{سورة آل عمران مدنية، الآية 175}



{بسم الله الرحمن الرحيم}

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}.

ملخص معاني الآية الكريمة:

يا أيها الذين آمنوا، إنما الذي يخوُّفكم عن الكفار هو الشيطان، فلا تخافوهم حتى تضعفوا في القتال، ولكن خافوا الله واخرجوا للجهاد إن كنتم مؤمنين.

الأقوال والمراجع:

{يخوّف أولياءه}..
(1) أي بأولياءه يعني يخوّف المؤمن بالكافر. (القرطبي)
إن المراد هذا الذي يخوفكم بجمع الكفار شيطان من شياطين الإنس. (القرطبي)
(2) أي هذا الذي يأتيكم من تلك الجهة ليخوّفكم هو شيطان، أو أنه يفعل ذلك بعدما أغواه الشيطان، يريد أن يخوّفكم بعملائه وأذنابه وأنصاره، فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين، ولا شك أنكم مؤمنين، فلا تخافوهم. (التفسير العثماني)
(3) القول الثالث: إن معنى الآية يخوف أوليائه المنافقين ليقعدهم عن قتال المشركين. والمعنى الشيطان يخوّف أوليائه الذين يطيعونه ويوثرون أمره، فأما أولياء الله فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم، ولا ينقادون لأمره. وهذا قول الحسن والسدِّي. (التفسير الكبير)
(4) الشيطان لا يظهر في صورته الحقيقية عند المهاجمة، ولا يهاجم إلا في هيئة إنسان، وهو ولي الشيطان وصديقه، وفي القصة كان نعيم بن مسعود الثقفي يمثّل الشيطان. (التفسير الماجدي)

(5) كلام بركة:

أي الذي ينقل الأخبار هو تلميذ الشيطان. (موضح القرآن)
(6) {فلا تخافوهم} فتقعدوا عن القتال وتجبنوا. (التفسير الكبير)
(7) {وخافون} فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمركم به. (التفسير الكبير)
(8) {إن كنتم مؤمنين} يعني أن الإيمان يقتضي أن توثروا خوف الله على خوف الناس. (التفسير الكبير)

فائدة:

إلى هنا كان بيانا لمضمون غزوة اُحد عند العديد من أهل العلم، وتعقبها مسائل متنوعة. (تفسير الفرقان)
وقيل: بل الآيات اللاحقة من ضمن المضمون السابق، وأنها تتحدث عن غزوة اُحد. انظروا التفسير الكبير. وبناءً عليه فإنه يمكن عدّها ضمن آيات الجهاد. (والله أعلم)

فائدة:

يبدو أن الآية الكريمة تحذّر من أمر هام، وهو ضرورة عدم الإذعان لتلك الشائعات والأراجيف التي يبثها المنافقون والشياطين بشأن قوة الكفار وشوكتهم، والابتعاد عنها قلبا وقالبا، وبه يمكن النهوض بالجماعة بعد إصابتها بالهزيمة. وطريقته أن يملأ قلبه بنور عظمة الله تعالى، وأن ينوّره بخوف الله تعالى. (والله أعلم)

نكتة:

ذكر غزوة حمراء الأسد عقب غزوة اُحد يدل على ضرورة الاستمرار في العمل بدلاً من القعود وأخذ الراحة، لأن به تتقوى الجماعة، وعندها يسهل لها النهوض ولمّ الشمل مرة ثانية، لأن القعود والراحة بعد الهزيمة بنية العلاج أو الاسترخاء يتسبب في إصابة الجماعة بأضرار جسيمة، لذلك رغّبهم إلى طريقة اكتساب القوة بعد الهزيمة واستعادة الاعتبارات. وما من رجل قعد في بيته بنية الراحة عقب الهزيمة، إلا وشقّت عليه العودة، وتؤثّر عليهم أكاذيب المنافقين وأراجيفهم، فالواجب عدم التخلي عن سبيل الله ولو بعد الإصابات، وعدم التغافل عن الجهاد بحجة المصائب والأحزان. (والله أعلم بالصواب)

فائدة:

في أيامنا هذه يواجه المسلمون هزائم أمام الأعداء، خاصة في أرض أفغانستان وغيرها. لكنها لا تخلو عن حكمة، إنما هي تحمل في طياتها كثيرا من الدروس والعبر، وسوف يعقبها الفتح والظفر بإذن الله.
فالآيات من 139 إلى 175 من سورة آل عمران تُرشد المسلمين إلى النهوض والتثبّت، وترد على الشبهات التي تُبثّ هنا وهناك. فهذا من فضل الله على هذه الأمة أنه أكرمهم بهذا الكتاب العظيم، وفيه هديهم وصلاحهم في كل زمان ومكان. أرجو معاودة نقاش هذه الآيات من سورة آل عمران مرارا وتكرارا، والعمل بما وردت فيها من نصائح ودروس، وسوف تتحسن أحوال المسلمين بإذن الله تعالى. والله تعالى أعلم