{سورة الأحزاب مدنية، الآية 21}

{بسم الله الرحمن الرحيم}
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}.
ملخص معاني الآية:
(1) كان من مقتضيات الإيمان الثبات يوم الزحف واقتداء النبي · فيه، فلا يقتديه أحد إلا من كمُلَ إيمانه، وفيه تعيير المنافقين بأنهم لا يعملون بمقتضى الإيمان رغم ادعائهم له، ويتولّون عن الجهاد. (معنى ما ورد في بيان القرآن)
دعوة قوية ومؤثرة إلى الثبات يوم الزحف:
دعا الله تعالى في هذه الآيةية الكريمة المؤمنين إلى الثبات في القتال بذكر عمل النبي · وتضحياته، لاحظوا فيما يلي بعض نصوص أهل العلم الباعثة على الإيمان:
لم يسيطر الخوف عليه   · :
«لقد كان عمل النبي · من الصبر والثبات أثناء القتال خير نموذج للمؤمنين، لم يتغلب عليه الخوف قط، نصر الإسلام بموقفه وشجاعته، فأنزل الله نصره وتحقق لهم الانتصار على العدو. فاعتبروا يا أولي الأبصار». (اللاهوري رحمه الله)
اقتدوا بالنبي   · بالثبات في القتال
الأسوة الحسنة
اقتداء به في القتال والثبات في مواطنه. (الجلالين)
لاحظوا ثبات النبي   · في القتال:
«لاحظوا رسول الله · وثباته في وقت الحرج، رغم كونه أكثر أفراد الجيش مستهدفا، (أي كان العدو يستهدف النبي · في الدرجة الأولى، وأن نفسه أغلى النفوس، والمسئووليات عليه كانت أكثر من غيره) ومع كل ذلك لم تتزلزل أقدامه. فمن كان يرجو لقاء الله وثواب اليوم الآخر، ويذكر الله كثيرا، فشخصية الرسول · خير أسوة وقدوة له، فليتأسى به في مشيه وحركته وعمله وسيرته وتعاملاته، ويقتدي به في الشجاعة والصبر والثبات». (التفسير العثماني)
أي انظروا إلى رسول الله · كم كان صابرا ثابتا في تلك الظروف المُحدقة، وهو أكثرهم جهدا وأدقهم هدفا من العدو. (موضح القرآن)
جهاده النموذجي:
قال ابن كثير رحمه الله:
ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي · يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عزوجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلي يوم القيامة. (تفسير ابن كثير)
تضحيات الرسول   · في الجهاد:
معنى «الأسوة» : القدوة، وهي الطريقة المُتَّبَعةُ، وأراد به هنا: سيرة الرسول · التي تذخر بالخصال الحميدة والأخلاق الحسنة، التي اُلزمتم بها، منها الثبات في القتال، والصبر على الشدائد. أو المعنى إن رسول الله · إمامكم وقدوتكم، ولا قدوة لكم أفضل منه. وقيل: الأسوة مشتقة من الايتساء، أي الواجب عليكم المواساة الحسنة مع رسول الله ·، فكما نصر الدين انصروه، كُسرت رباعيته يوم بدر، وقُتل عمه يوم اُحد، وقد اُوذي في سبيل الله، لكنه صبر عليها، وساعدكم، فاقتدوا به عند المصائب والمحن، وواسوه، وسيروا على نهجه.
فلقد شُجّ وجهه وكُسرت رباعيته، وقُتل عمه حمزة، وجاع بطنه، ولم يلف إلا صابرا محتسبا وشاكرا وراضيا. (المظهري والقرطبي).
الهمة والشجاعة في اتباع الرسول   ·:
«إنما الهمة والشجاعة في اتباع الرسول ·، كما قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فقد ثبت في تلك المواقف الصعبة التي كانت الأخطار تحيط بذاته. وعلى كل، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليتأسي بأسوته». (معارف القرآن للكاندهلوي)
من كان أحب من رسول الله   ·؟
«أشار فيما بعد إلى أن اتباع الرسول · فيما يتعلق بالثبات في الحرب من مقتضيات الإيمان، وإلى تعيير المنافقين لعدم عملهم بمقتضى الإيمان الذي يدّعونه، وتبشير المؤمنين بأنهم ممن كان يرجو الله، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} أي المؤمن الكامل، وفي «يرجو الله» إشارة إلى الإيمان بالمبدأ والمعاد، وفي «وذكر الله كثيرا» الطاعات كلها، فكانت شخصية الرسول · تمثّل له أسوة حسنة، فإن كان · يحضر القتال فمن يكون بعده يحب نفسه أكثر من رسول الله ·، حتى يتغيّب عن القتال، فرارا من الموت». (بيان القرآن)
الدعوى المجرد عن العمل لا يُغني:
«كان من الواجب على الجميع يوم غزوة الأحزاب أن يفعلوا مثلما فعل النبي ·، فلا يصلح لأحد أن يتخلف عنها فرارا من الموت. وفيها إرشاد وتوجيه للمؤمنين بالاستمرار والمحافظة على وتيرة اتباع الرسول · في المناسبات كلها، كما فعلوا يوم الأحزاب، ويتخذوا شخصية الرسول · أسوة لهم وقدوة، وهذا واجب على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر. وبجانب التبشير بالمؤمنين تعريض إلى المنافقين الذين فرّوا من جبهة القتال رُغم ادّعائهم الإيمان، ونهوا الناس عن المشاركة فيه. والمهم أن الدعوى المجرد عن العمل لا يغني من شيء، والواجب مصاحبة العمل للدعوى، فالمنافقون ادعوا الإيمان تحقيقا للمصلحة الدنيوية، لكنهم فشلوا لما واجهوا الابتلاء، فاتضح كذبهم بأفعالهم وأقوالهم». (أنوار البيان)
جهاد النبي   · بالنفس:
أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه. (المدارك)
دعوى اتباع السنة بدون الجهاد؟
لقد اتضح معنى الآية المباركة في ضوء نصوص أهل العلم من المفسرين. وعرفنا أن من سنة الرسول · وأسوته: الجهاد في سبيل الله والصبر والثبات فيه وتقديم التضحيات في سبيله، فالذين يدّعون اتباع سنة الرسول ·، ثم يعزلون الجهاد عن حياتهم، عليهم أن يتأملوا في هذه الآية المباركة. (والله أعلم بالصواب)