{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا
ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا
(14)}.
ملخص معاني الآية:
أشار فيها إلى الحالة القلبية التي
عليها المنافقون، بأن الأعداء إن طوّقوا بالمدينة، والمنافقون آمنون في بيوتهم، وطلبوا
من المنافقين بالخروج لقتال المسلمين لخرجوا، وما ضيّعوا دقيقة، إلا قليلا من
الوقت، وهو وقت التحاور من سؤال وجواب وحمل سلاح وخروج من بيت وغيره، ولا يأخذ
أكثر من دقائق، وفيه دليل على رغبتهم في المشركين، وبغضهم للمسلمين، وأنهم ممن
يستاؤون بتحقق الانتصارات للمسلمين، بل يرفضون مساعدة المسلمين ولو من ناحية تكثير
السواد، أما قولهم إن بيوتنا عورة، فليس أكثر من حيلة للتخلف عن الجهاد والقعود في
البيوت. (بيان القرآن بتسهيل يسير)
المنافقون
أعداء المسلمين وأحبة المشركين:
أشار في هذه الآية الكريمة إلى علامة
مهمة من علامات النفاق، وهي أنهم لا يرغبون في الانضمام إلى صفوف المسلمين لقتال
المشركين، لكن جيشا قويا من المشركين إن دعاهم إلى محاربة المسلمين للبّوا دعوته.
يوجد اليوم كثير من المثقفين الذين يدّعون بأنهم مسلمين، ثم يقولون إن جهاد
المجاهدين ليس إلا قتلاً وتشريداً وفساداً في الأرض، أما إن قتلت أمريكا المسلمين
فإنهم يَسُرُّون به، ويقولون: أقامت أمريكا الأمن والسلام وقضت على الإرهاب.
اللهم إنا نعوذبك من الشقاق والنفاق
وسوء الأخلاق.
تفسير
يسير:
قال الإمام أبو حيّان رحمه الله:
الفتنة أي الردة والرجوع إلى إظهار
الكفر ومقاتلة المسلمين. قال ابن عطية: ولو دخلت المدينة من أقطارها واشتد الحرب
الحقيقي، ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد · لطاروا إليها، وأتوها مجيبين فيها، ولم
يتلبّثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيراً. قيل قدر ما يأخذون سلاحهم. (البحر المحيط)
لاحظوا التفسير المذكور في ألفاظ
العثماني التالية:
«أي هؤلاء يلجأون إلى حيل كاذبة، افرضوا
أنهم متواجدون داخل المدينة، ثم حاصرها العدو عن أطرافها، وطلب من المنافقين
بالتخلّي عن الإسلام الذي تمسكوا به في الظاهر، أو قال لهم: قاتلوا المسلمين، واعثوا
في الأرض فسادا، لأجابوا دعوتهم، وظهر نفاقهم وكذبهم، ولم يعتذروا بعورة بيوتهم،
ولا يتأخروا عن تلبية دعوتهم إلا قدر ما يأخذ من الوقت لحمل السلاح وإجراء الحوار،
بادروا إلى خوض غمار الفتن، وتخلوا عن دعوى الإسلام الظاهري. (العثماني)
هم
يعادون المسلمين ويحبون المشركين:
«فإن طوّق بالمدينة عساكر المشركين، ثم
سألوا المنافقين الفتنة، لأتوها. والمعنى إن هؤلاء الذين يستأذنون للتخلف في
منازلهم بحجة أن بيوتهم عورة، غرضهم الامتناع عن القتال إلى جانب المسلمين،
والدليل عليه أن جيشا للمشركين لو أحاط بالمدينة، ثم دعوا المنافقين لقتال
المسلمين، لأجابوا دعوتهم فوراً، ولم يضيّعوا وقتاً، وما لبثوا إلا قدر ما يأخذون
سلاحهم وعتادهم، وهنا لا يتذكرون عورة بيوتهم. فيه دليل على عدائهم للمسلمين،
وحبهم للمشركين.
قال صاحب الروح: إن طلبهم الإذن في
الرجوع ليس لاختلال بيوتهم، بل لنفاقهم وكراهتهم نصرتك. (أنوار البيان)
ثم ما
عاشوا إلا قليلاً:
قال بعض المفسرين: معنى قوله تعالى:
{وما تلبّثوا بها إلا يسيرا} أن المنافقين إن أطاعوا المشركين فيما يدعونهم إليه،
وأعلنوا بكفرهم، وحاربوا المسلمين، ما لبثوا بالمدينة المنورة إلا يسيرا، لأن الله
يُهلكهم.
أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا
يسيرا، فإن الله يهلكهم. (المدارك)
وقفة
تأمّل..
لاحظوا أن الجنود الأمريكيين والقوات
الصليبية التابعة لحلف الشمال الأطلسي تهاجم على بلد من بلاد المسلمين، ودخلت فيه
من كافة أقطاره، فإنني أدعو أولئك الذين يتسمّون باسم الإسلام، وينضمون إلى صفوف
الصليبيين لقتال المسلمين الصادقين، أدعوهم لتأمّل هذه الآية بدقة وتعمّق، كذلك
أدعو رؤساء وحكام وزعماء الدول الإسلامية الذين يدعمون القوات الصليبية للتأمّل في
هذه الآية. (والله أعلم بالصواب)