{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ
يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ
إِلا فِرَارًا (13)}.
ملخص
معاني الآية:
(1) قال بعض المنافقين لبعضهم يوم
الأحزاب: يا أهل يثرب لا يسعكم البقاء هنا في الساحة، ولا تُنقِذون أنفسكم من
الموت إلا إذا رجعتم إلى بيوتكم.
(2) ولجأ بعضهم إلى الحيلة فقال: إن
بيوتنا عورة مكشوفة غير محصنة، فاسمح لنا بالعودة إلى أهلنا، هم في الواقع لا
يريدون إلا الفرار من القتال، إذ بيوتهم آمنة محصنة.
ارجعوا:
بعض المنافقين كانوا يتحدثون عن العودة
إلى الأهل فراراً من الظروف الحالكة التي تحيط بهم في ساحة القتال، حتى قالوا:
{فارجعوا} وما المراد منه، فيه عدة أقوال:
(1) ارجعوا إلى بيوتكم ومنازلكم كي لا
يقتلكم المشركون.
(2) ارجعوا كفارا إلى دينكم الأول، لأن
في المحافظة على إسلامكم موت لكم.
(3) انقضوا ما بايعتم الرسول · من السمع
والطاعة، وأسلموه إلى أعدائه. (البحر المحيط)
(4) لقد اطلع الرسول · على ما بكم من
نفاق وغدر، فانفصلوا عنه، وانضموا إلى المشركين واليهود، وإلا لقضى عليكم الرسول ·
بعد الانتصار على أعدائه.
{فارجعوا} إلى بيوتكم ومنازلكم، أمروهم
بالهرب عن رسول الله ·، وقيل: فارجعوا كفارا إلى دينكم الأول، وأسلموه إلى أعدائه.
(البحر المحيط)
فقالوا: لا مقام لكم على معنى لا مقام
لكم مع النبي ·، لأنه إن غلب قتلكم، فارجعوا عما بايعتموه عليه، وأسلموه عليه
الصلاة والسلام، أو فارجعوا عن الإسلام، واتفقوا مع الأحزاب. (روح المعاني)
وفي التفسير الحقاني:
قال مقاتل: هو منافقوا بني سالم. وقال
السدي: قاله عبد الله بن اُبي بن سلول وأصحابه. وقيل: بل قاله بن قيظي وأصحابه.
{يا أهل يثرب لا مقام لكم} لا مقام لكم هنا، أو لا تصبرون في مواجهة العدو،
فاهربوا إلى بيوتكم، أو لا تصبرون على الإسلام، فارجعوا كفارا، تنجون من عدوكم.
{يثرب} قال أبو عبيدة: قطعة أرض
والمدينة بأحد أقطارها. وقيل: بل هو اسم المدينة الأسبق. أخرج البخاري ومسلم في
صحيحيهما أن النبي · قال: أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ
وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ.
(رواه البخاري)
وقد نهى النبي · عن تسمية المدينة يثرب،
كما أخرج الإمام أحمد عن البراء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من سَمَّى المدينة يثرب، فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة». لأن في معنى «يثرب»
إشارة إلى العتاب. لذلك تقرّر أن «المدينة» هو الاسم المُفضّل لها. (التفسير
الحقاني)
قال ابن عباس: قالت اليهود لعبد الله بن
اُبي بن سلول وأصحابه من المنافقين: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان
وأصحابه، فارجعوا إلى المدينة، فإنا مع القوم آمنون. (القرطبي)
النجاة
بالنفس أكبر سعادة لدى المنافقين:
إن أكبر سعادة عند المنافق هي التخلص
بالنفس من الموت، ولأجله استعدوا للمداهنة والتنازل عن المكتسبات كلها، وحتى على
تسليم النبي · للمشركين. (والعياذ بالله)
وأمارات المنافقين المذكورة يمكن
ملاحظتها في الأزمنة كلها. (والله أعلم بالصواب)
الفارّين
من الجهاد:
قال بعض المنافقين: إن بيوتنا عورة،
جدرانها قصيرة، نخاف عليها اللصوص والأعداء، فائذن لنا بالعودة إليها. فأشار
القرآن إلى أنهم يكذبون، ليست بيوتهم عورة مكشوفة للأعداء، إنما يريدون الفرار من
الجهاد ونصر الرسول ·.
{ويستأذن فريق منهم النبي} أي بنو حارثة
{يقولون إن بيوتنا عورة} اعتذروا أن بيوتهم عرضة للعدو والسارق، لأنها غير محصنة،
فاستأذنوه ليحصنوها، ثم يرجعوا إليه، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك، وإنما
يريدون الفرار من القتال. (المدارك)
{إلا فراراً} أي هربا من القتال ونصرة
المؤمنين، قاله جماعة. (روح المعاني)
ألسنة
ضارّة:
إن ممّا تعوّد عليه المنافقون أن الخوف
إذا أحاط بهم، أو وجدوا أنفسهم معرّضين لخطر الموت، أطلقوا ألسنتهم الحادة في طعن
المسلمين والمجاهدين.
وكأنّ القائلين اختاروا يثرب من بين
الأسماء مخالفة له · لما علموا من كراهيته عليه الصلاة والسلام لهذا الاسم من
بينها. (روح المعاني)
فائدة:
لقد سلّط المفسرون الأضواء على أسماء
المدينة المنورة تحت تفسير هذه الآية الكريمة، وقد بلغ بها ابن كثير إلى أحد عشر
اسماً، وعلى الراغبين مراجعته.
كلام
بركة:
