{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)}.
ملخص معاني الآية الكريمة:
(1) فيها إيذان بغلبة الإسلام للأبد.
(مفهوم ما كتبه الشيخ أحمد علي اللاهوري رحمه الله)
(2) كان المنافقون يترددون في صدق رؤيا
النبي ·، فأكّد الله تعالى على صدقها، وأن الله وعد بغلبة هذا الدين على الأديان
كلها في ربوع الأرض، وليس على مكة فقط. (مفهوم ما جاء في تفسير الخازن)
(3) لاشك أن رسول الله · مبعوث من عند
ربه، وبعد بعثته بطلت جميع الأديان إلا ما جاء به ·، وسوف يَظهر دينُه على الأديان
كلها، وقد شهد الله على نبوته وظهور دينه على غيره، وكفى بالله شهيدا.
أراد بظهور الدين غلبة المسلمين:
قال العلامة الآلوسي رحمه الله:
أراد بظهور الدين غلبة المسلمين، فما من
دين من الأديان حارب الإسلام إلا وانتصر الإسلام عليه، وهذا قول العديد من أهل
العلم من المفسرين، وأقوى من ناحية سياق الآية وسباقها.
«وجوز غير واحد، ولعله الأظهر بحسب
المقام، أن يكون إظهاره على الدين بتسليط المسلمين على جميع أهل الأديان، وقالوا
ما من أهل دين حاربوا المسلمين إلا وقد قهرهم المسلمون». (روح المعاني)
نكتة مهمة:
إن أراد بالظهور الظهور من ناحية الدليل
والبرهان والحجة، فلاشك أن أديان الأنبياء كلها على الحق، ظاهرة على غيرها في
الحجة والبرهان، لكن هذا الوعد الخاص بالظهور على الأديان كان مع النبي · بصفة
خاصة، (والوعد بعموم الظهور كان شاملا لأديان الأنبياء كلهم) فدلّ على أنه أراد به
ظهور المؤمنين على غيرهم. اقرءوا الآية التي تليها، ففيها وعد بالفتوح والمغانم،
بفتوح مكة وخيبر، وهنا لزيادة تأكيد تلك الوعود أشار إلى أصل عام، وهو أن الإسلام
إنما جاء للظهور والغلبة، وفتح مكة وخيبر كائن لا محالة. فكان كما قال، فقد انتصر
المسلمون على العالم كله خلال فترة قياسية، ولا زال الوضع كما أشار، فكلما خرج
المسلمون لمواجهة المشركين، انتصروا عليهم. أما إذا قعد شخص في بيته، أو رفض
توجيهات القرآن، أو لم يصدق بالإسلام، فكيف تتحقق له الانتصارات وفق الوعود؟ إذ
الوعد ليس مع أولئك الذين لم يبق لديهم من الإسلام إلا اسمه، ولم يبق من القرآن
إلا رسمه، ولم يخرج للجهاد قط. إنما جاء الوعد في وقت برهن المسلمون فيه أنهم مع
رسول الله ·، يصدّقون القرآن، ويؤمنون بدين الإسلام، ويستعدون للتضحية بالغالي
والنفيس لأجله، برهنوا على صدقهم ووفائهم بالمبايعة على الموت والجهاد، والوعد لا
زال قائما، وسوف يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يتحقق للإسلام من
الانتصارات في آخر الزمان ما تحققت إلا بالجهاد، ولا زال المنهج ساري المفعول في الفترة
بينهما، ما من مسلم سار عليه إلا غلب على المشركين، ولمزيد من الشرح والبسط ارجعوا
إلى (فتح الجواد، المجلد الثاني، معارف سورة التوبة، الآية 33) (والله أعلم
بالصواب).
دين الحق:
فيها أطلق كلمة «دين الحق» على الإسلام،
وأراد بالحق اسم الله تعالى، فمعنى دين الحق : «دين الله».
«أحدها أن يكون الحق اسم الله تعالى،
فيكون كأنه قال بالهدى ودين الله». (التفسير الكبير).
وقيل: أراد بالهدى : القرآن الكريم،
وبدين الحق «الشريعة الإسلامية» أي أصولها وفروعها. وقيل: أراد بالهدى : الأصول
والعقائد، وأراد بدين الحق: أحكام الدين.
وقيل: أراد بالهدى: العلم النافع، وأراد
بدين الحق: العمل الصالح. (التفسير الكبير، وابن كثير، وروح المعاني)
نكتة مثيرة:
أراد الله تعالى تصديق رؤيا النبي ·
بهذه الآية الكريمة، وذلك أن الرؤيا المستقبلية الصادقة قد يراها غير النبي، لكن
التنبؤ بالوقائع المستقبلية المؤكدة في حالة اليقظة من ميزات الأنبياء والمرسلين،
فالذين كانوا يشكون في صحة رؤيا النبي ·، قُرئت عليهم هذه الآية، ليعلموا أن الله
يعد رسوله في حالة اليقظة بظهور الإسلام فيما تأتي من الأيام، إن كان إخباره عن
الوقائع المستقبلية في حالة اليقظة بهذا المستوى من الصحة واليقين، فكيف يُستبعد
صدق ما يراه في حالة المنام. (مفهوم التفسير الكبير)
لا صادق من الأديان إلا الإسلام:
لا صادق من الأديان غير الإسلام باعتبار
الأصول والفروع والعقائد والأحكام، وهو الصراط المستقيم، الذي جاء به محمد ·، وهو
ما أظهره على الأديان كلها منذ مئات السنين، واستمر حكم الإسلام وسلطانه الباهر
على المذاهب كلها منذ قرون، كما يعود حكمهم من جديد عند نهاية عمر الدنيا، الذي
يفرض فيه دين الحق سلطانه على العالم كله، أما من ناحية الحجة والبرهان فقد غلب
وسيغلب الإسلام على الأديان كلها. (العثماني)
نكتة مهمة:
بعض كُتّاب عصرنا اختلقوا فتنة بقولهم:
إن الضمير في قوله {ليُظهره} راجع إلى الله تعالى، فكيف يصح ادعاء عمل رباني بأنه
مهمة إنسانية؟ أي إن إظهار الإسلام وتغليبه على غيره من الأديان مهمة ربانية
خالصة، فلماذا يتدخل البشر فيما لا يهمهم؟ بل عليهم أن لا يتفكروا حول هذا
الموضوع، ولا يكدّوا له المشقة.
وهؤلاء لا يريدون من ورائه إلا إهمال
الجهاد وإبعاد المسلمين عنه، مع أن دليلهم باطل واه، إذ القرآن تناول موضوع إدخال
المؤمنين في الجنة في معظم آياته، والفاعل فيه الله سبحانه وتعالى، فهل يعني ذلك أن
يتخلّي المسلمون عن الاهتمام بتحصيل الجنة والسعي لها؟ ونظائرها كثيرة في القرآن.
ثانيا أمر القرآن بالجهاد لظهور الدين في العالم بقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله} (الأنفال 39).
دلّت الآية الكريمة على أن إظهار
الإسلام وتغليبه في العالم مهمة إسلامية. وقد أمر الله عباده بالقتال لأجله. وقال
النبي ·: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». (صحيح مسلم)
دلّ الحديث على أن ما من امرء اتخذ
إظهار الإسلام وتغليبه غاية حياته إلا وكان على الصراط المستقيم.
وعرفنا أن الله وعد عباده المؤمنين
إظهار دينه على العالم كله، وأنه أمرهم بالجهاد لتحقيقه، وقد أودع الله في القتال
في سبيل الله ميزة غلبة الإسلام وظهوره على العالم. (والله أعلم بالصواب)
نكتة رائعة:
لم يفهم معاني القرآن ومطالبه أحد مثل
ما فهم محمد رسول الله ·، ثم أصحابه الذين كانوا معه، فإن كان معنى الآية الكريمة
أن إظهار الدين مهمة ربانية خالصة لا علاقة لها بالبشر، فلماذا قاتل رسول الله ·
وأصحابه؟ وخاضوا حروبا ضارية؟ دل ذلك على أنهم ما كانوا يفسرون الآية بما فسّر به
هؤلاء الكُتّاب المعاصرين، أكثر ما كانوا قد استنبطوا من الآية الكريمة هو أن الله
وعد المؤمنين بالنصر وظهور الدين، فاتخذوه منهج حياتهم، وجاهدوا لأجله حتى آخر نفس
يلفظونها. (والله أعلم بالصواب)