بسم
الله الرحمن الرحيم
{وإمّا تخافنّ من قوم خيانة
فانبِذْ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخآئنين}.
ملخص معاني الآية:
أشار فيها إلى أنك إن عاهدتَ قوما على أمر، ولم
ينقضوا العهد علناً، لكن يبدو من حالهم أنهم ينقضونه ويخونونك، جاز لك أو للأمير
أن ترد إليهم عهدهم، بأن تُخبرهم أنك الآن لستَ معهم على شيء من العهد بلفظ واضح
صريح لا غموض فيه، ثم جاز لك أن تزحف عليهم، لكنك إن لم تُخبرهم ثم هاجمتَ عليهم
بجيش فهذه خيانة، والله لا يحب الخائنين، ولو مع المشركين.
تفسير جامع للآية:
فيما يلي لاحظوا عصارة ما كتب أهل العلم في
تفسير هذه الآية الكريمة:
قوم من المشركين لم ينكثوا العهد علناً، لكن
الآثار والقرائن تشير إلى أنهم سوف يُقدمون عليه، جاز لك أو للأمير رد العهد إليهم
إن كان فيه مصلحة للمسلمين، وإبلاغهم بذلك ثم اتخاذ ترتيبات مناسبة لأحوالهم، كي
لا يبيت أحد الفريقين على الشك والتردد بشأن العهد السابق، ثم الاستعداد لما يراه
الأمير مناسبا للأحوال والظروف بعد إبلاغهم عن التخلي عن العهود والمواثيق
السابقة، لا تخونهم أنتَ، ويكون كل شيء في وضح النهار، لأن الله لا يحب الخائنين،
وإن كان مع المشركين.
ففي السنن أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله
تعالى عنهما قد عاهد عهدا مع الروم إلى أجل، ثم رأى أن يتقدم نحو العدو، ليتمكن من
الزحف عند انتهاء الأجل، فوجدوا راكبا يقول: «الله أكبر الله أكبر وفاءً لا
غدراً». قال النبي ·: إذا عاهدتم عهدا لا تحلوا العقد حتى ينقضي الأجل، أو تردوا
إليهم على السواء. فلما بلغ ذلك معاوية نكص على عقبيه، ثم رأوا إلى الرجل، فكان
عمرو بن عنبسة رضي الله تعالى عنه. (التفسير العثماني)
تدابير الحماية:
«إن كانوا يخافون قوما، بأن تبدو صديقة وهي
تعُد العدة لضرب المسلمين، فانبذ إليهم العهد على السواء لكي تقدر على اتخاذ
التدابير اللازمة للحماية». (حاشية اللاهوري رحمه الله تعالى)
مسألة مهمة:
قال التهانوي رحمه الله تعالى:
في تخصيص النبي · بلفظ الخطاب في قوله {فشرّدْ}
و {فانْبِذْ} و{فاجنَحْ لها} إشارة إلى أن ذلك خاص بالنبي · ومن بعده من أئمة
المسلمين، لا يجوز لعامتهم التدخل فيها. (بيان القرآن)
مسألة:
أشار في الآية إلى أن نبذ العهد إليهم لا يكون
إلا في حالة الخوف من عدم وفائهم به، وهذا جريا على العادة، إذ العادة أن التخلي
عن العهد لا يتحقق إلا إذا كان الطرف الثاني يخشى الغدر من الطرف الأول أو عكسه،
أما إن لم يكن يخاف الغدر، لكن إمام المسلمين يرى من المصلحة الخروج منه، جاز له
ذلك بعد إبلاغ العدو به. (مفهوم بيان القرآن)
مسألة:
إن عاهد المسلمون قوما، فغدروا وخانوا، جاز
للمسلمين مهاجمتهم بغتة وهم لا يشعرون، ولا حاجة إلى إبلاغهم بانتهاء الأجل، إذ
العهد قد انفسخ بغدرهم وخيانتهم. جهّز النبي · سراً ضد المشركين لمّا غدروا وخانوا
صلح الحديبية، وسأل الله تعالى فقال: اللهم اقطع خبرنا عنهم.
ثم هاجمهم وفتح مكة، ولم يقم بإبلاغ المشركين
فنقض العهد، لأنهم فسخوه بغدرهم وخيانتهم. (معنى ما ورد عند القرطبي وغيره)
مسألة:
إذا أراد المسلمون نبذ العهد إلى المشركين، لا
يلزمهم إبلاغه إلى كل واحد منهم منفصلا، إذ يكفيهم إبلاغ زعيم المشركين، ويكفي من
المدة ما يمكنه فيها إبلاغ رعيته بالخبر. (أنوار البيان بالإحالة إلى الهداية)
الإسلام والمحافظة على العهود
والمواثيق:
لم يهتم أحد من الشرائع بالعهود والمواثيق مثل
اهتمام الإسلام بها، فقد أكّد عليه النبي · بقوله: «آية المنافق أربع:
1- إذا اؤتمن خان.
2- وإذا حدّث كذب.
3- وإذا عاهد غدر.
4- وإذا خاصم فجر. (رواه البخاري 451/1)
يجب على المسلمين كلهم المحافظة على العهود
والمواثيق، سواء الحكومة هي الطرف الذي عاهد أو جماعة أو شخص من المسلمين، يجب على
بقية المسلمين المحافظة عليها.
روى البخارى عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى
صلى الله عليه و سلم قال قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بى
ثم غدر و رجل باع حرا ثم أكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه و لم يعطه أجره.
(رواه البخاري 302/1)
وقال النبي ·: من قتل معاهدا لم يرح رائحة
الجنة. (رواه البخاري 448/1، أنوار البيان)
الخائن لا يتقدم:
«ولمّا أثبت يوسف براءته مما نسبوا إليه في
الملأ بمصر، وجعله العزيز مسئولا عن الخزائن، خاطب مولاه ولفت انتباهه إلى هذه
النكتة المهمة وقال: {ذَلكَ لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ وأنَّ اللهَ
لا يَهْدِيْ كَيْدَ الخَائنِيْنَ} (يوسف 52) (تفسير القرآن)