{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}.
ملخص معاني الآية:
فيها إشارة إلى مدى تحلي المتجاوبين مع نداء
الله بالصدق والشجاعة بحيث لمّا قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم
إيمانا وقالوا حسبنا الله، ونعم الوكيل. فانقلبوا من ساحة القتال بنعمة من الله
وفضل سالمين غانمين لم يمسسهم سوءٌ، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم.
الأقوال والمراجع:
(1)
غزوة حمراء الأسد أم غزوة بدر الصغرى (الثاني):
لقد لجأ أبو سفيان زعيم المشركين إلى حيلة
مؤثرة في قتال المسلمين، فقد استأجر بعض الأعراب المارّة يوم حمراء الأسد، ونعيم
بن مسعود الثقفي يوم بدر الصغرى، وأمرهم أن يأتوا المدينة فيثبّطوا المسلمين
ويخوّفوهم. فقد كان يدري أبو سفيان أن النصر الذي تحقق له يوم اُحد كان آنيا من
باب الصُدفة، إذ رأى ما أبدى المسلمون من حماس وشجاعة وفداء وتضحية في أول المعركة
وآخرها، حتى اُرعب، فاستأجر بعض الأعراب لتثبيط المسلمين، ويُرعبوا المسلمين بقوة
المشركين، ويبثوا الأراجيف حتى لا يتحمسوا للخروج والقتال، فجاءوا وأرعبوا، لكنهم
ما نجحوا، إذ زاد ذلك في إيمان المؤمنين، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوجهوا
نحو بدر للقاء المشركين. (والله أعلم بالصواب)
فشل التدابير:
(2) فقدم على رسول الله · وأفزع الناس وخوفهم
اللقاء، فقال الرسول ·، والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي، فأما الجبان، فرجع. وأما
الشجاع فتجهز للقتال وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. (البحر المحيط)
نكتة غريبة:
لاشك أن من جعل جُلّ همّه حياته، فلا يخطر
بباله إلا الدنيا وملذاتها، لا يسمع عن العدو وقوته إلا اُرعب. أما من جعل همّه
رضا ربه ورفعة دينه، فإنه ثار كلّما سمع عن قوة العدو وعدده وعُدّته، إذ هي من أشد
المخاطر التي تُهدّد إعلاء كلمة الله، فيجد حميّته الدينية تثور، ويضطرب لقتال
أعداء الله. والله أعلم بالصواب
نكتة:
من كانت نُصب عينه الدنيا وبهجتها إن قيل له:
إن عدوا قويا سائر إليكم اُرعب، لأنه يرى أمامه نهاية حياته الدنيوية، أما من جعل
الله همه الأكبر، وقلبه غامرا بحب الشهادة في سبيل الله، إذا اُخبر عن العدو، زاد إيمانه
لفرحه بلقاء الله والإعداد له. (والله أعلم بالصواب)
(3) كلام بركة:
رغب أبو سفيان أن لا يخرج النبي · للقائه في
الموعد، حتى يقال للمسلمين إنهم خافوا المشركين فلم يخرجوا لقتالهم، ودفع مالا إلى
رجل ليأتي المدينة ليثبّط أهلها، فجاء إلى المدينة وقال: لقد جمع المشركون جيشا
عظيما لا طاقة لكم به، فلا تخرجوا لقتالهم، لكن ذلك زاد في إيمانهم ويقينهم بالله،
وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فخرجوا حتى جاءوا بدراً، وأقاموا فيها ثلاثة أيام
فباعوا واشتروا وكسبوا ربحا كبيرا، ثم عادوا إلى المدينة. (موضح القرآن)
(4) {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} ..
روى البخاري عن ابن عباس قال في قوله تعالى: { الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} - إلى قوله: - {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم الخليل
عليه السلام حين ألقي في النار. وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس:
إن الناس قد جمعوا لكم. والله أعلم. (القرطبي)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
· إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل. (ابن كثير)
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى
عنها أن النبي · كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال:
حسبي الله ونعم الوكيل. (روح المعاني)
نكتة:
دلت الآية الكريمة على أن أصحاب رسول الله ·
قالوا يوم اللقاء : حسبنا الله ونعم الوكيل، وقد اُعجب به الله، فالواجب على
الإخوة المجاهدين أن يهتموا بهذا الدعاء كثيراً.
(5) {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} ما الذي
أراد بالنعمة والفضل؟ أقوال لأهل العلم، وأجمعها:
أي النعمة هي القبول وزيادة الإيمان.
والفضل: النفع الدنيوي.
وقد ظهر فضل الله على المؤمنين بالصور التالية:
(1) زاد إيمانهم (2) وفّقهم للخروج في سبيل
الله (3) لم يُرعبوا بقوة العدو وشوكته، وتحمسوا للقتال. (4) حصلت لهم مكاسب مالية
وتجارية. (بشّرهم الله تعالى بالأجر العظيم. (التفسير الماجدي)
قال علماءنا: لما فوضوا أمورهم إليه، واعتمدوا
بقلوبهم عليه، أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة، والفضل، وصرف السوء واتباع
الرضا فرضاهم عنه. (القرطبي)
«أي لاحظوا فضل الله عليهم، لم يضطروا إلى قتال
المشركين، ولم ينالوا منهم طعنة ولا ضربة، كسبوا أجورا طائلة، وعادوا إلى المدينة
يحملون معهم أرباحا عظيمة نالوها من التجارة التي زاولوها، إضافة إلى إرعاب
المشركين. (التفسير العثماني)