{سورة التوبة مدنية، الآية 112}


{بسم الله الرحمن الرحيم}
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}.
ملخص معاني الآية:
تسع صفات تزيد في فضل المجاهدين وثوابهم إن اتصفوا بها، وكذلك البشارة لكل مؤمن تزيّن بها، وهي تزيد الإيمان كمالا وحسنا:
(1) التوبة...
(2) العبادة ...
(3) حمد الله تعالى وشكره..
(4) الصوم والزهد في الدنيا..
(5) الركوع...
(6) السجود..
(7) الأمر بالمعروف..
(8) النهي عن المنكر..
(9) المحافظة على حدود الله...
تسع صفات جامعة:
ثم ذكر الصفات التسع التي تجمع محاسن الأخلاق، وتنوّر القلوب وتُصلح فيما بين الناس، وهي:
(1) التائبون.. أي يتوبون عن جميع الذنوب التي صدرت عنهم بمقتضى البشرية.
(2) العابدون... أي يعبدون الله ولا يشركون به شيئا.
(3) الحامدون.. أي الذين يحمدون الله تعالى في الأحوال كلها، يفرحون بما آتاهم الله من فضله.
(4) السائحون.. أي الصائمون، لأن الصائمين يغلقون أبواب الشهوات، فتنفتح عليهم أسرار المعارف، فيسيح في عالم الجلال. وقيل: المراد منهم طلاب العلم الذين يسافرون لطلب العلم أو الذين يهاجرون للجهاد في سبيل الله. مأخوذ من السياحة.
(5) (6) الراكعون الساجدون.. وهم المصلون.
(7) (8) الذين لا يكتفون بتكميل الذات، إنما يسعون إلى إدخال الغير فيه، أي يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
(9) {الحافظون لحدود الله} دخلت في أعمال كثيرة تتجاوز على الآلاف. (الحقاني مع تسهيل يسير)
هذه صفات وليست بشروط:
يرى كثير من المفسرين أن هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة، وأن هذه الأمور التسعة ليست بمثابة شرط للمجاهد، بأن لا يتحقق الوعد بالجنة ما لم يقوموا بها، بل هي أوصاف مكمّلة للمجاهد، يتصفون بها لاستكمال ذاتهم، وإعلاء شأنهم، وزيادة أجرهم، يوفقهم الله للثبات في ساحة القتال.
قال التهانوي رحمه الله:
«ليس معنى التقييد بهذه الصفات أن استحقاق الأجر لا يثبت بدونها، لأن البشارة بالجهاد وردت في آيات كثيرة، بشرط الإيمان بالله، فمعنى التقييد بهذه الشروط أن باجتماعها يزيد الأجر والفضل قوة، كي لا يعتمد على مجرد الجهاد، عليه أن يجتهد للعمل بهذه الأعمال أيضاً». (بيان القرآن)
فإن رغب المجاهدون في تقوية جهادهم، وأرادوا إنجاز العقد الذي عقدوه مع الله تعالى بالوجه المطلوب، فعليهم أن يبذلوا قصارى جهودهم للاتصاف بالصفات التسع.
منهج إصلاحي متكامل للمجاهدين:
إن كانت هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة، كما هو رأي بعض المفسرين، ففيها بيان لمنهج إصلاحي متكامل للمجاهدين، لذلك يجب على المجاهدين أن يعملوا به، ويدعوا جماعاتهم ومنظماتهم إلى الالتزام به. (والله أعلم بالصواب)
القول الثاني في تفسير الآية:
يرى بعض المفسرين أن هذه الآية ليست بمرتبطة بالآية السابقة، بل هي بمثابة جملة مستأنفة.
كما في البحر المحيط: «وآية {إن الله اشترى} مستقلة بنفسها لم يشترط فيها شيء سوى الإيمان، فيندرج فيها كل مؤمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وإن لم تكن فيه هذه الصفات». (البحر المحيط)
فمعنى الآية أن هذه الصفات تُكمل الإيمان، والواجب على المؤمن أن يتزين بها ويتسابق إليها، لينال منزلة عالية من الإيمان، ومن تزين بها أدخله الله الجنة، وإن لم يخرج للجهاد، لكن بشرط أن لا يُكنّ بقلبه عداء وبُغضا للجهاد، وأن لا يكون قد عزم عزما جازما على ترك الجهاد، (هذا إذا لم يكن الجهاد فرضا على الأعيان).
وقال القرطبي رحمه الله:
إنها أوصاف الكملة من المؤمنين، ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة، وقال الزجاج: الذي عندي أن قوله: {التائبون العابدون}  رفع بالإبتداء وخبره مضمر، أي التائبون العابدون إلى آخر الآية. لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا، إذا لم يكن منهم عناد وقصد إلى ترك الجهاد، لأن بعض المسلمين يجزئ عن بعض في الجهاد. (القرطبي)
السائحون:
الشاه عبد العزيز رحمه الله ترجم كلمة «السائحون» بالمنعزلين، ثم كتب في شرحها: عدم الارتباط بشيء، وهو إما صوم وإما هجرة، أو التجافي عن ملذات الدنيا. (موضح القرآن)