{سورة النساء مدنية، الآية 81}



{بسم الله الرحمن الرحيم}

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}.

ملخص معاني الآية:

فيها إشارة إلى أحوال المنافقين التي كانوا عليها، فقد كانوا يعلنون كامل الوفاء والولاء إن كانوا في مجالس الرسول ·، وبعد خروجهم من عنده ائتمروا خلاف أوامره ·، والله يكتب ما يأتمرون. فأعرض عنهم، لأن المنافقين لا يقدرون على الإضرار بكم، لذلك لا تعبأ بهم كثيرا. (بل فوّض أمر معاقبتهم إلى الله)

الأقوال والمراجع:

(1) الكاملون في الإساءة:
بما أن سوء الظن قد ترسّخ في قلوب المنافقين، لذلك كانوا يعترفون بالولاء والطاعة إن كانوا معه، فإذا خرجوا من عنده تألبوا عليه. (حاشية اللاهوري)
(2) تطمين الرسول   ·:
أراد الله تعالى تطمين رسوله ·، فقال: أعرض عنهم وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلا، فهو ينتقم منهم بطريقة مناسبة. وقد صدق الله تعالى في كلامه، إذ لم يصبه شيء منهم قطّ. (بيان القرآن)
(3) أنت لستَ في حاجة إلى دعمهم:
{وتوكّل على الله} ثم أمره بالتوكل عليه، والثقة به، في النصر على عدوّه. (القرطبي)
ملحوظة:
تناولت الآية الكريمة مباحث الجهاد الرائعة التالية:
(1) إن لحقت بالمسلمين هزيمة، برز المنافقون للناس بصفة الناصح الثقة المثقف لتعبئة أذهان الناس ضد الرسول · والجهاد. ففي الآية كشف عن نفاقهم ولونيهم كيلا يثق المسلمون في أقوالهم وأحاديثهم.
(2) كان المسلمون في حالة الحرب، أصيبوا في أرواحهم وأبدانهم، فكان من الطبيعي إصابتهم بالهموم والغموم على مؤامرات المنافقين، لذلك وجهّهم في هذه الآية الكريمة إلى عدم الالتفات إلى شرورهم وخبثهم، لأنهم لا يضرونكم شيئا، وتوكلوا على الله.
ولاشك أنه أكبر تسلية وتطمين للمؤمنين.
(3) كان من المحتمل أن يثور المسلمون على بذاءة المنافقين وخبثهم، ويفتحوا جبهة جديدة. فقال {فأعرض عنهم} ليوضح لهم أنه لا حاجة الآن لفتح جبهة جديدة، يكفيهم الله، لذلك ركّز كامل انتباهك على أولئك الذين أعلنوا العداء، وخاضوا معارك ضدك.
(4) كان المسلمون بحاجة إلى الرجال والمعونات، إذ أعداءهم ألّبوا الجيوش، وفي مثل هذه الظروف كان من المحتمل أن تسبب سلوكيات المنافقين من السمع والطاعة في الظاهر وتبييت العداء في الباطن الضعف والوهن في جماعة المسلمين، ويؤدّي إلى إضعاف معنوياتهم، لذلك أكّد في هذه الآية على أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى دعمهم وسندهم، توكّلوا على الله الذي لأجله تقاتلون، ولا تركّزوا أنظاركم على غيره، في الحالات كلها، من الحرب والسلم.
(5) أطلع الله نبيّه بهذا الوحي المبارك على أعداءهم الذين يتحركون في الخفاء. ولاشك أن الاطلاع عليهم في أيام الحرب يساعد في تقوية الجماعة وتأصيلها وتقويتها ومتانتها. فهو إن دل على شيء فإنه يدل على صدقه في النبوة والرسالة، وبما أطلع الله رسوله على أخبار الغيب من أحوال المنافقين فنّد تلك المزاعم التي يبثّها اليهود والمنافقون للتشكيك في رسالته ونبوته، وزاد في تطمين المسلمين وتسليتهم. (والله أعلم بالصواب)