{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا
كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}.
ملخص معاني الآية الكريمة:
(1) المؤمنون الحقيقون من
لا يستأذنون الرسول للتخلف عنه في أمر جامع.
(2) يجوز لك أن تأذن لمن
شئت منهم، واستغفر الله لهم، إن الله غفور رحيم.
سبب نزول الآية:
ذكر أغلب المفسرين القصة
التالية في سبب نزول الآية:
«نزل المشركون يوم الأحزاب
بالقرب من بئر رومة المجاورة للمدينة المنورة، وجاءت قبائل غطفان فنزلت بجانب اُحد
(جاءوا لغزو المدينة) فلمّا بلغ النبي · خبرهم، وقد سبق حفر الخندق، الذي ساهم
المسلمون فيه برغبة، وساهم المنافقون فيه بِكَلٍّ، لم يحضروا فيه إلا متأخرين، وما
عملوا إلا قليلا، ثم إذا أرادوا الرجوع إلى أهلهم خرجوا إليهم متسللين، أما
المسلمون فما كانوا يعودون إلى أهلهم لحاجاتهم إلا بعد الاستئذان من الرسول ·،
وعادوا إلى مواقعهم بعد قضاء حاجاتهم، فهذا الذي أشار الله إليه في الآية، وأثنى
عليهم بالخير». (الدر المنثور وأنوار البيان)
معنى الأمر الجامع:
(1) أي الأمر الذي يستلزم
الاجتماع، بحيث لا يمكن إنجازه بدون مشاركة جماعية، كمحاربة الأعداء وغيرها.
(الحقاني)
(2) أي الذي يجمع له الناس
نحو الجهاد والتدبير في الحرب وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين. (المدارك)
(3) عن مجاهد في الحرب
وغيره. (التفسير الكبير)
تفسير يسير:
«أي ليس كامل الإيمان إلا
من استجاب نداء الرسول · على أمر جامع من الجمعة والعيدين والجهاد والتشاور، ثم
إذا حضر لا يتولى إلا بعد الاستئذان، هذا من استكمل الإيمان، آمن بالله والرسول حق
الإيمان.. {فاْذَن لمن شئت منهم} أي بعد التحرّي والتدقيق ائذن لمن شئتَ منهم،
وبما أنه يترشح من الاستئذان تفضيل الدنيا على الدين، والحرمان من بركات مجلس
يتشاور فيه النبي ·، لذلك استغفرْ لهم، ليتم تفادي الخسائر التي تلحق بهم بفضل
استغفارك لهم». (التفسير العثماني بتسهيل يسير)
مبحث الجهاد في الآية 63:
لقد تناولت الآية التي تلي
هذه الآية مبحث الجهاد، وأكّدت على أن الواجب استجابة نداء الرسول ·، وأن
المنافقين يتسللون لواذا، يفرون منه.
قال القرطبي رحمه الله:
«وقيل كانوا يتسللون في
الجهاد رجوعا عنه يلوذ بعضهم بعضا. وقال الحسن لواذاً فراراً من الجهاد».
(القرطبي)
وأضاف قائلاً:
«واختبار ابن العربي ما
ذكره في نزول الآية عن مالك وابن إسحاق وأن ذلك مخصوص في الحرب. قلت القول بالعموم
أولى وأرفع وأحسن وأعلى». (القرطبي)
وقال الإمام أبو حيّان:
وقال الحسن: لِواذاً فراراً
من الجهاد. وقيل: في حفر الخندق ينصرف المنافقون بغير إذن، ويستأذن المؤمنون إذا
عرضت لهم حاجة. وقال مجاهد: لواذا إخلافا. وقال أيضاً: يتسللون من الصف في القتال.
كلام بركة:
قال الشاه عبد العزيز رحمه
الله:
«لزم على المسلمين استجابة
نداء الرسول ·، ثم لا يجوز لهم أن يتسللوا منه بدون استئذان، وبعد وفاته · يلزم
عليهم طاعة الأمير بهذا الوجه». (موضح القرآن)
والمعنى أن على المسلمين أن
يستجيبوا لنداء الأمير، ولا يتسللوا منه بدون استئذان، وقد صرّح الفقهاء والمفسرون
أن طاعة الأمير لازمة على المجاهدين، خاصة في الجهاد. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
مباحث الآية 62 و63 مترابطة
فيما بينها، تناولتا الجهاد، فالأولى بيان مباحث الآية 63 إلى جانب الآية 62.
(والله أعلم بالصواب)
تمت سورة النور بتوفيق الله
ورحمته وفضله، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
17 جمادى الأولى 1429هـ
الموافق لـ 23 مايو/أيار 2008م يوم الجمعة.