{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}.
ملخص معاني الآية:
لقد أكرم الله على عباده المؤمنين حين بعث فيهم
رسولا يتكلم بلغتهم، نشأ بينهم يعرفهم ويعرفونه، يتلو عليهم آيات الله، ويزكّيهم
من دنس الكفر والشرك، ويعلّمهم كتاب الله والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال
مبين.
وجوه
الارتباط بين الآيات:
في الآيات السابقة ذكر أحوال غزوة اُحد
وآثارها. والسوال الآن: ما وجه الارتباط بين هذه الآية والآيات السابقة؟ وما وجه
ارتباطها بالجهاد؟ وفيه أقوال للمفسرين:
(1) أنه لما بين خطأهم في نسبته الى الخيانة والغلول
قال : لا أقنع بذلك ولا أكتفي في حقه بأن أبين براءته عن الخيانة والغلول ، ولكني أقول
: إن وجوده فيكم من أعظم نعمتي عليكم فانه يزكيكم عن الطريق الباطلة ، ويعلمكم العلوم
النافعة لكم في دنياكم وفي دينكم ، فأي عاقل يخطر بباله أن ينسب مثل هذا الانسان الى
الخيانة . (التفسير الكبير للرازي)
(2) أنه لما كان في الشرف والمنقبة بحيث يمن الله
به على عباده وجب على كل عاقل أن يعينه بأقصى ما يقدر عليه ، فوجب عليكم أن تحاربوا
أعداءه وأن تكونوا معه باليد واللسان والسيف والسنان ، والمقصود منه العود الى ترغيب
المسلمين في مجاهدة الكفار. (التفسير الكبير)
فائدة:
الغرض منها إخراج المؤمنين من آثار الهزيمة
وتطمينهم وتهدئة قلوبهم حتى لا يتغلب عليهم اليأس والقنوط. والمعنى إنكم ما خسرتم
شيئا، لم تخسروا الرسول ·، وتعليماته الكريمة، وتزكيته للنفوس وتلاواته الرائعة
كلها موجودة بين أيديكم، لم تفقدوها، لذلك لا تتوانوا ولا تضعفوا، توكلوا على الله
وتجلدوا. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
من إحدى الفتن التي تظهر عند الهزيمة هي
الأصوات التي ترتفع من هنا وهناك ضد الأمير، والوساوس التي تتربّع على أذهان وقلوب
الناس، ففي هذه الآية إشارة إلى طرق معالجتها، فالرسول · إمامكم وأميركم، وله
أيادي بيضاء إليكم، ومنها ما وردت هنا. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
الهزيمة تجلب الفوضى، وفي هذه الآية دعوة
لأصحاب النبي · إلى القائد والمركز ليجنّبوا الفوضى عقب الهزيمة يوم اُحد،
والمعنى: اجتمعوا حول رسول الله ·، واسمعوا منه القرآن، وزكّوا أنفسكم وقلوبكم،
واكتسبوا العلم الشرعي، بها تتغلبون على المشاكل والفوضى، وتلتئم القلوب المحطمة.
(والله أعلم بالصواب)
فائدة:
بعد الهزيمة تحتاج الجماعة إلى تربية غضّة
وقوية، كي لا تعاود الخطأ التي جلبت الهزيمة، وأعاد عليهم منهج التربية، وهو:
(1) تلاوة كتاب الله (2) تزكية النفس (3) تعليم
كتاب الله (4) تعليم الحكمة.
فائدة:
الضعفاء يزعمون بعد الهزيمة أن دورهم قد انتهى،
وسوف تزول الجماعة، وكذلك يظن الأعداء أن دور الإسلام قد انتهى، ويزول المسلمون
بدون تراجع. هكذا كانت الظروف بعد الهزيمة يوم اُحد، فقد كان المنافقون والكفار
يحسبون أن الإسلام أصيب بنكسة كبيرة، لا تراجع بعدها، وسوف تزول دولتهم. ردّ الله
تعالى عليهم في هذه الآية، وقال إن أسس الإسلام قوية، وهي عبارة عن بعثة رسول الله
· إلى الدنيا، والتي تستمر إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعده، وما من جماعة تبنّت
دعائمها على التلاوة والتربية والتزكية وتعليم الكتاب والسنة، إلا و واصلت تقدمها،
لا يطرأ عليها الزوال.
لطيفة:
قال الشيخ أحمد علي اللاهوري في تفسير الآية
الكريمة:
إنما بُعث رسول الله · لتأدية هذا الواجب، وهذا
هو المحك الذي يُعلم به الزيف من الصدق، لمعرفة الصادق من الكاذب من أتباع رسول
الله ·. (حاشية اللاهوري)
والمعنى أن ما من أمة فيها التلاوة والتزكية
وتعليم الكتاب والحكمة إلا ويُعدّون من أتباع رسول الله · الصادقين، وما من أمة
تخلت عنها أو عن بعضها إلا وابتعدت عن الله وعن رسول الله ·.
فائدة:
دلت الآية على أن من ميزات أمير المؤمنين هي
اهتمامه بالتلاوة والتزكية وتعليم الكتاب والسنة. والله أعلم بالصواب
فائدة:
ودلَّ توسط هذه الآية بين آيات الجهاد على
أهمية التزام المؤمنين بالأمور الأربعة المذكورة، وعلى ضرورة ارتباط الأمير برسول
الله · بشكل كامل. والله أعلم بالصواب
دعاء:
اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم واجعله لنا وإماما
ونورا وهدى ورحمة.