{سورة آل عمران مدنية، الآيات 196-197}



{بسم الله الرحمن الرحيم}
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}.
ملخص معانى الآية:
لا يقع المسلمون في الورطة والغلطة لما يشاهدون الكفار يتقلّبون في البلاد قادمين ذاهبين، (واقتناءهم للمال) لأنه رونقها آنيّ زائل، (ولا قيمة له، كما لا يبقى أثره بعد المماة) ثم مأواهم جهنم، وبئس المهاد. (مستفاد من بيان القرآن)
الأقوال والمراجع:
(1) أي إن كان الكفار يكسبون أموالا طائلة في صولاتهم وجولاتهم، فلا يغترَّ بهم المسلمون، لأنها بهجة آنيّة سريعة الزوال، شأنهم شأن من أطعمتموه أنفس الأطعمة من الأرز البرياني لأيام، ثم أمرتم بإعدامه شنقا، أو بالسجن المؤبّد، فهل يقال له: إنه سعيد؟ إنما السعيد من تعب قليلا واجتهد مدة، ثم أحرز متاع الراحة والرفاهية لطول حياته مع مراتب عالية. (التفسير العثماني) (كما سبق ذكر حسن ثواب الهجرة والجهاد والشهادة في الآية السابقة).
(2) لا يقلقكم زعمكم أنهم يمتلكون أسباب الراحة كافة، وأنكم لا تمتلكون شيئا. (حاشية الشيخ اللاهوري رحمه الله)
فائدة:
الكافر لا يطمح إلا إلى سعادة الدنيا وبهجتها ورفاهيتها، ولأجلها يجتهد ليلاً ونهاراً، والله سبحانه وتعالى يُمهله، لذلك يقدر على اقتناء الدنيا ورونقها في العصور كلها، فإن مدّ المسلم عينيه إلى ما متعه الله تعالى من التقدم والبهجة، وأقام لها وزنا ومنزلة، خسر خسرانا كبيرا، وانحرف عن غاية حياته. وقد يُحرم من الجهاد والنصر. وبات يزهد في الدين لأجل الدنيا بدلا من أن يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة. ومن أحد أهم الدروس والعبر التي نستخلصها من خلال «دعوة الجهاد» في القرآن هو: عدم المرعوبية من تقدم الكفار المادّي الظاهري، ولا يقيموا لبريق حياتهم ولمعانها وزنا، ولا يتخذوها غاية حياتهم. بل عليهم أن يركّزوا أنظارهم على الآخرة ونعيمها، لذلك لم يعد الرسول · بأنصار المدينة إلا بالجنة، فإن استطاع المسلم أن يصهر فكره ونظريته في الضوابط التي ذكرناها، أمكن له تحمل صعوبات الهجرة والجهاد، وإلا فلا. (والله أعلم بالصواب)
والمسلم إن لم يكن يقيم وزنا لحياة الدنيا وزينتها وتطورها، ويركّز نظره على الآخرة، سقطت الدنيا على قدميه، كما وقع ذلك لصحابة رسول الله · وسلف هذه الأمة، وكلما نسي المسلم تعليم القرآن هذا، وجعل الدنيا والتقدم فيها أكبر همومه، كان الندم والذل يطارده مثل الظل، واضطر إلى عمالة الكفار وعبوديتهم، كما هو المشاهد اليوم بكثرة. (والله أعلم بالصواب)
لقد أعاد القرآن هذا المبحث في مواضع عدة، ليدرك المسلمون أبعاده وأهدافه، كما تناوله المصطفى · بأقواله في مناسبات كثيرة.