بسم الله الرحمن الرحيم
{وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة
ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوّكم وآخرين من دونهم، لا تعلمونهم، الله
يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تُظلمون}.
ملخص معاني الآية:
أشار فيها إلى أن الاستعداد لقتال المشركين
واجب حسب استطاعتهم وقدرتهم، وعليهم السعي لتحصيل جميع أصناف القوة، ورباط الخيل،
لكي يُرهبوا عدوا الله وآخرين من دونهم مستورين، وما ينفقون من الأموال في
الاستعداد للجهاد في سبيل الله يوفّيهم الله تعالى إليهم، وأنهم يربحون فيه ولا
يخسرون.
عبارات شيّـقة:
لهذه الآية الكريمة مكانة مرموقة في «النظام
الجهادي» الإسلامي، ويجب على المسلمين أن يعيوها، ويحيوا العمل بكل إشارة من
إشاراتها، وقبل فهم تفسير الآية لاحظوا فيما يلي جانبا من عبارات المحققين الحلوة،
ثم نشير إلى فوائدها بإذن الله:
(1)
البيان
العثماني:
لا يعني الاعتماد بالله التخلي عن الأسباب
الضرورية المشروعة، بل الواجب على المسلمين الاهتمام بعُدّة الحرب بقدر الإمكان،
فقد كانت الفروسية والرماية والطعن والاشتباك بالسيوف ضمن فنون القتال والاستعداد
للجهاد في العهد النبوي · الزاهر، أما اليوم فصناعة البنادق على اختلاف أنواعها
والمدافع والطائرات المقاتلة والغوّاصات والمدرعات واستخدامها وتلقي التدريبات على
فنون القتال المتنوعة والرياضة البدنية ضمن الاستعداد للجهاد، إضافة إلى مختلف
الأسلحة التي يتم إنتاجها فيما تأتي من الأيام، تُعتبر ضمن الاستعداد للجهاد، أما الخيل
فقد قال النبي · عنها: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» وجاء في
الصحيح عن النبي · أنه قال: قال من ارتبط فرسا
في سبيل الله كان علفه وشربه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة.
{تُرهبون به} أي هذه المعدات الحربية
والاستعدادات الظاهرة لترهيب العدو ولإدخال الرعب في قلبه، أما الظفر والفتح
فالسبب الحقيقي له هو نصر الله وتأييده، وقد سبق بيانه. أما أولئك الذين لا
تعرفونهم فهم المنافقون الذين يتسترون بعموم المسلمين، أو يهود بني قريظة أو الروم
أو الفرس أو تلك الأمم التي سوف تخوضون معها حروبا طاحنة.
{وما تُنفقوا من شيء} فيه إشارة إلى الجهاد
المالي، أي ما تُنفقون من مال استعداداً للجهاد إلا وتجدون بدله وجزاءه أضعافا
مضاعفة، أي درهم بسبعمائة درهم. {والله يضاعف لمن يشآء} وقد تجدون جزاءه أضعافا
مضاعفة في الدنيا. (التفسير العثماني)
(2) البيان الأشرفي:
فيما سبق كان بيانا للقتال، وفيما يأتي أوامر
بتوفير معدات القتال.. {أعدوا لهم ما استطعتم من قوة} إلى قوله تعالى {وأنتم لا
تُظلمون} أمر بإعداد القوة ورباط الخيل قدر الاستطاعة لإرهاب أولئك الذين يعادون
الله بكفرهم، ويعادونكم بتدبير الحيل للنيل منكم، وهم في مواجهة معكم. كما أرهبوا
آخرين من دونهم لا تعرفونهم بالتحديد، الله يعلمهم، مثل الفُرس والروم وغيرهم،
الذين لستم في مواجهة فعلية معهم، وقد نفع الله صحابة رسول الله · استعدادهم
وبراعتهم في فنون القتال في مواجتهم فيما بعد، فمنهم من قاتل فقُتل وغُلب، ومنهم
من وافق على دفع الجزية، فهذا من مزايا الاستعداد للجهاد. وما تنفقوا في سبيل الله
من شيء، سواء كان في الجهاد أو في إصلاح وترميم معدات الجهاد، تجدون ثوابها عند
الله كاملاً يوم القيامة، ولا يُنقص شيء منه.
فائدة:
هناك فوائد جمّة وأجراً عظيما لمن يحبس الخيل
ويتعلم الفروسية ويتدرب عليها، واليوم احتلت البنادق والمدافع مكان الخيل
والرماية، وجميعها شاملة في عموم القوة، ومنها الرياضة البدنية. (بيان القرآن)
3- البيان الحقاني:
ومنفعة القوة الحربية المذكورة في الآية إلقاء
الرعب في قلوب الأعداء، لأنهم لا يبالون بالعلم والعهد والصناعة والمهنة، ولا
بلباس الضوء والعادات والتقاليد، إنما يخافون من قوة الحرب، ففيها العزة والشهامة،
وفيها العهد والميثاق، وما ينفق المسلمون للإعداد من شيء يجدونها عند الله.
(التفسير الحقاني)
4- البيان الماجدي:
فيها تعليم لحقيقة ثابتة، وهي أن الكفار يظلون
أعداء لكم ولدينكم، فكونوا مستعدين لقتالهم، ولا تكونوا في غفلة عنهم، واحتفظوا
لديكم بالمقومات والمعدات التي تُرهبونهم بها، ويخافون منها، ففي الآية تأكيد بكل
صراحة علي التسلح بسلاح الدنيا، وبها قطع الله تعالى تلك الأفكار الفاسدة المضلّلة
التي تدعو إلى التوكل والامتناع عن اتخاذ التدابير الاحتياطية وترك الجهد، فلفظ
{من قوة} عام شامل للقوة العددية وقوة السلاح والمعدات وغيرها، حتى عدّ بعض
الفقهاء الأظفار الطويلة من ضمنها. وفي الحديث تصريح بلفظ «ألا إن القوة الرمي»
والرمي في العهد النبوي المبارك كان عبارة عن الرماح و القوس وتعلّم استعمالها،
واليوم يمكن إطلاقه على البنادق والمدافع وكل أنواع السلاح.
«وقد روي في القوة أنها الرمي (جصاص) عموم
اللفظ شامل بجميع ما يستعان به على العدو ومن سائر أنواع السلاح وآلات الحرب (جصاص)
أي إعداد جميع أسباب القوة لها بقدر الاستطاعة (المنار).
قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال : هذا عام
في كل ما يتقوى به على حرب العدو وكل ما هو آلة للغزو والجهاد، فهو من جملة القوة.
(كبير)
هذا يدل على أن جميع ما يقوي على العدو فهو
مأمور باستعداده (جصاص) أي من كل ما يتقوى به من الحرب كائنا ما كان. (روح)
وقد صرّح صاحب روح المعاني بلفظ البنادق عند
تفسير هذه الآية، وليس من المستبعد أن يكتب الرشاشات والطائرات والمدرعات
والدبابات والغوّاصات والمدافع والقنابل الذرية والهيدروجينية وأسلحة الدمار
الشامل. كما جاء ذلك صراحة عند الشيخ رشيد رضا المصري الذي قال:
«وإطلاق الرمي في الحديث يشمل كل ما يرمي به
العدو من سهم أو قذيفة منجنيق أو طيارة أو بندقية أو مدفع وغير ذلك، وإن لم يكن كل
هذا معروفا في عصره ·، فإن اللفظ يشمله (المنار). فالواجب على المسلمين في هذا
العصر بنص القرآن صنع المدافع بأنواعها البنادق والدبابات والطيارات وإنشاء السفن
الحربية بأنواعها. (المنار)
{رباط الخيل} يدل على أهمية المُشاة من الجنود،
أما للاطلاع على أهمية الركاب من الجنود فليرجع إلى التفاسير الإنجليزية.
وقال مرشد التهانوي: التدابير الحربية
والسياسية التي أشارت الآية الكريمة إليها، لا تعارض مع الكمالات الباطنية
الجليلية، كما يزعم ذلك الغُلاة المقصّرون من الصوفية. (التفسير الماجدي)
5- بيان الخواجه:
لم تخضع قُوى البغي والعدوان والشيطان إلا
للقوة والسلاح في كل عصر وزمان، إذ المواعظ الخُلقية ودروس المواساة ونشر العلوم
والمعارف لا تتعدّى لديهم نطاق الكلمات المحبّرة، لم تؤت ثمارها قط، فالأمن
والسلام ما وجدا ملجأ إلا في ظلال السيوف، ولم يلتزم أحد بالعهود والمواثيق إلا إذا
كان الطرف الآخر قويا، وإلا لم تكن لها قيمة أكثر من حبر على ورق. حتى صرخ البعض بأن
العهود لا تبرم إلا للنقض، فهذه من ثمار القوة والطاقة. وهذا ليس بشيء مستحدث،
إنما تعارفت البشرية عليها منذ القِدم.
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول
وشاعر جاهلي يُشير إلى قوته بهذه الكلمات:
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له
الجبابر ساجدينا
وبما أن الناس عادة لا يخضعون إلا للقوة
والسلطان، لذلك أمر الله تعالى بالاستعداد للرد على السيف بالسيف، كي يهابكم الذين
يعادونكم الآن، ويخافكم أولئك الذين يريدون قتالكم فيما تأتي من الأيام. (التفسير
الفرقان) ما من مسلم ينفق ماله للجهاد في سبيل الله، يوفّ الله إليه أجره. يشهد
التاريخ أن الأمة العربية بسطت نفوذها وسلطانها على العالم في فترة زمنية قياسية،
فكان وفاء لما وعد. (تفسير الفرقان)
بيان الشيخ عاشق إلهي:
ثم أمر المسلمين بإعداد كل ما يساعدهم في قتال
الأعداء ومحاربتهم والدفاع عن أنفسهم، فلفظ {ما استطعتم} عام يشمل كافة أنواع
الإعداد في كل عصر وزمان، كما أن كلمة {من قوة} نكرة تدل على العموم، وتشمل ادخار
القوة على اختلاف أنواعها وأصنافها، وصنعها وتوفيرها وفق متطلبات العصر والزمان،
وجميع أصناف القوة والوحدة بالتشاور والتحاور فيما بينهم. فلفظ {من قوة} يشمل جميع
ما ذكرنا، وأمر باقتناء الخيول بلفظ {رباط الخيل}. ولفظ الآية {من قوة} يشمل إعداد
كافة أنواع القوة، وقد فسّرها النبي · بقوله: «ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة
الرمي ألا إن القوة الرمي». (رواه مسلم 142/1) وأشار إلى قوة الرمي لأن بها يمكن
مهاجمة العدو عن بُعد، أما إذا اقترب من المسلمين فلا مفر من قتالهم بالسيف، ففي
حالة اللقاء عن بُعد، أمكن إجباره على التراجع برشقه بالسهام، كما أمر النبي ·
برشق المشركين بالسهام إذا اقتربوا منهم، والمعنى لا تضيّعوا السهام ماداموا على
بُعد منكم. (والمعنى مأخوذ مما أخرجه البخاري في صحيحه) أما القتال بالسيوف فلا
يمكن إلا إذا وقف العدو بين يديه، وحينئذ يجب قتالهم بكل شجاعة واستقامة.
وعموم قول النبي ·: «ألا إن القوة الرمي» يشمل
القنابل بأنواعها هذه الأيام.
قال النبي · : «ألا إن القوة الرمي» ولم يذكر
مفعول (رمي)، أي ما الذي يرميه إلى العدو؟ أجيب عنه بأن المقصود منه الإشارة إلى
عموم المقذوف حسب العصر والزمان، ويشمله مفهوم القوة، ويلزم المسلمين الاهتمام
بتحصيلها، لأن لفظ {وأعدوا لهم ما استطعتم} يشير إلى امتلاك كافة أصناف الأسلحة
الحديثة وصناعتها، أو شراءها من الغير عند الحاجة، ولكن الاعتماد على الشراء لا
يناسب، لأن صانعي أحدث الأسلحة مشركون، والكفر ملة واحدة، فلا يبيعونها للمسلمين
إلا بعد بيعها لأعداءهم، ثم لا يبيعون للمسلمين إلا بعدد أقل من أعداءهم بثمن أغلى،
ومن غفلة المسلمين اليوم أنهم يشترون السلاح من المشركين ولا يصنعونها بأيديهم،
وقد أدى ذلك إلى فرض هيمنتهم على المسلمين، وقيامهم بتفتيش مخازن السلاح والمدخرات
ومصانع المعدات الحربية، يعني ذلك أنه لا مكانة لكم أيها المسلمون، وهذا في الواقع
اغترار بهم، إذ الإسلام لم يرشدهم إلا إلى الحياة في ظل الكرامة والشهامة، ولم
يسمح بالخضوع أمام المشركين وإطلاعهم على الأسرار، أمرهم بإعداد العُدّة بلفظ
{تُرهبون به عدو الله وعدوكم} العدو لا يخافكم ما لم تسلّحوا بأحدث الأسلحة، ولا يجترئون
علي مهاجمتكم، ولاشك أن إنتاج السلاح لا يمكن بدون المال، وكذلك الحال بالنسبة إلى
الخيل والمشاركة في الجهاد، لذلك قال عندما أمر بإعداد القوة: {وما تنفقوا في سبيل
الله من شيء يوفّ إليكم}. (تفسير أنوار البيان)
7- البيان الأحمدي:
أيها الأوفياء مع الله، أعدّوا قوتكم العسكرية
لتفتيت قُوى الأعداء كل حين. (حاشية اللاهوري رحمه الله تعالى)
8- كلام بركة:
أمر بالإعداد للجهاد بما تقدرون من قوة، وأن
الرماية وكسب السلاح من القوة، وما تنفقون في اقتناء الخيل وعلفها وريها وروثها من
مال ففي ميزان حسناتكم يوم القيامة، وأشار إلى أن كل ذلك ليس إلا لترهيب الأعداء،
وأن النصر لا يمكن بالأسباب المادية، إنما الفتح والظفر بنصر الله وتأييده، أما
الذين لا تعرفونهم فهم منافقون يتسترون بالمسلمين. (موضح القرآن)
هذه النصوص الثمانية التي سردناها بالتفصيل
تشير إلى جوانب مهمة من الآية الكريمة، كما تشير إلى وجوه الربط بما قبلها، وقد
تناولت معظم التفاسير العربية هذا الموضوع بالتفصيل، يطول البحث هنا إذا تصدينا
لسردها، وفيما يلي نشير إلى بعض الفوائد التي استخلصناها منها.
أعدوا كافة أنواع القوة:
قال الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:
في هذه الآيات أمر الله تعالى بإعداد السلاح
والدواب قبل خوض المعركة، كي يتخوّف الأعداء، ثم أشار أبوبكر الجصاص إلى نكتة مهمة
فقال: قال النبي ·: «ألا إن القوة الرمي» وهو لا ينفي كون غيرها من الأشياء قوة،
إذ جميع أصناف المعدات القتالية والسلاح قوة، كما روى الحكم بن عمير قال: «أمرنا
رسول الله · أن لا نحفي الأظفار في الجهاد وقال إن القوة في الأظفار». فدل على أن
كل ما يساعد في ممارسة الضغوط على العدو قوة، والله تعالى أمر بإعدادها.
وقال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:
وقال الله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له
عدة} (التوبة 46) فذمهم على ترك الاستعداد والتقدم قبل لقاء العدو.
وقد أورد عدداً من الأحاديث في تفسير هذه الآية
ومنها:
قال رسول الله ·: من حق الولد على الوالد أن
يعلّمه كتاب الله والسباحة والرمي. (أحكام القرآن)
تعلم استخدام السلاح من فروض
الإسلام:
كتب الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير
هذه الآية المباركة ما يقارب خمس صفحات، وفيما يلي نشير إلى بعض أهم النكات:
1- أمر بإعداد القوة من السلاح والدواب ليبتلي
الناس بعضهم ببعض، وإلا فهو قادر على إهلاك العدو بأدنى شيء، مثل قبضة تراب وما
شابهها. (أما في الأمر بإعداد القوة ففيه امتحان لهم ليعلم من يُعد القوة ومن لا
يُعد).
2- في الصحيح عن النبي · أنه قال: ستُفتح عليكم
البلاد، وسيكفيكم الله، فلا تغفلوا عن الرمي.
3- وفي الصحيح عن النبي ·: كل فعل ابن آدم باطل
إلا ثلاث: رميه بقوسه، وركوبه الخيل، ومداعبته مع امرأته.
4- للرماية فضل كبير، ولها منافع عظيمة تعود
إلى المسلمين، ولها أثر قوي على الأعداء، لذلك قال النبي ·: ارموا يا بني إسماعيل،
فإن أباكم إسماعيل كان راميا.
5- تعلم الفروسية واستخدام السلاح من فروض
الكفاية، وقد يصير فرضا على الأعيان.
6- في اقتناء الخيل للجهاد فضيلة عظيمة ومنزلة
رفيعة، وكان عند عروة البارقي رحمه الله سبعون فرسا، أعدها للجهاد في سبيل الله،
ويرى عكرمة وجماعة من أهل العلم أن اقتناء الأنثى من الخيل أولى، لأن بطنها خزينة
وظهرها شرف ومنزلة، وكان لجبريل أنثى من الخيل.
7- تُرهبون به عدو الله وعدوّكم وآخرين من
دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، فمن هؤلاء؟
1- قال السدي: هم الفُرس والروم.
2- قال الطبري: هم الجن.
3- وقال السهيلي: هم بنو قريظة.
4- هم كل عدو لا تبدو عداوته للعيان. (أي العدو
المستور)
5- وقال القرطبي رحمه الله:
ولا ينبغي أن يقال فيهم شيء، لأن الله سبحانه
قال: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}.
أما المراد منهم الجن كما قال القرطبي فلما ثبت
بالحديث، قال القرطبي:
«إلا أن يصح حديث جاء في ذلك عن رسول الله ·
وهو قوله في هذه الآية هم الجن، ثم قال رسول الله ·: إن الشيطان لا يخبل أحداً في
دار فيها فرس عتيق».
8- نقل القرطبي عددا من الأحاديث في فضل الخيل وأنواعها
الجيدة، يُرجى مراجعة تفسير القرطبي للاطلاع عليها.
إرهاب الكفار نافع للمسلمين:
لقد أورد الرازي في التفسير الكبير كلاما مفصلا
حول هذه الآية الكريمة، وفيما يلي نلخص بعضا مما ذكر من الفوائد:
1- في الآيات السابقة أمر الله نبيه بإنزال أشد
العقوبات في كل كافر ينقض العهد، وبنبذ العهد إلى كل من يخشى منهم نكثه، وهنا أمر
بإعداد القوة لمحاربة الكفار في الأوقات كلها.
2- المراد من القوة في الآية كل ما كان سببا
لاكتساب القدرة العسكرية، وفيها أربعة أقوال:
(1) المراد من القوة السلاح على اختلاف أنواعه.
(2) القوة هي الرمي، أي القدرة على الرماية. (3) المراد من القوة الحصون. (4)
القوة هي كل شيء ينفع في محاربة الأعداء.
3- الخيول من أقوى أجهزة القتال، فقد سأل شخص
محمد بن سيرين أن فلانا أوصى بثلث ماله للحصون، فقال: يشتري بها الخيول للجهاد في
سبيل الله. (أي كأنه قرّر الخيول حصونا)
4- والبعض فضّل أنثى الخيل، لأنها تساعد في
زيادة النسل، أجيب عنه أن ذكر الخيل أقوى من الأنثى في القيام بفنون القتال من
الكرّ والفرّ، لذلك من الأولى إبقاء اللفظ على عمومه، ليشمل الذكر والأنثى، فكل من
اقتنى خيلا سواء كان ذكرا أو أنثى للجهاد في سبيل الله فله ما ورد في الحديث من
الأجر.
5- يتخوف الكفار إن علموا عن استعداد المسلمين
للقتال، وله فوائد جمّة، منها:
* إن
كان الرهب كبيرا، أدى إلى موافقتهم على دفع الجزية.
* قد
يرغبون في الإسلام بسبب التخوف من المسلمين.
* لا
يساعدون بقية المشركين في محاربة المسلمين.
* تزيد
في منزلة دار الإسلام ومكانتها.
6- {وآخرين من دونهم} المراد منهم المنافقون في
أصح الأقوال، وبما أنه لا جهاد معهم، فكيف إرهابهم بإعداد القوة؟ أجيب عنه أن
إرهابهم بطريقين:
الأول: إذا رأوا قوة المسلمين واستعدادهم
للقتال ضعفت معنوياتهم، وقطعوا أملهم في هزيمة المسلمين، فهذا قد يدفعهم إلى إخلاص
الإيمان لله تعالى. (أي يتخلون عن كفرهم بفضل القوة والطاقة)
الثاني: المنافقون يترقبون الدائرة على
المسلمين، ويسعون إلى إفساد ما بين المسلمين، وقد ينتهون عن أعمالهم هذه إن علموا
بقوة المسلمين.
7- {يُوَفَّ إليكم} ما تنفقون من شيء في سبيل
الله إلا ويوفيه الله إليكم.
قال ابن عباس: يوف لكم أجره أي لا يضيع في
الآخرة أجره، ويعجل الله عوضه في الدنيا. (التفسير الكبير)
الاستعداد الكامل للجهاد:
لقد كتب العلامة محمد بن يوسف أبو حيان
الأندلسي عددا من الصفحات في تفسير هذه الآية الكريمة، وفيما يلي نسرد بعضا منها:
1- هذه الآية إن كانت تحث على الإعداد لأولئك
الذين يحاربون المسلمين فإنها تحث على الإعداد لأولئك الذين سوف يلحقون بهم.
«وهم المأمورون بحربهم في ذلك الوقت ويعم من
بعده».
2- المراد بالقوة الاستعداد الكامل للجهاد، كالرماية
واقتناء الذكور من الخيل وقوة القلب، ووحدة الكلمة، والحصون المشيّدة، والمعدّات
القتالية، وأعداد الجنود، والزاد والطيب من اللباس... حتى إن مجاهدا رئي يتجهز
للجهاد وعنده جوالق فقال: هذا من القوة.
3- {وما تنفقوا من شيء} حث الله تعالى فيها على
الإنفاق في سبيل الله، وكان بعض الصحابة يجهّز الجيش بكامله بالخيل والإبل، وقد
أعطى عثمان ألف دينار للتجهّز لغزوة تبوك.
{يُوَفَّ إليكم} أي يُعطى أجره من الثواب
والجزاء بدون تنقيص، وقيل: هذا في الدنيا، وله مزيد من الأجر في الآخرة.
وقيل: هذه التوفية في الدنيا على ما أنفقوا مع
ما أعد لهم في الآخرة من الثواب. (البحر المحيط)
نكات متنوعة:
الجهاد ماض إلى يوم القيامة
ذكر الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى في
تفسير هذه الآية الحديث الذي جاء فيه أن الخيل ركّب بنواصيها الخير إلى يوم
القيامة، ثم قال:
«وهو يدل أيضاً على بقاء الجهاد إلى يوم
القيامة». (أحكام القرآن)
لا يقبل عذر الضعف:
قال صاحب ترجمان القرآن:
أمر الله تعالى في الآية 60 بالإعداد بالجهاد
على قدر الاستطاعة، لأن من المستحيل القدرة على توفير كامل الأجهزة بالاعتبارات
كلها، فعلمنا أن المسلمين لم يكلفوا بما يفوق قدرتهم وطاقتهم، والمهم أن يستعدوا لتأدية
الفريضة، ولا يعني ذلك أن يعتذروا عن الجهاد ما لم يتمكنوا من إحراز أحدث سلاح
وكافة المعدات، ويتغافلوا عن فريضة الدفاع، يا ليت لو استوعب المسلمون معاني هذه
الآية، لما عانوا من الشلل الذي أصيبت به الأمة منذ قرن ونصف. (ترجمان القرآن)
والمهم الإرهاب:
بيّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة الغرض من
إعداد القوة، وقال: {تُرهبون به} أي تُخوّفون بهذا الإعداد عدو الله وعدوكم وآخرين
من دونهم، وأشار في الآيات السابقة إلى هول جريمة الكفر والغدر، و أن من قاتل
المسلمين من الكفار هم شر الدواب عند الله، لذلك أوجب على المؤمنين وضعهم في حالة
من الخوف والرهب حتى لا يسعوا إلى الفساد في الأرض.
كلمة {تُرهبون} من الإرهاب، وهو التخويف
والترعيب، وقد استطاع الأعداء تحويل هذه الكلمة إلى شتيمة اليوم، لذلك يجب على
المسلمين أخذ الحيطة والحذر، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بتخويف الأعداء وترهيبهم،
فمن أرهب الأعداء فقد عمل بالقرآن. وطعنهم في عملهم هذا وطعن كلمة الإرهاب خطأ
كبير ومعصية مكشوفة. (والله أعلم بالصواب)
من الذي يُرهب الأعداء؟
يشير مفهوم الآية الكريمة إلى أنه يلزم على
المسلمين القيام بالاستعداد للجهاد الذي يُرهب الأعداء ويُخوّفهم، وقد تسببت غفلة
المسلمين في الماضي القريب في ضعف مستوى إعداد المسلمين للجهاد، وتقدم الكفار
عليهم فيه، فإن بدأ المسلمون الآن بإنتاج سلاح تقليدي فإن ذلك لن يساعد في تخويف
الكفار، لامتلاكهم سلاحا أحدث وأكثر قدرة، وفي ضوء ما أرشد الله تعالى في كتابه،
هناك ثلاث طرق للعمل اليوم:
الأول: إعداد الفدائيين من المجاهدين، واستحداث
شتى طرق الجهاد الفدائي، ولاشك أنه من أهم الاستعدادات التي يعجز الأعداء عن
مقاومتها، فبارك الله في الفدائيين الذين أحدثوا زلزالا في حصون الكفر والشرك، فهم
من عملوا بهذه الآية بطريقة صحيحة.
الثاني: السعي إلى إيجاد طرق لتحويل المواد
المتفجرة إلى شديدة الانفجار، والحمد لله علي أن الأمة تمتلك عقولا قديرة مبدعة،
فإن سعى المسلمون إلى تعميم هذا الحكم القرآني، وأخبروا عموم المسلمين أن
الاستعداد للجهاد فريضة من فروض الإسلام، وأن ترهيب أعداء الله عبادة، لبرز إلى
ساحة القتال من المسلمين من يقدر على تحويل المواد المتفجرة إلى شديدة الانفجار،
فهذا سلاح يقدر على قلب الموازين في القتال، وتقوية الهجمات الفدائية.
الثالث: يجب على المسلمين أن يسعوا إلى إنتاج
القنبلة الذرية، وتسخير كافة الإمكانيات البشرية والمادية في سبيله. (والله أعلم
بالصواب)
الرد على شبهة:
نظراً إلى أوضاع العراق الحالية قد يتساءل أحد:
لم يقع العراق فيما وقع إلا بسبب سعيه إلى امتلاك أسلحة فتاكة وأسلحة الدمار الشامل،
فالعدو قام بمهاجمته بدلا من التخوّف من استعداداته، أجيب عنه بعدة أجوبة:
الأول: في لفظ هذه الآية رد على هذا السؤال،
وهو قوله تعالى: {وأعدّوا لهم} أي لقتالهم كما في تفسير الجلالين، والمعنى أن
إعداد المسلمين يجب أن لا يقتصر على الظهور والبروز أمام الناس، بل يجب أن يتعدى
إلى إحياء فريضة الجهاد، فاستعدادات العراق لم تكن لقتال الكفار، بل الجيش العراقي
لم يكن مستعدا للدفاع عن الوطن، إن كان الغرض من سلاحه الجهاد في سبيل الله لما
عرضه على المفتشين الدوليين، الذين أقاموا فيه لسنوات عدة بغرض التجسّس.
الثاني: هذه السورة بكاملها تحث المسلمين على
إحياء فريضة الجهاد متوكلين على الله، والفتح لا يتحقق بفضل كثرة الأسباب والعدد
والعدة، إنما بنصر الله وتأييده، وهناك أوامر بالإعداد بقدر الإمكان. لم يسع أحد
من الدول الإسلامية بما فيها العراق إلى إحياء فريضة الجهاد، فالعراق رغم ما كان
يمتلك من قوة عظيمة وإمكانيات هائلة لم يُطلق رصاصة واحدة في سبيل الجهاد لله، كيف
يمكن له الاستفادة من ثمرات الجهاد بدون إحياءه؟
ثم في الآية إشارة إلى أن إلقاء الرعب في قلوب
المشركين من أحد فوائد الجهاد، القوات الأمريكية لمّا هاجمت العراق، استسلمت
القوات العراقية للأمريكيين بمئآت الآلاف، لكن لمّا أحيا حُفنة من المسلمين
العراقيين فريضة الجهاد في سبيل الله، أدى ذلك إلى شلل مئآت الآلاف من القوات
الأمريكية والحليفة معها، وهي الآن تجر أذيال العار والندامة هناك.
ومن هنا عرفنا أنه لا يمكن الاستفادة من نعمة
التخويف والترهيب إلا بفضل الجهاد، وليس بالبدلات الحكومية، نشاهد اليوم القوات
الاستعمارية الكافرة متخوفة من عصابات المجاهدين المسلحين بأسلحة هشّة، ولا تقض
مضاجعها إلا خوفها من وقوع الأسلحة النووية ببعض الدول المتسمّية باسم الإسلام بيد
المجاهدين. (والله أعلم بالصواب).
اعملوا بهذا الحكم أيها
المسلمون..
ما أنزل الله تعالى القرآن إلا لرشدنا
وهدايتنا، وليست لنا الحياة إلا في إحياء كل حكم من أحكامه، فليعمل بهذا الحكم كل
منا بقدر قوته وطاقته، وليتعلم استخدام السلاح والسباحة، وليصلح إصابته، ينشط بدنه
بالرياضة، وليتعلم الفروسية إن أمكن وإلا تعلم قيادة السيارات، وليستعد للجهاد كل
لحظة، ولينفق من أمواله ما استطاع في الجهاد، إذ لا ننفق شيئا في سبيله إلا صار
أغلى ما نستفيد منه في آخرتنا، وسوف يجازيه الله تعالى على ما ينفقه، فمن نوى منا
التدرّب للجهاد أثناء صعود السلالم، صار ذلك عملا صالحا غاليا، وكذلك إن بدأوا
الاستعداد للجهاد، عادت في قلوب الدنيا منزلتهم وهيبتهم التي فقدوها بسبب انهماكهم
في الدنيا وملذاتها، ويسترجعون هيمنتهم الضائعة على العالم، ويقدرون على خدمة
الإسلام بطُرق أفضل، نسأل الله أن يوفقنا جميعا للعمل بهذه الآية المباركة..
آمين يا أرحم الراحمين.
نظراً إلى أهمية الموضوع والتأكيد عليه في
الإسلام، نرفق مقالا بعنوان: «الإسلام والاستعداد للجهاد» الذي طُبع بشكل منفصل عن
هذا الكتاب.
الإسلام والاستعداد للجهاد
الإسلام والحاجة إلى السلاح:
لاشك أن عظمة الإسلام ورفعته وبقاءه بفضل
الجهاد، والجهاد يتطلب رجالا يستعدون لمواجهة الأعداء بالنفس والغالي، وسلاحاً
يُلقي الرعب في قلوب الأعداء قبل القتال، السلاح الذي يقدر على القضاء عليهم أثناء
القتال. وبما أن الجهاد من أحد تلك الأحكام التي تعتمد عليها عظمة الإسلام وحماية
المسلمين، لذلك أمضاه الله تعالى إلى يوم القيامة، وأمر بإعداد العدد والعُدّة،
وأعطى تعليمات خاصة بشأنها.
القوة العددية:
الإسلام أمر جميع المسلمين بالجهاد، وباستثناء
البعض الذين عذّرهم الله، فإنه أوجب على البقية الاستعداد للجهاد، والعيش في حالة
من الجهاد، ومنع من كل ما من شأنه الإضرار بالجهاد.
وقد عذّر الله هؤلاء عن الجهاد:
{ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين
لا يجدون ما يُنفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} (سورة التوبة 91).
بالتأمّل في العهد النبوي الزاهر نجد أنه كان
عهدا يفسّر القرآن حياً، لم يتخلف أحد من الصحابة عن الجهاد إلا أولئك الذين
عذّرهم الله تعالى، ومن المعذورين من عمل بالعزيمة واختارها رغم الرخصة، كما نجد
من النساء من خرجت إلى ساحة القتال.
كان التخلف عن الجهاد في ذلك العهد المبارك
يستدعي سخط الله ورسوله · والشقاوة في الدنيا والآخرة، لذلك سابقوا إلى القتال.
القوة العسكرية:
المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية كانت عبارة
عن إعداد المسلمين للتضحية بالمال والنفس، وبعدما لُوحظ استعدادهم التام للتضحية
تم دفعهم إلى المرحلة التالية وهي الإعداد للقتال، وقد لفت القرآن انتباه الناس
إليه على وجه الخصوص، وحثهم على تكوين القوة التي مكّنتهم من ترسيخ دعائم العظمة
الإسلامية وشوكتها.
وكان النبي · يحثُّ أصحابه على تعلم الفروسية
والرماية والتدريب العسكري.
الحديث:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : رأيت رسول
الله · على المنبر فقرأ قوله: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} ثم قال: ألا إن
القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. (صحيح البخاري 1/402)
الرمي هو القذف، ويطلق على الرمي بالسهم،
فألفاظ النبي · العالمية تشير إلى أن القوة الحقيقية هي الرمي. كما آل إليه الأمر
في يومنا هذا، فقد اقتصرت القوة اليوم على الرمي، فمن كان قادرا على الرمي إلى
مسافات بعيدة بواسطة الصواريخ، أو من قدر على قذف الحديد والمتفجرات لمسافة أطول
كان أظهر وأغلب، ولم يؤكّد عليه النبي · ولم يأمر المسلمين بإعداده وتمديده إلا
لكي لا يتخلفوا عن أعدائهم فيه، لأنه يستجلب لهم الويلات في الدنيا والآخرة،
وصاروا لقمة سائغة بيد أعدائهم.
الحديث:
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال سمعت
رسول الله · يقول: من ترك الرمي بعد أن تعلمه فقد عصاني. (مسلم 1/143)
لاحظوا الوعيد الشديد على من ترك الرماية أو
نسيها بعدما تعلمها، ومن هنا عرفنا أن التدرّب على السلاح ثم الحفاظ عليه من خلال
استعماله من توجيهات الإسلام الحكيمة، والوعيد الشديد لمن تخلّى عنه. وهنا يجب
مراجعة أحوال أولئك الذين ما أقاموا لهذه الشعيرة الدينية وزنا، ولم يعتبروها
جزءاً من الدين، فقد كان النبي · يتدرّب على استخدام السلاح، ويحث الناس عليه.
الحديث:
عن سلمة بن الأكوع أن النبي · مر على نفر من
اسلم ينتضلون فقال ارموا بنى اسماعيل فان باكم كان راميا ارموا وانا مع بنى فلان
فأمسك احد صليت بأيديهم فقال مالكم لا ترمون قالوا كيف نرمى وانت معهم فقال ارموا
وانا معكم كلكم. رواه البخاري
وقال النبي · يوم لسعد يوم أحد: ارم فداك أبي
وأمي.
وكان أبو طلحة قد تناول تُرسا يوم أحد، وكان من
الرماة، فكان كلما رمى بسهم رفع النبي · رأسه ورأى موقع سهمه من العدو. (صحيح
البخاري 1/402)
ومن التوجيهات النبوية الحكيمة احترام المساجد
والابتعاد عن اللهو واللعب فيها، بل أشار إلى أنها من علامات الساعة، لكنه · لم
يمنع من وضع السلاح في المسجد والتدريب عليه فيه، وقد كان قوم من الحبش يقومون
بألعابهم من الرماية والقذف في المسجد، فكان النبي · ينظر إليهم، وقالت عائشة رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن. (صحيح
البخاري 1/402)
فاستعراض السلاح في المسجد النبوي الشريف إن دل
على شيء فإنه يدل على أن الاستعداد للجهاد من العبادات التي يتقرب بها العباد إلى
الله، لذلك اُذن لهم بها في المساجد.
وقد نتج عن حث النبي · وترغيبه اهتمام الصحابة
المفرط بالجهاد وشأنه، وكانوا يعتزون بتحقيق أعلى المهارات في الفروسية والرماية،
ويتسابقون فيها، فكان الواحد منهم يركب الخيل لا رحل عليه، ويصيب الظبي في عينه
وهو يعدو.
كما حث النبي · أصحابه على السباحة وتلقي فنون
القتال البحرية إلى جانب الفروسية والرماية، وبشّر بالجنة أولئك الذين يعبرون
المحيطات على متن الأساطيل الإسلامية ويحققون الانتصارات والفتوحات لأمتهم. (صحيح
البخاري 1/392)
فهذه التوجيهات النبوية الحكيمة تعتبر أساساً
في إنشاء الأساطيل الإسلامية التي ساعدت في فرض هيمنة المسلمين على ربوع الأرض
وتأسيس حكومات إسلامية بسواحل العالم، وفتح أراضي واسعة وإدخالها ضمن الدولة
الإسلامية، وظلت تجوب الشواطئ وترفع فيها رايات الإسلام خفّاقة منذ عصور طويلة،
حتى آل بهم الأمر إلى التبعية والذل والهوان بعد أن أصيبوا بالوهن، والإعداد
العسكري فقد أهميته لديهم، وباتوا لا يقيمون لعظمة الإسلام قيمة ولا لحماية
المسلمين وزنا.
وقد ظل المسلمون يولون الاستعداد للجهاد أهمية
عظيمة إلى جانب تنشئة كل فرد على الجهاد، وقد تميزت عصور الخلفاء الراشدين
المباركة بالاهتمام بهذا الجانب، وأهم وثيقة فيها هي الرسائل التي كتبها خليفة
رسول الله · أبو بكر ومن بعده عمر إلى القواد والحكام، وجّههم فيها إلى اختيار التقشّف
والزهد والابتعاد عن ملذات الدنيا والتعمق في نعيمها، وحب العمل والجهد، وقد كانت حياتهم
خير نماذج للكفاح والاستعداد للجهاد على مدار العام. كانوا يفترشون الأرض أو الجلد
الخشن، ويتوسدون الحجر، ولايجمعون بين لونين من الطعام، يثبون إلى ظهر الخيل ولا
رحل عليه، ويستعدون لخوض المعارك الجليلة، يقدمون أنفسهم قبل الغير للجهاد، يلبسون
من الثياب أغلظها، ويأكلون من رغيف الخبز المنخول. هذه كانت مما تعودوا عليها في
حياتهم اليومية.
عُرض على عمر ماء بارد بعد معركة، فرفض وقال:
أخشى أن يوفّى ثواب أعمالنا في الدنيا، فلا يبقى لنا رصيد في الآخرة.
لم يكن وراء ولع النبي · وخلفاءه الراشدين
وصحابته بتربية الجهاد وحبهم لها إلا التوجيهات القرآنية التي أمر الله تعالى فيها
المسلمين بالاستعداد للجهاد، إن كان الله قد أمرهم بإعداد القوة فإنه قد أمرهم
بتسييسها، ونبّههم على ما يُكنّ المشركون في صدورهم من رغبة شديدة في أن يروا
المسلمين غافلين عن السلاح، وذكر نعمة صناعة السلاح لأنبياءه بحيث امتلأت القلوب
بحب السلاح.
تعالوا نتأمل في تلك التوجيهات القرآنية، لعله
يدفعنا إلى محاسبة الذات، ونتخلص من غطاء الغفلة.
الحاجة إلى الاستعداد للجهاد:
بعد الاستنفار العام من النبي · كان الصحابة
يسعون إلى المشاركة النشطة في هذا العمل المبارك، ورغم العذر عند البعض لم يكن
يرضى بالتخلف عن رسول الله ·، كانت النساء يعرضن أولادهن على رسول الله ·،
والأمهات المسنّات يَقُدْنَ أفلاذ أكبادهن إلى ساحة القتال بعد تزيينهم بأحسن ما
لديهن، لكن المنافقين كانوا يلجأون إلى الحيل للتخلف عن رسول الله ·، وللتخلص من
هذا العمل المبارك، وقد أشار القرآن إلى بعض حيلهم، منها أنهم كانوا يشكون شدة
الحر.
{لا تَنْفِروا في الحَرِّ} التوبة 81.
ردَّ عليهم بأن النار التي سوف تدخلونها بسبب
فراركم من الجهاد أشد حرا، فكيف تُقدمون على الحر الدائم فراراً من الحر الموقت؟
وأحيانا قالوا: {إنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ}
الأحزاب 13.
فرد الله عليهم بقوله: {وما هي بعورة} الأحزاب
13.
وأحيانا قالوا: لا جهاد هناك، لو كان جهاد
لشهدناه:
{لو نعلم قتالا لاتَّبَعْنَاكم} آل عمران 167.
رد الله تعالى على جميع حيلهم، لكن المنافقين
كانوا يرددون كلمة واحدة، وهي أننا نريد المشاركة في الجهاد لكن الأعذار تمنعنا،
فأشار القرآن إلى ضابطة عامة للعبرة بالنية، (وإلا لادّعى كل شخص أنه ينوي
المشاركة في الجهاد لكن العذر الفلاني يمنعه منها، كذلك عوام الناس يلجأون إلى
الحيل فراراً من الجهاد، رغم الرغبة في الجهاد، والمشاركة فيه، وأنه ممن يحنّ
إليه، وأن حب الجهاد قد اُشرب في قلبه) فأشار القرآن إلى ضابطة عامة ليتم معرفة
صاحب العذر من غيره، والصادق من الكاذب، وهي كما يلي:
{ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عُدّة ولكن كره
الله انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} التوبة 46.
وفيها إشارة إلى أن من أعدّ للجهاد بدنيا وعسكريا،
ثم لحقه عذر بأن مرض، أو ليس لديه الزاد، وصار يبكى لمّا رأى المجاهدين يتوجهون
إلى ساحة القتال، قلبه حزين، لكنه لا يجد ما يتزود به للجهاد، فعذره مقبول عند
الله.
أما من لم يستعد للجهاد، ولم يتزوّد بالزاد رغم
استطاعته، ولم يتلق من التدريبات العسكرية ما تؤهله للقتال، ثم يحتال الحِيل، فذلك
دليل على كذبه، لا يحب الله استقدامه إلى الساحة، لذلك أقعده عند النساء.
جدير بالتأمل:
وفي ضوء الأصل المذكور يجب على كل امرئ أن يفحص
نفسه، المفكر الذي يؤمن بالجهاد، لكن شروطه لم تتوفر لديه إلى الآن، ويرفع شعاراً
واحداً : إن كان هناك جهاداً شرعياً لنخرجنّ فيه. نسأله: هل هو اتخذ من التجهيزات ما
تؤهله للخروج إلى الميدان لمواجهة العدو؟ الجواب: لا، بل هو وأمثاله من المثقفين
لم يخطر ببالهم قط أن عليهم الخروج للجهاد في يوم من الأيام، بل صيّروا الجهاد
الفعلي قضية علمية فكرية، وسوّدوا الأوراق في تبييضها، وسجّلوا أشرطة إلى أشرطة،
لكنهم لا يريدون المشاركة الفعلية في الجهاد، ولا يدعون الناس إليه، ولم يستعدوا
له قط، حتى لا يضطروا للخروج إن توفرت تلك الشروط التي وضعوها للجهاد من عند
أنفسهم.
وعلى كل حال، هذا الأصل القرآني أشار إلى أهمية
الإعداد للجهاد، وأن لا عبرة بالإرادة بدون الإعداد، بل يُقْدِم على الإعداد كل من
أراد إرادة حقيقية للجهاد.
وجوب الاستعداد للجهاد:
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بإعداد قوة
تُرهب الأعداء وتردعهم من مغبطة القيام بعملية عسكرية ضدهم.
قال الله تعالى:
{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} سورة الأنفال
60.
سوف يساعد شرح كل جزء من أجزاء هذه الآية
الكريمة في إدراك أهمية الموضوع.
{وأعدِّوا} صيغة الأمر، والأمر للوجوب، وجميع
أوامر الله تعالى تضمن الحياة للعباده، والتخلي عنه يؤدّي إلى موت جماعي للأمة.
{لهم} أي للكافرين من أعداء الإسلام، مادام
امتلك الكافرون قوة، وجّهوها لمحاربة الإسلام والمسلمين، لذلك يجب على المسلمين
إعداد قوة أكبر من قوتهم.
{ما استطعتم} أي حسب قدرتكم واستطاعتكم، لا
تقتصر عند حد، بل يجب عليهم أن يستعدوا بقدر ما يستطيعون، وكلما زادت قوتهم زادت
غلبتهم وشوكتهم، وتيسر القيام بواجب الدعوة إلى الله، وإعلاء كلمته، وتندفع الفتن،
ويموت المفتنون موتا طبيعيا، إذ الكفار دائما بالمرصاد، يسعون إلى القضاء على
الوجود الإسلامي أو إضلالهم عن دينهم، لذلك المسلمون في مواجهة مع كل فرد من أفراد
الكفر والشرك، بغضّ النظر عن انتمائه الديني والعرقي، والمسلمون جماعة واحدة،
والكفر ملة واحدة، لذلك لم يبيّن حداً لإعداد الجهاد، بل أمرهم بالإعداد بقدر ما
يستطيعون، كي لا تواجهوا الهزيمة والندامة.
{قوة} وهي تشمل جميع أنواع السلاح، سواء كان ما
استخدمه الصحابة في عهد النبي · أو ما استحدثه المسلمون فيما بعد، أو ما يتم
استخدامه للقتال إلى يوم القيامة، لذلك جعل كلمة «قوة» نكرة لتدل على العموم،
ولتشمل جميع أشكال الإعداد، لكن من أهم هذه القوى قوة الرماية، وهي تحوّلت اليوم
إلى المدافع والصواريخ والقنابل.
ومن أين يتم الحصول على هذه القوة؟ أشار القرآن
إليه ببيان الحديد وأهميته، وأن فيه صلابة وقوة، أودع الله فيه الشدة، وجعل فيه
منافع للناس، وقد يتحول إلى قوة أفضل عند استخدامه مع النار.
قال الله
تعالى:
{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}
الحديد 25.
{بأس شديد} فسّره صاحب الكشاف بالقتال، ولا
قتال إلا بالحديد، ولا درء للفتن إلا بالقتال والجهاد، فيعود بالنفع إلى المسلمين،
وينعمون بنعمة الأمن والاستقرار، فهذا قد يكون المراد من لفظ {منافع للناس}.
وبالتأمل في الآيات السابقة يتضح الربط بين
الكتاب والميزان والحديد التي تناولتها، أنزل الله الكتاب والحديد، ولا تطبيق
للكتاب إلا بالحديد، فمن سعى إلى إعاقة طريق الكتاب والعدل المتحقق بالميزان، يتم
القضاء عليه بالميزان، فالمحافظة على الكتاب والميزان بالحديد، أي بالأجهزة
والأسلحة التي صُنعت بالحديد.
ثم قال في هذه الآية: {وليعلم الله من ينصره}
أي ليعلم الله من ينصر دينه، بالسلاح المصنوع بالحديد المُنزَّل، من المعدات
القتالية من سيف وسنان ورماح وأسل، ويستخدمها لدحر أعداء الله. {إن الله قوي عزيز}
قادر على إهلاك أعداءه، لكنه أمر عباده بالجهاد لكي يتوصلوا به إلى منافع كثيرة في
الدنيا والآخرة.
لقد أنعم الله تعالى على نبيه داود ممن سبق من
رسله عليهم السلام بنعمة خاصة، ألان له الحديد، الذي كان يعمل به معدات متنوعة
وسلاح وأجهزة دفاعية.
قال الله تعالى:
{ولقد آتينا داود منا فضلا، يا جبال أوّبي معه
والطيرَ، وألنَّا له الحديد، أن اعمَلْ سابغات وقدّر في السرد، واعملوا صالحا، إني
بما تعملون بصير} سورة سبأ 10-11.
ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عباس أن آدم
عليه السلام لمّا هبط إلى الأرض كان معه خمسة من الأجهزة الحديدية: السندان
والكبتان والميقة والمطرقة والإبرة. (القرطبي 1/261)
كما أشار الله تعالى إلى ما أكرم نبيه داود من
صنعة السلاح للجهاد.
قال تعالى: {وعَلَّمناه صَنْعَةَ لبوس لكم
لتُحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون} الأنبياء 80.
كما ذكر الله تعالى استخدام الحديد والنار ضد
الأعداء في قصة ذو القرنين:
{قالوا يا ذا القرنين إنَّ يأجوج ومأجوج مفسدون
في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سداً. قال ما مكَّني فيه ربي
خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً، آتوني زُبر الحديد حتى إذا ساوى بين
الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني اُفرغ عليه قِطرا، فما اسطاعوا أن
يظهروه وما استطاعوا له نقبا} سورة الكهف 94-97.
دل على أن الأنبياء الذين هم من عباد الله
المقرّبين إليه، ومن أشد الناس إيمانا بالله ويقينا به، وتوكلاً عليه، كانوا
يستخدمون الحديد ضد الأعداء بشكل قوي ومؤثر، يصنعون السلاح بأنفسهم، يتدربون عليها
ويستخدمونها، ومن هنا عرفنا أن الاستفادة من السلاح لا يعارض الإيمان بالله
والتوكل عليه. وليس بإمكان المؤمنين الاستغناء عن السلاح، ولا الانكار بمنافع
السلاح والحاجة إليه.
وثانيا، علينا أن نتأمل أن رفعة الإسلام وسموه
في الجهاد، ولا جهاد بدون الأجهزة، فكيف الحصول على فضائل الجهاد ومنافعه بدون
الأجهزة؟ وقد عمل وأعمل النبي · بجد ومثابرة لتحصيل القوة، وبعث بعثات إلى الأقطار
المختلفة لتعلم أحدث وأقوى سلاح يتم استخدامه في عصره، فقد أخرج ابن سعد وابن هشام
أن عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة لم يشهدا حصار الطائف، كانا قد ذهبا إلى الجرش
ليتعلما المنجنيق والدبابة والضبور.
كان المنجنيق والدبابة تُعتبران من أفضل وأقوى
السلاح في ذلك العصر، أما الضبور فكانوا يستخدمونه موضع القمصان المضادة للرصاص اليوم،
ويقومون بمهاجمة العدو بعدما تمكنوا من حماية أنفسهم بالضبور، كما استخدم صحابة رسول
الله · أسلحة أخرى حصينة، والنبي · استخدم المنجنيق في غزوة الطائف.
وقال ابن هشام في السيرة: إن أول من استعمل
المنجنيق في الإسلام كان النبي · نفسه، بعض الروايات يشير إلى استخدام المنجنيق في
غزوة خيبر.
{ومن
رباط الخيل}..
يحتل الخيل مكانة بارزة في ساحة القتال، فقد
أقسم الله بالخيل العاديات الموريات المغيرات..
قال تعالى: {والعاديات ضبحا فالموريات قدحا
فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا} سورة العاديات 1-5.
وقد أشار القرآن إلى أن أنبياء الله كانوا
يستخدمون الخيل لإعداد القوة، ويهتمون بها كثيرا، وقد طلب سليمان عليه السلام
الجياد لمّا أراد الجهاد في سبيل الله، ثم أمر بتمريرها بين يديه حتى غابت عن
الأنظار، ثم أمر بإرجاعها، فلما عادت مسح أعناقها وسوقها حبا لها، لِما لها من
منزلة عالية، ولِمَا كانت تنفع في ساحة القتال وللحاجة إليها.
أشار الله تعالى إلى هذه القصة باللفظ التالي:
{ووهبنا لداود سليمان نِعْمَ العبدُ إنَّه
أوّاب، إذْ عُرض عليه بالعشي الصافنات الجياد، فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي
حتى توارت بالحجاب، رُدُّوها عليَّ، فطفق مسحا بالسُوق والأعناق} سورة ص 30-33.
لقد ذكر النبي فضائل جمّة لرباط الخيل
واقتنائها، أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن النبي · قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخير معقود
في نواصي الخيل إلى يوم القيامة قيل يا رسول الله ما الخير قال الأجر
والمغنم.
وقال النبي ·: من ارتبط فرسا في سبيل الله كان علفه وشربه وبوله وروثه
في ميزانه يوم القيامة.
كما جعل النبي · الإنفاق على الخيل مثل الصدقة
الجارية.
ظل المسلمون يقاتلون مشيا على الأقدام، ولم تكن
لديهم الخيل، وشهدوا معركة اُحد بفرسين، وبستة حاصروا بني قُريظة، وبعدما حصلوا
على مغانم عظيمة من قريظة أرسل النبي · أسراهم وأمتعتهم إلى نجد، فاشتروا له
الخيول والسلاح، وشهدوا خيبر بمائتي خيل، ثم بدأت تزداد الخيول والأجهزة القتالية
الأخرى حتى جاء يوم تبوك الذي بلغ فيه قوام الجيش الإسلامي إلى ثلاثين ألفا منهم
عشرة آلاف فارس.
كل هذه التطورات التي شهدها قُطاع الدفاع لم
تكن ممكنة بدون اهتمام خاص من النبي ·.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال كانت
أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا
ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز
وجل.
{تُرهبون به عدو الله وعدوّكم}
الغرض من إعداد القوة من السلاح والخيل إرهاب
الكفار والمشركين، حتى يَكُفّوا عن خلق الفتن والبلابل بين المسلمين، وتُوجّه
الآية إلى أنه يلزم على المسلمين الاحتفاظ بقدر كاف من القوة التي تُرهب المشركين
وتمنعهم من مغبة مهاجمة المسلمين، وكانت من أشهر السلاح في عهد الرسول · الرماح
والسيوف والمنجنيق والخيل وما شابهها، فكان الكفار يرعبون لكثرتها ونوعيتها
وجودتها، لكن الزمان تغير، واستحدثت أسلحة مختلفة عنها، وما لم يمتلك قوم من
السلاح الحديث ما يكفي لإرهاب العدو، تعرَّضَ للعبث على يديه. فباختصار يجب على
المسلمين الحصول من السلاح ما يكفي لردع الأعداء وترويعهم، خاصة إن كانوا يريدون
العيش في أجواء إيمانية يسودها الأمن والاستقرار، ومن قصَّر من المسلمين في هذا
الجانب تَعَرَّضَ للعبث والزحف من العدو، وقد يظفر بهم العدو، فيتعرض دينهم
وإيمانهم وأموالهم وأرواحهم للخطر.
فما من عصر من العصور تنبَّه المسلمون لهذا
الجانب، وعملوا بالتوجيهات القرآنية الحكيمة إلا وبسطوا نفوذهم وحكمهم على العالم،
وسيطروا على معظم أقطار الأرض، تنعم بالرخاء والسعادة والرفاهية والأمن والاستقرار.
لقد شهد قطاع السلاح في ذلك العصر تقدماً قصم ظهر العدو، وقد توصلوا إلى إنتاج
القنابل اليدوية ولهيب النار ما لعبت دوراً
مهماً في إلحاق الهزائم بالعدو في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي وتفنيد طموحاتهم
في أرض الإسلام، كما كانوا أول من أنتج المتفجرات في المعارك التي دارت رحاها بأرض
الأندلس، وأول من استخدم المدافع الكبيرة.
لكنهم اليوم تخلفوا عن الكفار فيه، أما الكفار
فقد طوّروا تلك الأسلحة التي ابتدعها المسلمون، وباتوا ينزلون بالمسلمين الذلة
والهوان متى شاءوا، وعبثوا بدمائهم وأرواحهم في عُقر دارهم.
يا ليت لو تيقظ المسلمون الآن، واستفادوا من
النار والحديد في ضوء التوجيهات القرآنية، ليُرعبوا بهما أعداءهم، وليُعيدوا إلى
الأمة مجدها الضائع.
إن استطاع المسلمون إنزال الهزيمة بالمشركين في
يومنا هذا فبضل الجهاد، ومن ثمار الجهاد المبارك ما تحقق للمسلمين من الفتح المبين
بأرض أفغانستان، وبفضل التضحيات في ميدان الجهاد زالت دولة الاتحاد السوفييتي عن
الوجود. فالواجب على الأمة إحياء هذا الركن العظيم من الإسلام من جديد، ويقوموا
بإنتاج السلاح لإعلاء الدين ورفع كلمته، ويقوموا بادخاره وتعلمه واستخدامه ضد
العدو بكل شجاعة وبسالة.