{سورة النور مدنية، الآية 53، 54}



{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)}.
ملخص معاني الآية:
(1) يُقْسِمُ المنافقون بكامل جهدهم وقوتهم أنك إن أمرتهم بالجهاد، لخرجوا معك، ولا تأمرهم بتقديم التضحيات والفداء في سبيل الله إلا استجابوا لها.
(2) قل لهم: لا تُقسموا، ولا تأتوا بالدعاوي الفارغة، لا نطالبكم إلا بالطاعة المعروفة التي يستجيب لها عامة المؤمنين، التي تُبرهنها أعمالكم، ولا داعي إلى اللجوء إلى الحلف، والله عالم بكم، حيث أقوالكم تخالف أعمالكم.
(3) فإن أبيتم طاعة الرسول ·، فإنكم لن تضروه شيئا، فما عليه إلا البلاغ، الذي قام به على أحسن وجه، ففاز وسعد. وما عليكم إلا مراقبة أعمالكم، والواجب طاعة الرسول ·، فهي سرّ نجاحكم وسعادتكم، لذلك لا تلجؤوا إلى القسم والدعاوي الفارغة، بل اعملوا وأطيعوا، وسوف يتحقق لكم الفوز والسعادة، واعلموا أن طاعتكم للرسول لن يجلب له خيرا.
إذا أمر الرسول   · بالجهاد:
(1) كان المنافقون يقولون: لئن أمرنا الرسول · بالجهاد لخرجنا معه، وإن أمرنا بالخروج عن ديارنا وأوطاننا لفعلنا ذلك.
أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا. (المدارك)
(2) أراد بالخروج : الخروج للجهاد في سبيل الله، كما قال الآلوسي: «والمراد بهذا الخروج الخروج للجهاد، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل». (روح المعاني)
(3) قال القرطبي: «فقالوا والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا ونساءنا وأموالنا لخرجنا ولو أمرتنا بالجهاد لجاهدنا، فنزلت هذه الآية». (القرطبي)
(4) كان المنافقون يقسمون إن أمرتنا بالخروج من ديارنا لخرجنا، لأننا نطيعك من أعماق قلوبنا، فقال الله تعالى: {قل لا تُقسموا طاعة معروفة، إن الله خبير بما تعملون} فلا يأمركم الرسول بالخروج من دياركم، إنما يأمركم بطاعة الله والرسول كما هو معروف لديكم، فأطيعوه. (الحقاني)
(5) قال البغوي رحمه الله:
كان المنافقون يقولون للنبي ·: لا تكون في موضع إلا كنّا معك فيه، فإن خرجت للغزو خرجنا معك، وإن أقمت في موضع أقمنا معك، وإن أمرتنا بالغزو غزونا. فقال الله: لا تُقسموا قسما كاذبا، إن الله خبير بحقيقة طاعتكم. (التفسير المظهري)
لقد صدر الإذن بالجهاد..
كان قد صدر الإذن بالجهاد، وخرج النبي · له، واندفع إليه الصحابة بكل حماس وشجاعة، وفي ظروف محيطة كهذه إن قال المنافقون: لئن أمرتَهم ليخرجن.. يدعو إلى الاستغراب والحيرة. إذا حان وقت الجهاد تخلّفوا عنه وقعدوا في بيوتهم، وإذا قفل النبي · منه، جاءوا إليه يعتذرون، ويحلفون له أنهم سوف يطيعونه ويستعدون لتقديم الغالي والنفيس في المستقبل، ويبدو من صنيعهم أنهم بفعلهم ذلك يمنّون على الرسول ·. لذلك أرشد القرآن إلى أصل عام، وقال: برهنوا على ما تقولون بأعمالكم، ولا عبرة بالدعاوي المجردة، وأن تمرّدكم وعصيانكم لا يضر النبي · شيئا. قال اللاهوري رحمه الله:
«يقال للمنافقين ذوي وجهين: لا تكثروا الدعاوي، فالدعاوي المجردة عن تغني في شيء، برهنوا على دعواكم بالعمل.. ثم قال للرسول ·: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.. فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم. (حاشية اللاهوري)
المخلصون لا يُقسمون بالطاعة، بل يفعلون ما يُبرهن على صدقهم وإخلاصهم، أما المنافق فيُردّد كلمة: {لئن أمرتهم ليخرجنّ} لذلك أكّد هنا على أن الأمر بالجهاد قد صدر، والآن ننتظر عملكم. (والله أعلم بالصواب)
 طاعة معروفة...
فسّرها أهل العلم بأربعة تفاسير:
(1) «لأن طاعتكم معروفة بأنها واقعة باللسان فقط من غير مواطاة القلب» (روح المعاني).
(2) «لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى لكم». (البحر المحيط)
(3) «لا تقنعوا بالقسم، طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم وهو المطلوب». (البحر المحيط)
(4) لا تقنعوا بإرضاءنا بالقسمة، طاعة الله معروفة وجهاد عدوه مهيع لائح». (البحر المحيط)
أوضح ذلك النسفي بقوله: أي الذي يطلب منكم طاعة معروفة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين. (المدارك)
اللهم وفّقنا جميعا لطاعة نبيك ورسولك كما ورد في النصوص. (آمين)
تفسير يسير لطلبة العلم:
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} غايتها {لئن أمرتهم} بالجهاد {ليخرجن قل} لهم {لا تُقسموا طاعة معروفة} للنبي، خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه. {إن الله خبير بما تعملون} من طاعتكم بالقول، ومخالفتكم بالفعل {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا} عن طاعة، بحذف إحدى التائين خطاب لهم. {فإنّما عليه ما حمّل} من التبليغ {وعليكم ما حمّلتم} من طاعة {وإن تطيعوه تهتدوا. وما على الرسول إلا البلاغ المبين} البيّن (جلالين).