بسم
الله الرحمن الرحيم
{ولا يَحْسَبَنَّ الَّذيْنَ كَفَرُوْا
سَبَقُوا اِنَّهُم لا يُعْجِزُوْنَ}.
ملخص معاني الآية:
أشار فيها إلى أن الكفار لا يمكنهم الفرار من
الله، إنما يمهلهم لأجل، فلا يغتروا به.
الربط:
أكثر أهل العلم على أن هذه الآية نزلت في أولئك
المشركين الذين ما أصيبوا يوم بدر.
«ونزل فيمن أفلت يوم بدر» (الجلالين).
والرازي سعى في الربط بين الآيات منطلقا من سبب
النزول الذي أشرنا إليه:
«اعلم أنه تعالى لمّا بيّن ما يفعل الرسول في
حق من يجده في الحرب ويتمكن منه وذكر أيضاً ما يجب أن يفعله فيمن ظهر منه نقض
العهد بين أيضاً حال من فاته من يوم بدر وغيره لئلا يبقى حسرة في قلبه، فقد كان
فيهم من بلغ من أذية الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغا عظيما، فقال: {لا يحسبن
الذين كفروا سبقوا...}».
ثم قال الرازي بعد بيان الربط: في أخذ هؤلاء
المشركين قولان: الأول: أن الله سوف يمكّن نبيه عليهم. الثاني: سوف يعذّبهم في
الآخرة. (التفسير الكبير)
(2) لاحظوا الربط الثاني في العبارة التالية:
حكم نبذ العهد الذي سبق بيانه لعله يُوقع
المشركين في الغرر، خاصة بعدما علموا أن الغدر والخيانة لا تُباح في الشريعة
الإسلامية، فزعموا أنهم سوف يجدون وقتا كافيا لحماية أنفسهم وللاستعداد والتجهيز
بعد الإبلاغ، فأشار الله تعالى إلى أنكم مهما بلغتم في الاستعداد والتجهيز فإنَّه إنْ
قدّر إصابتكم وخزيكم وذلتكم ومعاقبتكم في الدنيا والآخرة بأيدي المسلمين لا يمكنكم
تعجيزه بالحيل كلها، ولا الفرار من قدرته وسلطانه، وفيها تطمين للمسلمين أنهم هم
الغالبون إن كانوا واثقين بالله ممتثلين لأوامره. (التفسير العثماني)
(3) لاحظوا الربط الثالث فيما يلي:
فيما سبق كان بيانا لمشركي مكة ويهود المدينة،
وبما أن من طبيعة القتال أن البعض منهم ينفلتون من القتل، أشار في هذه الآية
إليهم، وأكّد أنهم لن ينفلتوا منه، وأنهم سوف يؤخذون في يوم من الأيام. (بيان
القرآن)
فائدة:
تعجيز للمشركين بأنهم لا يقدرون على الفلتان منه
مهما بلغوا في القوة والاستعداد، وتطمين للمسلمين بأن الله سوف يذلهم ويخذلهم
بأيديكم، لكن لا يغفلوا عن الاستعداد للجهاد، ويتوكلوا على الله دون الأسباب
الظاهرة، ولا يعني ذلك عدم أخذ الأسباب مأخذ الجد، فالأخذ بالأسباب مما أمر الله
تعالى به، كما يؤكّد عليه فيما تأتي من الآيات. (والله أعلم بالصواب)