{سورة النور مدنية، الآية 55}



{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}.
ملخص معاني الآية:
فيها وعد الله تعالى بثلاثة أشياء إن كان مؤمنا صادقا وعمل الصالحات:
* الاستخلاف في الأرض.
* تمكين الدين.. بتقوية الإسلام وتنفيذه وتطبيقه في الأرض.
* الأمن.. فلا يخافون أعداءهم.
فالذين يُكرمهم الله بالنِعم المذكورة.. يظلون في عبادة ربهم، ولا يشركون به شيئا، ومن كفر بعدما أنعم الله عليه فأولئك هم الفاسقون.
(2) فيها دلالة واضحة على صحة خلافة الخلفاء الراشدين وأنهم على الحق. (الحقاني)
آية الاستخلاف..
اشتهرت هذه الآية بين أهل العلم بآية الاستخلاف، وقد أسهبوا الكلام حولها كل حسب توجّهه وميوله، تناولوا العديد من المباحث والأحكام، فيما يلي جانب من المعارف الجهادية فيها:
(1) لم يتحقق ما وعد الله تعالى المؤمنين فيها من الاستخلاف والتمكين والقوة إلا بالجهاد، فالصحابة جاهدوا في سبيل الله، حتى أكرمهم الله بالنصر والفتح.
(2) والوعد كان يستند إلى الإيمان والعمل الصالح.. والتصديق بالجهاد من الإيمان، والخروج له من أعظم البر، ولا يتحقق النصر الموعود إلا لأولئك المؤمنين الذين كَمُلَ إيمانهم وعملهم الصالح، إذ لا إيمان مع رفض الجهاد، والجهاد مما أمر الله به، ولا كمال للعمل الصالح بدون الجهاد، إذ هو ذروة سنام الإسلام.
(3) تحقق الوعد المذكور مع الصحابة، وذلك إن دلَّ على شيء فإنه يدل على كمال إيمانهم وعملهم وأنها مرضية عند الله، فما من جماعة من المسلمين تأسّت بالصحابة في إيمانها وعملها، شاهدوا بركات الوعد تنزل عليهم من السماء. كان الجهاد يمثّل العنصر الأساسي في إيمان الصحابة وأعمالهم، ولا يمكن التشبّه بهم في الإيمان والعمل الصالح بدون التصديق بالجهاد وخوض معاركه. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
على الراغبين في تفاصيل تفسير الآية الكريمة وتأويلها مراجعة «معارف القرآن» للشيخ الكاندهلوي رحمه الله، فقد كتب 19 صفحة حول الموضوع، وسلّط الأضواء على كل جانب من جوانبها، فجزاه الله أحسن الجزاء. كما قام ابن كثير وأصحاب أنوار البيان، وبيان القرآن والتفسير الماجدي بالإحاطة بالموضوع مناصرين لمعتقد أهل السنة والجماعة، وتناول القرطبي والنسفي الموضوع بالاختصار والجامعية. أرجو من الإخوة طلاب العلم مراجعتها، فيما يلي نشير إلى بعض نصوصها ومقتبساتها.
كلام بركة:
لقد تناول صاحب التفسير العثماني نص تقرير الشاه عبد العزيز رحمه الله تعالى بالشرح والبسط والتسهيل والزيادة بالألفاظ التالية:
«كان الخطاب موجَّهاً إلى أولئك الذين كانوا في عهد رسول الله ·، من كان منهم على درجة عالية من الصلاح والتقوى واتباع الرسول، وعدهم بالاستخلاف في الأرض، يقيم الدين الذي ارتضاه بأيديهم، كما أشار إليه بلفظ الاستخلاف. ثم لا يصبحون مثل ملوك الدنيا، يخلفون عن الرسول فيها، ثم ينادون بمملكة السماء، يسعون إلى ترسيخ دعائم دين الحق، في البرّ والبحر.. حتى لا يتخوف المسلمون من سطوة المشركين وهيمنتهم، يعبدون ربهم في أجواء بعيدة عن التوتّر، يسودها الأمن والاستقرار، حتى تنعم الدنيا بنعمة الأمن والرخاء. يمتازون عن غيرهم في عبادة الله الواحد الأحد، لا يشركون به شيئا، من النوع الخفي ولا الجلي. يعبدون إلها واحدا، يخشونه ويرجونه ويتوكلون عليه، لا يحيون إلا لله، ولا يموتون إلا له، لا يخافون إلا الله، لا يبالون برضا أحد ولا بسخطه، والحمد لله على أن الوعد الإلهي المذكور تحقق في عهود الخلفاء الراشدين الأربعة...وشهدت الدنيا بعيون مشكوفة كل كلمة من هذا الوعد تتحقق كما وردت. توالى على عرش الدولة الإسلامية ملوك وخلفاء آخرون سعوا للانتهاج بنهج الخلفاء الأربعة، وسوف يستمر ذلك كلّما شاء الله، وتشير الأحاديث إلى أن آخرهم هو الإمام المهدي رضي الله عنه الذي وردت به بشائر غريبة، يملأ الأرض عدلاً، ويُعلي كلمة الإسلام بالمعجزة الجهادية».
اللهم احشرنا في زمرته وارزقنا شهادة في سبيلك، إنك واسع المغفرة وذو الفضل العظيم.
تنبيه:
آية الاستخلاف تؤكّد على مناقب الخلفاء الأربعة وفضائلهم.
{ومن كفر بعد ذلك} أي لا يكفر بالنعم العظيمة الجليلة آنفة الذكر إلا الطغاة العتاة من المجرمين. قال الشاه عبد العزيز رحمه الله: ما من شخص أنكر خلافة الخلفاء الأربعة ومناقبهم، اطلعنا باللفظ المذكور على حاله. {من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} ربنا إنك رءوف رحيم. (التفسير العثماني)
قصص في سبب نزول الآية:
لقد ذكر المفسرون هنا العديد من الروايات، وملخّصها أن المسلمين كانوا يعيشون بمكة في أجواء يهيمن عليها الخوف والرعب، ثم هاجروا إلى المدينة المنورة وفُرض عليهم الجهاد، فباتوا يقاتلون، لا يفارقون السلاح، صاروا مذعورين، حتى قال قائلهم: أننعم بالأمن يوما من الأيام؟ حتى وعدهم النبي · بالأمن القريب، ونزلت هذه الآية.
هذه الآية من المعجزات..
نزلت هذه الآية في وقت كان من الصعب فيه أن يتخيّل أحد أن المسلمين يفرضون سلطانهم على الأرض بالشكل الذي ورد في الآية، يرسخون دعائم دينهم، ينعمون بنعمة الأمن والاستقرار.. لكنها تحققت في فترة قياسية، وفيها دليل على صدق الرسول · والقرآن.
قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى:
«دلّت الآية على صحة نبوة محمد ·، لأنه أخبر عن الغيب في قوله {ليستخلفنّهم في الأرض. وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا} وقد وجد هذا المخبر موافقا للخبر، ومثل هذا الخبر معجز، والمعجز دليل الصدق، فدل على صدق محمد ·». (التفسير الكبير)
الخطاب يشمل كافة المسلمين:
الخطاب عام يشمل كافة أفراد أمة محمد · عند أكثر المفسرين، فما منهم أحد يؤمن بالله ويعمل بمقتضياته إلا وتحقق له الوعد المذكور، وهذا الذي اختاره التهانوي رحمه الله، كما قال:
«يا أمة محمد ·.. ما منكم من أحد يؤمن بالله ويعمل صالحا، أي يتبع دينه اتباعا لا خلل فيه، فإن الله يعده باستخلافه على الأرض بفضل اتباعه، كما استخلف الذين كانوا قبلهم، كبني إسرائيل، أظهرهم على القبط، ثم على العمالقة، ومنحهم حكومات مصر والشام، والغرض منه أن الدين الذي ارتضاه وهو الإسلام (لقوله تعالى: {رضيت لكم الإسلام دينا} يُقوّيه لمنفعتهم الأخروية». (بيان القرآن)
وللتوسع في هذا القول يرجى مراجعة القرطبي وروح المعاني.
الخلافة:
ما من مملكة أو سلطنة تتميّز بتمكين الدين من غلبة الإسلام وتنعّم أهله بالأمن الشامل إلا وتسمّى خلافة راشدة، أما الخليفة الراشد فهو المؤمن الصالح الموحّد الذي يعتمد نظام حكم إسلامي. (معارف القرآن للكاندهلوي)
«لاشك أن معنى الحكم والإمارة قد تداخل في الخلافة، لكن «الخلافة» غير مرادفة للحكم والإمارة، لأن من أهم أساسيات الخلافة: الحكومة «العادلة» بتطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذ الحدود الشرعية.. فهي نعمة ربانية، وعد بها الله مع من اتصف بالإيمان الكامل، وهذه هي الحكومة التي طلبوها.. الحكومة التي تمثّل مزرعة للآخرة.
أما الحكومة العادية التي مرجعها الجاه والسطوة والتنافس والأنانية فهي وجه من وجوه الدنيا المحضة، لا يمكن أن تكون مستهدفة من مسلم، ولا نزل بها وعد في الوحي. يمكن الحصول عليها باتخاذ تدابير مادية وتوفير أسباب دنيوية شأنها شأن غيرها من الأمور التكوينية، الحاصلة للأمم الأوروبية والأمريكية». (التفسير الماجدي)
ثلاثة وعود تحققت:
اشتهرت هذه الآية بين أهل العلم بآية الاستخلاف، لما جاء فيها من ذكر الاستخلاف، أنزلها الله تعالى لتطمين المؤمنين، وأشار فيها إلى ثلاثة وعود. الوعد الأول: الاستخلاف في الأرض. أي يمنحهم ملكوت السماوات وخلافة النبوة، أي لا تمثل مجرد مملكة دنيوية، إنما تنوب عن النبوة وتخلفه، تشبه بمملكة داود وسليمان عليهما السلام.
الوعد الثاني: تمكين الدين المتين، بأن يكون الدين الذي ارتضاه قويا ومتينا بيد الخلفاء بحيث لا تقدر القُوَى المُعادية بعرقلة مسيرها وتطبيق أحكامها ونشر رسالتها، ويُحدث ضجّة في العالم أجمع.
الوعد الثالث: استبدال الخوف بالأمن، فلا يخافون أحداً إلا الله، بل الكفار والمشركون يخافونهم ويرعبون من قوتهم ونفوذهم.
فهذه ثلاثة وعود قطعها الله تعالى مع الذين كانوا في عهد الرسول ·، واتصفوا بالإيمان والعمل الصالح قبل نزول الآية، فتحققت كما وعد، صدق الله وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. مكّن الله نبيه على أعداءه تمكينا قويا بعد غزوة الأحزاب، وفتح عليه مكة وخيبر وبلاد اليمن والبحرين والطائف قبل وفاته، أما الوعود الثلاثة فقد تحققت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ورأتها الدنيا بعيون مكشوفة، بحيث لا يمكن لمنكر إنكارها.
الوعد الأول:
الاستخلاف في الأرض، هذا هو الوعد الأول، الذي تحقق على يدي الصحابة، فقد سقطت أمبراطوريات قيصر وكسرى في أيديهم، أقوى دولتين في العالم في ذلك العهد. لقيتا الفنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله، وفُتحت بلاد الشام والعراق ومعظم أقاليم بلاد فارس، وتوسعت رقعة البلاد المفتوحة يوما فيوما، أما الحكومات المتبقية فلم تكن في موقف يُمَكّنها من مجابهة الدولة الإسلامية الفتية، هذا هو التمكين في الأرض الذي وُعد به المؤمنون.
الوعد الثاني:
{ولَيُمَكِّنَنَّ لهم دينهم} أي يعزّز دعائم الدين الذي ارتضى لهم، حيث انتشر في الآفاق، وبات تعيين القاضي والمفتي في كافة الأمصار، بإنشاء محاكم إسلامية شرعية، وهكذا ترسّخت قوائم الإسلام في الأرض بحيث أصبح من الصعب استئصالها، وما بقيت قوة تقدر على القضاء عليهم واستئصال جذورهم.
الوعد الثالث:
{وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم أمنا} وتحقق هذا الوعد بفضل الله وحمده، فقد أراحهم من الأعداء على المستوى الداخلي والخارجي، واستتبب الأمن والاستقرار ربوع الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بحيث لم تكن قوى الكفر والعدوان قادرة على تشكيل تهديد للدولة الإسلامية، بل تقلبت الموازين وصاروا مذعورين من الجيوش الإسلامية، وهكذا تحققت الوعود الثلاثة على أيدي الخلفاء الراشدين. لقد سقطت بلاد اليمن والحجاز والنجد والبحرين على يدي رسول الله · في حياته المباركة، وكانت القوتان العُظميان تمثلان قُطبَي الأرض، الدولة الإيرانية الساسانية كانت خاضعة للديانة المجوسية، والروم والشام تحكمهما النصرانية، مع جيشين من أبهر الجيوش في ذلك العصر، وخزانتين من أغنى الخزانات في العالم، أما الجانب الإسلامي فكان ينقصه العدد والعُدّة. وبعد وفاة النبي · ظهرت فتنة الردة، التي زعزعت بُنيان الدولة الإسلامية الفتية، وبعد تولي أبي بكر الصديق مقاليد الحكم بادر إلى القضاء عليها، وبعد استتباب الأمن والاستقرار خلال سنة عزم الصديق على زحف بلاد قيصر وكسرى، فجهّز جيوشاً وأرسلها إلى حدود الدولتين من الشام ومصر، وحققت انتصارات فيها، لكن وفاته حالت دون تحقيق طُموحاته، فاستخلف عمر وسلّم روحه إلى بارئه، فواصل عمر مشواره من حيث تركه، وجهّز جيوشا لغزو بلاد قيصر وكسرى، فسقطت على أيديهم كافة أراضي الشام ومصر وقسماً كبيرا من أرض فارس، وخاض كسرى ملك فارس حروبا طاحنة، لكنها لم تجلب له إلا العار والندم، ومثله فعل قيصر ملك الروم، وعاد بيدين خاويتين، ووُزّع جانب كبير من خزانتي الدولتين على المسلمين. وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه اتسعت رقعة الدولة الإسلامية لتشمل قبرص والقيروان والأندلس والمحيط الأطلسي، وبلاد الصين في الشرق، وخراسان وإيران وبلخ وغيرها من المناطق في وسط آسيا، كما خاض المسلمون معارك طاحنة مع الأتراك، وتراجع خاقان الصين ووافق على دفع الخراج، وفي عهد عثمان رضي الله عنه زالت الدولة الساسانية وقُتل ملكها كسرى عام 30هـ. وتوالت أموال الخراج على المدينة المنورة من مشارق الأرض ومغاربها، فأدى إلى تقوية أواصر الدولة الإسلامية، وزالت الأخطار التي كانت تهدّد وجودها. فباختصار زالت الحكومات العريقة المحيطة بقرون في فترة قياسية، وتحقق الوعد الربّاني الذي ذكره في هذه الآية، وانتصر الإسلام عليها رغم قلة العدد والعُدّة، وحقق الجيش الإسلامي انتصارات باهرة أمام آلاف جنود الدولتين المنهارتين، فرفعوا كلمة الإسلام، وتوالى الخراج على المدينة، تحقق لهم تمكين لم ترى الدنيا نظيره ولا سمعت بمثله.. وهكذا تحقق وعد الله كما وعد، ولله الحمد. ثم تعاقب ملوك آخرون على نهج الخلفاء الراشدين، وسوف يستمر ذلك بإذن الله إلى أن يرث الأرض ومن عليها، آخرهم خليفة الله المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، ليؤسس خلافة مماثلة بما أقام الخلفاء الراشدون. (معارف القرآن للكاندهلوي)
أغلب أجزاء هذا التقرير مقتبس من تفسير ابن كثير.
فلما أفقدوا الشرط..
«ثم لم يلتزم المسلمون بالشرط، وسري الضعف إلى إيمانهم، وتخلوا عن الأعمال الصالحة، ورفعوا أيديهم عن عبادة الله، ففقدوا كثيرا من حكوماتهم، وأحاط بهم الخوف في أماكن كثيرة، وتزعزع الأمن والاستقرار، بحيث صاروا يتسوّلون الأمن من الأعداء، ومدّوا أيديهم إليهم طلبا لحماية حكوماتهم». (أنوار البيان)
أربعة مطالب لعدم الإشراك:
قال الله تعالى: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} ما معناه؟ أشار القرطبي إلى أربعة معانيه:
(1) لا يعبدون إلها غيري.
(2) لا يراءون بعبادتي أحداً.
(3) لا يخافون غيري.
(4) لا يحبّون غيري. (القرطبي)
القول الأول للنقّاش، والثالث لابن عباس، والرابع لمجاهد.
الخلافة بدون جهاد؟
لاشك أن الخلافة من أهم ضروريات المسلمين، لأن بها يقدرون على استعادة أمجادهم الماضية، لكن هل يمكن تأسيسها بدون جهاد؟ هذا من المستحيلات، ناهيك عن التفكر حوله. والواجب على المسلمين كافة أن يتأملوا هذه الآية الكريمة بقلوب واعية، ثم يجتهدوا لاستكمال الإيمان ولاستلزام الأعمال الصالحة، ويعرفوا منزلة الجهاد في سبيل الله والحاجة إليه. (والله أعلم بالصواب)
مباحث الجهاد في الآية 56 و57:
كثير من المفسرين ذكروا مباحث الجهاد في الآيتين اللتين تلي هذه الآية، فيما يلي لاحظو النصين التاليين:
(1) «وبعد هذا الوعد أمر أولئك الذين وعد الله لهم بالخلافة والإمامة والحكم على الأرض بالصلاة والزكاة بقوله {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} أي بعد تولي مقاليد الحكم على الأرض وفرض سلطانكم وهيمنتكم عليها، لا تتولوا عن الله ورسوله مثل بني إسرائيل، بل ارجعوا إلى ربكم بالصلاة والزكاة وشرائع الدين. أشار إليها بلفظ {أطيعوا الرسول} بالشكل الكلي، لعلكم تُرحمون. وإلا أحاط بكم غضب الله، وزالت دولتكم وسلطانكم. ولا تحسبوا الذي يعثون في الأرض مفسدين بعدما آل الحكم إليهم، ولا يهتمون بدينهم علواً واستكباراً، أنهم يُعجزون الله، سوف يواجهون الخزي في الدنيا والآخرة، وأن مصيرهم نار جهنم في الآخرة. ثم أراد تطمين المسلمين بلفظ {لا تحسبنّ} ويؤكّد على وعد الاستخلاف بأنكم أيها المسلمون مستضعفون اليوم أمام الكفار، وأن أمامكم حكومات الروم والفُرس العظيمة، لكنها تسقط بأيديكم، فنحن قادرون على نصركم وتمكينكم عليهم». (التفسير الحقاني)
(2) «أطيعوا الرسول في الأحكام البدنية (الصلاة) والأحكام المالية (الزكاة) لتتوالى عليكم رحمته، وتفوز الطائفة الصادقة وتحقق غاياتها، وأنّى لقوات الكفر مجابهة جنود الله؟». (حاشية اللاهوري)