{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
ملخص معاني الآية الكريمة:
الإنفاق في سبيل الله بكامل الإخلاض يمثّل
الإقراض لله تعالى، وهو غني صمد، فبلفظ الإقراض أشار إلى ضمان التعويض، حيث يُبارك
فيه ويُنميه، أما في الآخرة فيجازيه جزاءً كريما طيبا مرغوبا، ثم إن الله سبحانه
وتعالى يُضاعف أجر الإنفاق المذكور أضعافا مضاعفة.
أنفقوا في الجهاد:
قال الشاه عبد القادر رحمه الله:
يعني بالإقراض: أنفقوا الآن في الجهاد،
ثم تداولون ثروات العالم، وهذا معنى المضاعفة، لا ربوا بين المولى والعبد، ما
أنفقتم فهو له، وما منعتموه فهو كذلك له. (موضح القرآن)
لقد أشار رحمه الله تعالى إلى ملاحظة
إلهامية رائعة، بأن أنفقوا الآن، وسوف تتداولون ثروات الدنيا بأكملها، فكان كما
قال، ففي بداية الأمر أنفق الصحابة أموالهم، فجاء يوم يدوسون فيه خزائن قيصر وكسرى
بأقدامهم.
ومن هنا عرفنا أن من أحد منافع الإنفاق
في الجهاد أنه يقوّي دعائم الاستقرار الاقتصادي في البلاد، أما جزاءه الحقيقي ففي
الآخرة. أنفق الصحابة ما كانوا يجدونه من مال، رُغم قلته، فملّكهم الله خزائن
الدنيا، لكنه لم يكن شغلهم الشاغل، لأنهم ما حصلوا شيئا من المال إلا وجّهوه إلى
مصالح الدين أو إلى مصالح المسلمين، أما اليوم فقد صار المال وبالا على المسلمين،
يحصدونه ويجمعونه، يسعون وراء بريقه رغم ما كانوا يعانون منه من ذل وتبعية وحرمان.
والله المستعان (والله أعلم بالصواب)
التأكيد على نصر الدين والإنفاق في القتال:
«أنه تعالى أكّد بهذه الآية ترغيب الناس
في أن ينفقوا أموالهم في نصرة المسلمين وقتال الكافرين ومواساة فقراء المسلمين،
وسمي ذلك الإنفاق إقراضا من حيث وعد به الجنة». (التفسير الكبير)
«واستعبر لفظ القرض ليدل على التزام
الجزاء». (المدارك)
التحريض على الإنفاق بأسلوب رائع:
(1) في الآية السابعة أشار إلى أنكم
اُستُخلفتم على تلك الأموال، لأنها كانت بيد غيركم قبل الانتقال إليكم، ثم آل
إليكم، لكنه لا يستقر لديكم، إذ ينتقل إلى غيركم في حياتكم أو بعد مماتكم، لذلك
أحكموا قبضتكم عليه بعدما تناوبتم عليه، وذلك بالإنفاق في سبيل الله.
(2) وفي الآية العاشرة أشار إلى أنكم لا
تقدرون على حمل المال عند ارتحالكم من الدنيا، ولله ميراث السماوات والأرض، فلماذا
لا تقدمونه إلى ربكم عن طيب خاطركم؟ اعلموا أنكم ما أنفقتم في ظروف محدقة إلا وتضاعفت
الأجور.
(3) وفي الآية الحادية عشرة أشار إلى أن
إنفاقكم ليس إلا إقراضكم، فتأملوا مدى السعادة التي تتحقق للمُنفق. ثانيا: الإنفاق
يُنمي أموالكم وأجوركم، إضافة إلى أن جزاءه ليس إلا الجنة، فمن ذلك السعيد الذي
يسعد بوعي سر السعادة والبركة والإكرام؟
قال اللاهوري رحمه الله:
«الإنفاق في سبيل الله يجلب الخير
والبركة إلى المال». (حاشية اللاهوري)
عشر صفات القرض الحسن:
أشار المفسرون إلى أن المال الذي يتم
إنفاقه، لا يصير قرضا حسنا إلا إذا اهتم المُنفق بالأمور التالية.
(1) أن يكون مالا حلالا.
(2) وأن يكون مالا طيبا ونفيسا.
(3) أن يكون المنفق قادرا على الاستفادة
مما أنفقه. (بأن لم يكن في مرض الوفاة)
(4) لا يوجّه المال إلا إلى الجهات التي
كانت بحاجة إليه.
(5) أن تتم عملية الدفع بسرّية بقدر
الإمكان.
(6) أن لا يَمُنّ بعد الدفع، ولا يصيبه
بأذى.
(7) أن يُخلص نيته عند الدفع، ويبتعد عن
الرياء.
(8) لا يحسب ما يدفعه إلا قليلاً
وحقيرا. (ولا يتفاخر به)
(9) لا يدفع إلا من المال الذي يحبه.
(10) لا يحسب نفسه كريما والفقير ذليلا
عند الدفع. (بأن يحسب نفسه كبيرا والفقير حقيرا) (الخازن، ملخص من التفسير
الكبير).
مجموعة طيبة مباركة
إن من سعادة المرء أن يوفّق للإنفاق في
سبيل الله، وإن من شقائه أن لا يوفّق له، وما من مسلم يُنفق ماله في سبيل الله إلا
حاز منافع الدنيا والآخرة بشكل شخصي وجماعي، اللهم وفّقنا جميعا للاهتمام بهذا
العمل العظيم المبارك، فيما يلي لاحظوا بعض الأحاديث الدالة على فضل الإنفاق في
سبيل الله.
سبعمائة ضعف
(1) عن خريم بن فاتك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ·: من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف. (النسائي 25/2
والترمذي 424/1 والترغيب والترهيب 161/2)
الأجر النامي
(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث
الإسراء أن رسول الله · أتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره، فسار وسار معه
جبرائيل عليه السلام، فأتى على قوم يزرعون في يوم، ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد
كما كان، فقال: يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم
الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه. (رواه البزار عن الترغيب
والترهيب 161/2).
مضاعفة الأجور بغير حساب
(3) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
لمّا نزلت: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في
كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} قال رسول الله ·: ربّ
زد أمتي، فنزلت: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب} (صحيح ابن حبان، والبيهقي،
والترغيب والترهيب 161/2)
خزائن الله المخفية
(4) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن
رسول الله · قال: طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله، فإن له بكل
كلمة سبعمائة ألف حسنة، منها عشرة أضعاف مع الذي عند الله من المزيد، قيل يا رسول
الله النفقة؟ قال: النفقة على قدر ذلك. قال عبد الرحمن: فقلت لمعاذ: إنما النفقة
بسبعمائة ضعف، فقال معاذ: قل فهمك، إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهلهم غير
غزاة، فإذا غزوا وأنفقوا خبأ الله لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد
وصفتهم، فأولئك حزب الله، وحزب الله هم الغالبون. (رواه الطبراني في الكبير وأحاله
إلى الترغيب والترهيب 62/2).
فضل من جهّز غازيا بكامل الجهاز
(5) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله · يقول: من جهّز عازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو
يرجع. (سنن ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب من جهّز غازيا 198).
استقباله في الجنة
(6) عن صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر
رضي الله عنه قلت حدثني قال نعم، قال رسول الله ·: ما من عبد مسلم ينفق من كل مال
له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت وكيف
ذلك؟ إن كانت إبلا فبعيرين وإن كانت بقرا فبقرتين. (رواه النسائي، باب فضل النفقة
في سبيل الله، 65/2)
الدعوة من أبواب الجنة كلها
(7) عن أبي هريرة رضي الله عنه من أنفق
زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة من أبواب الجنة: يا فلان هلمّ فادخل، فقال أبو
بكر رضي الله عنه يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه فقال رسول الله ·: إني لأرجو
أن تكون منهم. (رواه النسائي، باب فضل النفقة في سبيل الله تعالى، 65/2 والبخاري
باب فضل النفقة في سبيل الله 398/1).
لينفق في الجهاد كل امرئ بقدر وسعه
(8) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
: {وأنفقوا في سبيل الله} قال: يقول لا يقولنّ أحدكم: لا أجد شيئا، إن لم يجد إلا
مشقصا فليجهز به في سبيل الله. {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (رواه البيهقي في
السنن الكبرى، 87/9).
أي المال خير؟
(9) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن
رسول الله · قام على المنبر فقال: إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات
الأرض... إلى أن قال: وإن هذه المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه،
فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل.(الحديث). (رواه البخاري في
باب فضل النفقة في سبيل الله، 398/1)
الجهاد بالنفس والمال واللسان
(10) عن أنس رضي الله عنه أن النبي ·
قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم. (رواه أبو داود في كراهية ترك
الغزو، 361/1 رواه البيهقي في السنن الكبرى 35/9)
جهّزوا الغازي بما تجهزتم به إن كان بكم مانع
(11) عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من
أسلم أتى النبي · فقال: إني أريد الجهاد وليس معي ما أتجهز به، فقال: إن فلانا قد
تجهّز ثم مرض فاذهب إليه، فقل: إن رسول الله يقرئك السلام، ويأمرك أن تعطيني ما
أتجهز به، فأتاه فقال لامرأته: انظري أن تعطيه ما جهزتني به ولا تحلبي منه شيئا
فيبارك الله لك فيه. (رواه مسلم في باب فضل إعانة الغازي 137/2 والبيهقي في السنن
الكبرى 48/8)
الإنفاق في سبيل الله أفضل من حج تطوعا
(12) عن عبد الله رضي الله عنه قال لأن
أمتع بسوط في سبيل أحب إليّ من أن أحج حجة بعد حجة. (أخرجه الطبراني في الكبير
برقم 8575-9158 وأحاله إلى مجمع الزوائد 368/5).
خير أسوة لمن أنفق في الجهاد
(13) عن عبد الرحمن بن خباب رضي الله
عنه قال شهدت النبي · وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال يا رسول
الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان
فقال يا رسول الله عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على
الجيش فقال عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول
الله · ينزل عن المنبر وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما
عمل بعد هذه. (رواه الترمذي في باب مناقب عثمان بن عفان 689/2)
جهاد مبرور
(14) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن
رسول الله · أنه قال: الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة
ويأسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء
وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف. (رواه النسائي 65/2 رواه
أبو داود، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا 363/1 وأوجز المسالك 553/8)
الوعيد بالقارعة لمن تخلف عن الجهاد بدون عذر
(15) عن أبي أمامة رضي الله عنه عن
النبي · قال: من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله
بقارعة. قال يزيد بن عبد ربه في حديثه قبل يوم القيامة. (رواه أبو داود، باب
كراهية ترك الغزو، 361/1)
أفضل دينار
(16) عن ثوبان رضي الله عنه قال قال
رسول الله ·: أفضل دينار ينفقه رجل دينار ينفقه على عياله، دينار ينفقه على فرس في
سبيل الله، دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله. (رواه ابن ماجة باب فضل الفقة في
سبيل الله، 198)
خير الناس
(17) عن الحسن قال قال رجل لعمر رضي
الله عنه: يا خير الناس قال لست بخير الناس، ألا أخبركم بخير الناس؟ قال بلى يا
أمير المؤمنين قال: رجل من أهل البادية له صرمة من إبل أو غنم أتى به مصرا من
الأمصار فباعها ثم أنفقها في سبيل الله، وكان بين المسلمين وبين عدوهم فذلك خير
الناس. (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 327/10).