{بسم الله الرحمن الرحيم}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}.

ملخص معاني الآية:
منهج حماية الإيمان والسعادة في الدنيا
والآخرة:
(1) الصبر أي الاستقامة على الإسلام (2)
المصابرة، أي الثبات في ساحة القتال (3) الرباط، أي الاستعداد للجهاد في الأوقات
كلها. (4) التقوى، أي الابتعاد عن المعاصي طلباً لمرضاة الله تعالى.
الأقوال والمراجع:
وفي خاتمة السورة قدّم للمسلمين نصيحة مكتملة
جامعة، تتخلص فيها جملة ما ورد في السورة، أي إن رغبتم في سعادة الدنيا والآخرة،
ونيل غاياتكم فيهما، فما عليكم إلا الثبات على الطاعة رغم الصعوبات والمحن،
والابتعاد عن المعاصي، والصبر والمثابرة في مواجهة العدو، والمداومة على حراسة
الثغور والثكنات، وحماية الإسلام، والاصطفاف أمام العدو كالبنيان المرصوص عند
احتمال مهاجمته ببعض الجبهات. {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال) (التفسير العثماني)
(2) كلام بركة:
يا أيها الذين آمنوا اصبروا، أي على الدين.
وصابروا أي في مواجهة العدو، ورابطوا أي واصلوا صبركم وثباتكم في الحراسة
والاستعداد. (موضح القرآن)
(3) يا أيها الذين آمنوا تفانوا في القيام
بواجبكم، وحرّضوا إخوانكم على التفاني في القيام بمسؤولياتهم، واقعدوا للعدو بكل
مرصاد، وقَوّوا صلاتكم مع الله، كي تخلصوا من المصائب والمحن. (حاشية اللاهوري
رحمه الله)
(4) أي يا أيها الذين آمنوا اصبروا على الصعوبات،
واثبتوا عند محاربة الكفار، واستعدوا للصبر والثبات عند إمكانية نشوب حرب، واتقوا
الله تعالى في الأحوال كلها، ولا تتعدوا حدود الدين، إن فعلتم ذلك فلكم النجاح
والظفر، أما في الآخرة فلاشك، وأما في الدنيا ففي أغلب الأوقات. (بيان القرآن)
فائدة:
لإدراك معاني الصبر والمصابرة والرباط والتقوى
تدبّروا النصوص الأربعة التي أسلفناها، ومن خلالها تطّلعون على كثير من الفوائد
واللطائف.
(5) {يا أيها الذين آمنوا اصبروا} على الطاعات
والمصائب وعن المعاصي {وصابرو} الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم {ورابطوا} أقيموا
على الجهاد. (الجلالين)
(6) وقال الأصم: لما كثرت تكاليف الله في هذه
السورة، أمرهم بالصبر عليها، ولما كثر ترغيب الله تعالى في الجهاد في هذه السورة،
أمرهم بمصابرة الأعداء. (التفسير الكبير)
(7) معنى المرابطة الإعداد لمواجهة الأعداء
ومباراتهم، وتشمل كافة أنواع الاستعدادات الحربية المتمشية مع متطلبات العصر
الجديد. (التفسير الماجدي)
(8) {اصبروا} أي استعدوا للموت في سبيل الهدف
الأسمى من الحياة. {وصابروا} أي حرّضوا المؤمنين على القتال والجهاد، وانفخوا في
قلوبهم روح التفاني من أجل الهدف الأسمى. {ورابطوا} أي راقبوا أعداءكم واقعدوا لهم
كل مرصاد، ليمكنكم الرد على كافة التدابير التي يتخذونها للقضاء على الإسلام
والمسلمين. (تفسير الفرقان)
(9) {صابروا} أعداء الله في الجهاد، أي غالبوهم
في الصبر على شدائد الحرب، لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا. {ورابطوا} وأقيموا في
الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو. قال الله عزوجل: {ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوّكم} (الكشاف).
(10) ختم الله تعالى هذه السورة بهذه الوصاية
التي جمعت الظهور في الدنيا على العدو والفوز بنعيم الآخرة، فأمر الله بالصبر
والمصابرة والرباط. (البحر المحيط)
(11) وقال الحسن وقتادة والضحاك وابن جريج
{اصبروا} على طاعة الله في تكاليفه، {وصابروا} أعداء الله في الجهاد {ورابطوا} في
الثغور في سبيل الله، أي ارتبطوا الخيل كما يرتبطها أعداءكم. (البحر المحيط)
(12) ومن أحد معاني المصابرة الرائع:
وقال أبي ومحمد بن كعب القرظي: هي مصابرة وعد
الله بالنصر، أي لا تسأموا وانتظروا الفرج. (البحر المحيط)
(13) والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو
الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة. (البحر المحيط)
(14) ورابطوا فقال جمهور الأمة: رابطوا أعداءكم
بالخيل، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداءكم. (القرطبي)
(15) قال ابن عطية: والقول الصحيح هو أن الرباط
الملازمة في سبيل الله، أصلها من ربط الخيل، ثم كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام
مرابطا فارساً أو راجلاً. (القرطبي)
فائدة:
دلت الروايات التي سردناها آنفاً على المعاني
التالية:
(1) حراسة حدود الدولة الإسلامية والجيش (2)
الالتزام بالجهاد (3) الاستعاد المتواصل للجهاد (4) رصد تحركات العدو وترتيباته
والقعود له بالمرصاد (5) انتظار صلاة بعد صلاة (6) تقوية صلة القلب بالمسجد
وغيرها.
فضل
الرباط:
الرباط في سبيل الله، أي حراسة الحدود وعدم
مفارقة الثكنات والجبهات، أو حراسة الأمير والجيش وغيرها، من أفضل الأعمال، ومن
أعلى مراتب الجهاد. وقد ورد له فضل كبير في الحديث. لو جُمع في موضع واحد صار
كتابا. ونشير هنا إلى بعضها التي وردت في السنة من باب التبرّك:
(1) رباط يوم وليلة خير من الدنيا وما فيها. أي
لو امتلك شخص الدنيا كلها، ثم أنفقها في سبيل الله، ما بلغت مبلغ رباط يوم في سبيل
الله.
(2) رباط يوم وليلة أفضل من صيام شهر وقيام
لياليه.
(3) يستمر عمل المرابط إلى يوم القيامة، ويثاب
عليه بعد الممات أيضاً.
(4) يحفظ الله تعالى المرابط من شرّ الشيطان.
(5) يزداد عمل المرابط إلى يوم القيامة.
(6) يكون في مأمن من ملائكة القبر.
(7) يستمر ثواب الصدقات الجارية ما بقيت نافعة
ومؤثّرة، وعند نهاية آثارها يتوقف ثوابها. أما المرابط فيدوم عمله إلى يوم
القيامة، لأنه كان يحمي الدين بأكلمه، يحمي شعائر الإسلام، وهي تستمر إلى يوم
القيامة. (وللاطلاع على كامل البحث ارجعوا إلى تفسير القرطبي)
(8) يأمن المرابط من فزع يوم القيامة.
دعاء:
اللهم وفّقنا للإيمان والصبر والمصابرة والرباط
والتقوى والنجاح.
آمين يا أرحم الراحمين
(6
صفر 1427هـ)