلها ليستقروا بها.
ذكر ما نزل من القرآن في بني النضير:
أنزل الله تعالى سورة الحشر في بني النضير، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يسميها سورة بني النضير، كما عند البخاري في صحيحه. وقال السبكي: لا اختلاف بين أهل العلم أن سورة الحشر نزلت في بني النضير.
أول حشر يهود بني النضير:
قال موسى بن عقبة: منذ أن نزلت بنو النضير المدينة لم تواجه الجلاء، لذلك سُمّى ما حصل معهم بأول الحشر، وأراد به جلاءهم ومغادرتهم لديارهم وأراضيهم، وقيل: أراد به محشر الآخرة، لأنهم قالوا لمّا أجلاهم النبي · من المدينة: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخرجوا». قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر».
وحشرهم الثاني النار، تخرج من عدن باليمن عند اقتراب الساعة، فيفقدون وعيهم ويهربون، حتى يجتمعون بالموضع الذي ينتظر فيه الناس لحساب أعمالهم يوم القيامة.
ما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير:
وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا ، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلَاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا.
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ ؟
ما كانت خالصة لرسول الله ·:
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِي دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الْآيَةُ.
كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ.
استشارة الأنصار عند التقسيم والثناء عليهم:
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمّ الْعَلَاءِ [ ص 379 ] قَالَتْ صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِي مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّيَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ اُدْعُ لِي قَوْمَك قَالَ ثَابِتٌ الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ كُلّهَا فَدَعَا لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيّ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ . فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا . وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ : رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا ، إلّا رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، وَأَبَا دُجَانَةَ . وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ.
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِي دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ
[ ص 378 ] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثُ صَفَايَا ، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ وَكَانَتْ فَدَكُ لِابْنِ السّبِيلِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ .
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيّ ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ قَالَ إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ . وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لِأَزْوَاجِهِ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسّلَاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلَاحُ الّذِي اُشْتُرِيَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِي النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ . وَهِيَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلّالُ وَحُسْنَى ، وَبُرْقَةُ وَالْأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ .
وَقَالُوا : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلّا بِقُرْعَةِ سَهْمٍ .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمّ الْعَلَاءِ [ ص 379 ] قَالَتْ صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِي مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّيَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ اُدْعُ لِي قَوْمَك قَالَ ثَابِتٌ الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ كُلّهَا فَدَعَا لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيّ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ . فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا . وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ : رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا ، إلّا رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، وَأَبَا دُجَانَةَ . وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ.
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي:
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت بنــا نعلنا في الوطئين فذلت
أبوا أن يملــــون ولو أن آمنــا تلاقى الذي يلقون منا لملت
أوامر بإرجاع أموال الأنصار:
وبعدما قسم النبي · أموال بني النضير على المهاجرين، أمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما أخذوا منهم، لأنه لا حاجة لهم إليها، ولأنهم لم يمتلكوها، إنما أعارهم الأنصار لينتفعوا من ثمار حقولهم وزروعهم، ويقضوا حاجتهم.
ولم يُسلم من بني النضير في هذه الغزوة غير رجلين، وهما يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب رضي الله عنهما، فلم يتعرّض المسلمون لأموالهما، فاحتفظا بها. (من السيرة الحلبية وسيرة المصطفى ·).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق