{رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}.
ملخص معاني الآية:
اللهم أنجز ما وعدته على لسان رسولك (بالنصر
والفتح والغلبة والسعادة الأخروية) وقنا من خزي الدنيا والآخرة، إنك لا تُخلف
الميعاد.
الأقوال والمراجع:
(1) أي أنجز ما وعدتنا على لسان رسولك إن
صدّقناه وآمنا به من نصر المؤمنين على الأعداء، والتنزيل في الجنة والرضوان في
الآخرة، اللهم آتنا جملة ما وعدتنا بحيث لا نواجه خزيا ولا ندامة يوم القيامة.
(التفسير العثماني)
(2) والوعد هو أنه ينصر في الدين والدنيا من
تفرّغ لطاعته. (حاشية اللاهوري رحمه الله)
(3) ففسر هذا الموعود بالجنة قال ابن عباس
وقيل: الموعود به النصر على الأعداء. (البحر المحيط)
(4) والموعود هو الثواب، وقيل: النصرة على
الأعداء. (الكشاف)
(5) إن الله تعالى وعد المؤمنين بأن ينصرهم في
الدنيا، ويقهر عدوهم، فهم طلبوا تعجيل ذلك. (التفسير الكبير)
(6) {لا تخزنا}..
لا تخزنا في الدنيا بغلبة العدو علينا، فكأنهم
قالوا: لا تخزنا في الدنيا ولا تخزنا في الآخرة. (روح المعاني)
فائدة:
سورة آل عمران تهدف إلى إصلاح النصارى، كما قال
الشاه عبد القادر واللاهوري رحمهما الله. في الآية السابقة قال: ربنا صدّقنا
برسولك، وآمنّا بك، فاغفر لنا ذنوبنا. وفي هذه الآية قال: ربنا آتنا ما وعدتنا على
رسلك، وهو الدعاء الذي يردده الأنبياء السابقون، فأنجز وعدك. كما قال الآلوسي رحمه
الله:
وقيل : إن الموعود به هو النصر لا غير ، والقوم
قد علموا ذلك لكنهم لم يوقت لهم في الوعد ليعلموه فرغبوا إلى الله تعالى في تعجيل ذلك
لما فيه من السرور بالظفر ، فالموعود غير مسؤول والمسؤول غير موعود ، فلا إشكال وإلى
هذا ذهب الطبري وقال : إن الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
واستبطأوا النصر على أعدائهم بعد أن وعدوا به. (روح المعاني)
في آخر سورة البقرة دعاء بالنصر والغلبة على
الكفار. والغرض الحقيقي من هذه السورة كان إصلاح أحوال اليهود، ثم أعاد دعاء النصر
والغلبة، وقد أكثر من ذكر النصارى. فالمعنى ما من يهودي ولا نصراني آمن برسول الله
· إلا وكان ناجحا. أما من وقف في طريق الإسلام لعرقلته، فإن الله ينصر المسلمين،
ويغلّبهم على أعدائهم، ولهم عذاب أليم . ثم بشّر المسلمين بالغلبة والنصر، لكن
عليهم أن يقوموا ببعض الأعمال، ذكرها في الآية التي تلي، وهي الآية 195، والواجب
عليهم إحياء فريضة الجهاد والهجرة.
وقد يتساءل أحد: إن الكفار أقوياء، بسطوا
هيمنتهم وسلطانهم على الأرض كلها، ينتقلون فيها من مكان إلى مكان كما يشاءون، ردّ
الله تعالى عليه في الآيات الثلاث التي تأتي، وهي (من 196 إلى 197) أي لا يتخوّف المسلمون بنهضة الكفار الظاهرة، بل عليهم أن يركّزوا أنظارهم
على نعيم الآخرة، وعندئذ يتحقق النصر للإسلام والمسلمين.
قد يتساءل أحد: إن عدد أهل الكتاب كبير، فهل
على المسلمين أن يحاربوهم جميعا؟ فأشارت الآية 199 إلى أن عددا كبيرا منهم سوف
يدخلون في دين الله، وأن الله يُضاعف لهم أجورهم. وكان كما قلنا، فقد دخل عدد كبير
من النصارى في الإسلام.
وقيل: أشارت الآية الكريمة إلى أن الله تعالى
نصر النصارى على أعداءهم لما كانوا يمتازون بصفات (ورد ذكرها في الآية) ومن هنا
وجب على المسلمين أن يتحلّوا بها. فهذا كان بيانا لوجوه الارتباط بين الآيات من
194 إلى 199 ومباحثها الجهادية، أما وجه ارتباط الآية 200 ومباحث الجهاد فيها
فواضحة. لقد تناولت هذه السورة بيان فضل الإيمان والجهاد، والوعد بنصر المسلمين،
ثم في الآية الأخيرة بيّن طريقة حفظ الإيمان والنصر، بأن حفظ الإيمان يتم بالصبر،
وحفظ النصر بالرباط في سبيل الله. والتقوى سرّ النجاح في الأعمال كلها.
كأنّ المسلمين قالوا: لقد أكرمنا الله تعالى
بنعمة الإيمان، وانتصرنا على أعدائنا، فكيف المحافظة عليهما، رد عليه في الآية
الأخيرة من سورة آل عمران التي اشتملت على كافة التدابير التي لابد من اتخاذها
للمحافظة عليهما. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
لقد آذن القرآن بإجابة دعاء المسلمين بالنصر
على الأعداء، وهم لا يزالون بالمدينة المنورة، وفيها بشارة مستقبلية، وتنبُّؤٌ
بزاول دولة الكفار وتأسيس دولة المسلمين، وكان كذلك، إذ زالت دولة قيصر وكسرى،
وبسط الإسلام نفوذه على العالم كله، ولله الحمد والمنة. أما اليوم فقوة الكفار
والمشركين لا تدل على رضا الله بهم، بل إنما آلت الأوضاع إلى ما آلت لأن المسلمين
تخلوا عن طريق النصر والظفر. (والله أعلم بالصواب)