{سورة آل عمران مدنية، الآية 130 إلى 138}




{بسم الله الرحمن الرحيم}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}.

كلام بركة:

فيما مضت من الآيات ذمَّ الضعف والجُبن في الجهاد، والآن ذكر الربا، لعل الغرض منه الإشارة إلى أن الربا تورث الضعف والجُبن، وذلك لسببين:
(1) لأن من أكل الربا لا يوفّق للعبادة، والجهاد من أجَلِّ العبادات.
(2) أخذ الربا دليل على البخل الشديد، ومن كان يبخل بماله بخلا شديدا فكيف يرضى بتضحية روحه ونفسه في سبيل الله.
قال الشاه عبد القادر رحمه الله:
لعل الغرض من ذكر الربا هنا الإشارة إلى الضعف الذي سبق ذكره في الجهاد، إذ الربا يورث الضعف، وذلك لسببين: الأول: بأكل مال الحرام لا يوفّق للطاعات. والثاني: أخذ الربا دليل على غاية بخله، وكان من الأولى أن يكتفى بأخذ رأس ماله، ويشكر على أن ماله نفع بعض المسلمين، أما أن يأخذ جزاءً عليه، فذلك دليل على غاية بخله، ومن بلغ في البخل إلى هذا الحد، كيف يمكن له التضحية بالنفس والروح. (موضح القرآن)
وقال المفسر العثماني عن الآية 134:
«أي من لا ينسى ربه في رغد العيش، ولا في البؤس والضيق، لا يمتنع عن الإنفاق في سبيل الله، حسب ظروفه وسعة يده، وليس بخيلا ولا عابدا للمال مثل آكل الربا، فكأنه يجاهد بنفسه كما يجاهد بماله». (العثماني)
وقال الشاه عبد القادر رحمه الله عن الآية 138:
«إن من سنة الله في البشر أن الكفار قاوموا الأنبياء ودعوتهم منذ القِدم، إن تصديتم لمعرفة أخبارهم عرفتم أن الأنبياء كانوا في مقدمة من أوذي في سبيل الله، لكن في نهاية المطاف خاب وخسر المعاندون. لقد استُشهد سبعون من المسلمين يوم اُحد، وتحوّل النصر إلى الهزيمة، فبهذه الآيات أراد الله تسليتهم وتطمينهم». (موضح القرآن)

فباختصار:

(1) يجب على المسلمين الحذر من كل مال أو طعام أو عمل يورث الضعف والجبن وحب المال في قلوبهم، فبأكل الربا تفسد أخلاق المرء، ولا يتأهّل للجهاد.
(2) يجب على المسلمين أن يجاهدوا بأموالهم كما يجاهدون بأنفسهم.
(3) لا يحسن بهم أن يتخوّفوا من الآلام الآنية والهزيمة الظاهرة، لأن الغلبة لأهل الحق في آخر المطاف.
(4) الجهاد طريقة الأنبياء عليهم السلام. (والله أعلم بالصواب)