{بسم الله الرحمن الرحيم}
{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ
إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا
(16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا
أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا
نَصِيرًا (17)}.
ملخص
معاني الآية:
(1) المنافقون يفرون من ساحة القتال
خوفا من القتل والموت، قل لهم: ذلك لا ينفعكم، إذ الآجال محددة، لا يقدر أحد على
تقديمها أو تأخيرها إذا جاءت، يلاحقكم الموت حيثما كنتم، في ساحة القتال أو في
البيت في المضجع، ولا تموتون في ساحة القتال إن لم يحن أجلكم، ولا تعيشون بالفرار
إلا بقدر ما قدّر الله لكم، ثم يدرككم الموت.
(2) المنافقون إن كانت حصونهم وقلعهم
وقصورهم وروابطهم مع المشركين تمنعهم من الموت، فليعلموا أن شيئا لن يعيق قضاء الله
وقدره، إن أراد بكم القتل أو الذل والهوان فإن أحداً لن يقدر على منعها، وإن أراد
بكم الخير، فلا مانع له منه. اعلموا أنه لا ناصر من دون الله ولا وليا.
لا
فائدة في معصية الله:
أورد الإمام الرازي رحمه الله تعالى
كلاما حكيما في هذا الموضع، قال:
إشارة إلى أن الأمور مقدرة لا يمكن
الفرار مما وقع عليه القرار، وما قدره الله كائن، فمن أمر بشيء إذا خالفه يبقى في
ورطة العقاب آجلا، ولا ينتفع بالمخالفة عاجلا. (التفسير الكبير)
هل كل
من شهد القتال قُتل:
«أي لا يستطيع الفرار من الموت من جاء
أجله، ولا مفر من القضاء والقدر، ولا ينفع الفرار من لم يأت أجله، هل كل من شهد
القتال قُتل، ثم نفرض أنكم نجوتم من الموت بالفرار، فإلى متى تفرون؟ فإن الموت
يلاقيكم، إن لم يلاقكم اليوم، لقيكم غداً، ولا يدري أحد كيف يعانق الموت؟ مع
الشدائد والمهانة أم بغيرها؟
لا يقدر أحد على منع مشيئة الله وإرادته،
ولا ينفع تدبير ولا حيلة، والواجب على المرء التوكل عليه، لا يطلب إلا رضاه، في
الأحوال كلها، إذ منافع الدنيا ومضارها لاحقة به لا محالة، فلماذا يلجأ إلى الجبن،
ويتخوف من الموت في وقته، الذي يؤدّى إلى ضياع آخرته، ولا مصائب الدنيا تتجافى
عنه. (التفسير العثماني)
تفسير
يسير:
«نبّه في الآيتين الكريمتين الهاربين من
القتال، بأن فراركم إن كان من الموت والقتل فإنه لا ينفعكم، لأنكم كم تحيون بعد
الفرار؟ لقيكم الموت عند انقضاء آجالكم، ولا تستفيدون بأكثر مما تبقَّى من آجالكم،
والعمر لا يزيد بالهروب، إذ أجله محدّد. ثم أكّد على أن الأمور كلها بيده، فإن
فررتم ثم لقيكم الموت حيث وُجدتم، فمن يمنعكم من الله؟ وإن أراد بكم خيرا من
استمرار الحياة لفترة، وهي رحمة دنيوية، فمن يقدر على منعه ؟ (تفسير أنوار البيان)
نكتتان
مهمتان حول الجهاد:
(1) ما من زمان إلا ويرى المنافقون
الموت بين أيديهم، لأنهم يزعمون أن قوة المشركين لا تُقهر، ففي الآية 16 أكّد على
أن الموت ليس في الجهاد، وأن الحياة ليست في الفرار، لا يأتي الأجل إلا في وقته،
وأن ساعات الحياة محددة، لا تُزاد ولا تُنقص.
(2) شعار المنافقين الوحيد هو كيف يمكن
لنا البقاء في ظل مقاطعة الدنيا كلها، إن تكلمنا حول الجهاد، أو دعونا الناس إليه،
قام الكفار بقطع الروابط التي بيننا وبينهم، ولا يمكن لنا البقاء على قيد الحياة
بعده، في الآية 17 أشار الله تعالى إلى أن العيش ممكن بعد مقاطعة الكفار، لكنه لا
يمكن بعد قطع العلائق مع الله، فالموت والحياة والنفع والضرر والعزة والذلة بيد
الله تعالى، لذلك اهتموا بتقوية الروابط مع الله، فهو الولي وهو الوكيل. وأخرجوا
من قلوبكم الرغبة النفاقية من الترابط مع الدنيا بقطع العلاقة مع الله، لأن أحداً
لا يقدر على إصابتك بخير أو شر إم لم يشإ الله.
الآيتان الكريمتان أرشدتا إلى أصلين
مهمين، وإلى مسألة الجهاد، كما سدتا أبواب التأويلات الباطلة والتحريفات الزائغة
في معنى الجهاد. وهناك أمر مهم، وهو أن الأصل الذي أرشدنا إليه من خلال الآيتين،
بقي ساري المفعول إلى يوم القيامة، لذلك من الخطأ تقييد آيات الجهاد بعهد النبي ·
وصحابته. (والله أعلم بالصواب)
كلام
بركة:
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله في
تفسير الآية 16:
«أي الذي قُدّر له الموت لا ينجو منه
بالفرار، وإن لم يقُدّر له، فكم يوماً يزيد في عمره بالفرار؟» (موضح القرآن)
الآية 16 أكّدت على أن الأجل لا يحين
قبل موعده، فهل لكم الهروب منه؟