{الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ
مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}.
ملخص معاني الآيات:
(1) لا عبرة اليوم بغير ما جاء به محمد
· من الأديان، إن الدين عند الله الإسلام الذي أنزله على محمد ·، وجميع الخلائق
اُمروا بالإيمان به، فالجميع يقومون بالأعمال الصالحة والسيئة، سواء كان مسلما أو
كافرا، لكن فائدة الإسلام تظهر في قبول الأعمال الصالحة، والعفو عن السيئات، أما
عقوبة إنكار الإسلام فحبط الصالحات وترتّب الإثم. (مفهوم نص الشاه عبد العزيز رحمه
الله)
(2) تُحبَط صالحات الكفار، فلا يحصلون
على شيء في الآخرة، كما يتم إحباط تدابيرهم ومساعيهم في محاربة الإسلام.
(3) ما أنزله الله على محمد من الدين هو
الحق، يغفر الله لمن آمن به وعمل صالحا، ويصلح بالهم في الدنيا والآخرة، وينصرهم
ويغلبهم ويمكنهم في الأرض.
وذلك لأن الكافر اتبع طريق الضلال،
والمؤمن اتبع الحق من ربه، كذلك يبيّن الله للناس ليتعظوا وليعتبروا.
الربط بين الآيات:
(1) أول هذه السورة مناسب مع آخر السورة
المتقدمة، فإن آخرها قوله تعالى: {فهل يُهلك إلا القوم الفاسقون} فإن قال قائل:
كيف يهلك الفاسق وله أعمال صالحة كإطعام الطعام وصلة الأرحام الخ (التفسير الكبير)
(2) آخر السورة المتقدمة تناول قصص
إهلاك المجرمين، وكان الغرض منها إنذار مشركي مكة، ليعتبروا منها، إلى جانب تسلية
النبي · بانتظار النصر والرحمة من الله، وسوف ينتصر الحق على الباطل في نهاية
المطاف. جاءت بداية هذه السورة ببيان حبط
أعمال الكافرين والمنكرين، وأن المرء سوف يشاهد الفرق بين الحق والباطل في هذه
الدنيا، كما أن معاقبة المبطلين المنكرين في الآخرة وفلاح أهل الحق ونجاتهم من
النار أمر مقطوع لا يحتمل الشك. كما أراد التأكيد على أن المعركة الدائرة بين الحق
والباطل تقتضي استعداد أهل الحق لإعلاء كلمة الله بالجهاد ضد الباطل. والجهاد ابتلاء،
يُحدّد به مدى إخلاص المؤمنين الطائعين وإيثارهم، كما أن انتصار الحق على الباطل
أمر واقعي ستراه الدنيا بعيون مكشوفة، ليتم تسجيله في صفحات التاريخ. (معارف
القرآن للكاندهلوي)
(3) قال في آخر السورة المتقدمة: {فهل
يُهلك إلا القوم الفاسقون} وبدأ هذه السورة بتحديد علامات الفاسقين، بأنهم الذين
أحبوا الكفر على الإيمان. ثم إهلاك الكفار على وجهين: الأول: بإنزال العذاب من
السماء كإهلاك قوم عاد وثمود. والثاني: بإهلاكهم بأيدي المجاهدين في الجهاد.
فأكّدت سورة محمد على أن إهلاكهم يتم بالجهاد. فإن قيل: قد كانت لهم بعض الحسنات،
فكيف إهلاكهم بالجهاد؟ أجاب عنه بأن الكفر أحبط أعمالهم، فهي مردودة عليهم.
فإن قيل: بعضهم كان يؤمن بالشرائع
السابقة؟ أجيب بأن الشريعة المعتمدة اليوم هي ما جاء بها محمد ·، وبما أن الكفار
رفضوها، واتبعوا الباطل، إضافة إلى إعاقتهم لطريق الإسلام، لذلك شُرع الجهاد ضدهم،
ونزل حكمه في الآية الرابعة من سورة محمد ·. (والله أعلم بالصواب)
المانعون عن الإسلام:
قال الله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن
سبيل الله}
قال الإمام الرازي:
في الصد وجهان، أحدهما صدوا أنفسهم
معناه أنهم صدوا أنفسهم عن السبيل، ومنعوا عقولهم من اتباع الدليل. وثانيهما: صدوا
غيرهم ومنعوهم. (التفسير الكبير)
من كان هؤلاء:
ذكروا أقوالا عديدة في تحديدهم:
(1) كانوا أهل مكة، الذين صدوا أنفسهم
وغيرهم عن الإسلام.
(2) كانوا اثنا عشر زعيما من زعماء
قريش، وهم:
أبو جهل، حارث بن هشام، عتبة بن ربيعة،
شيبة بن ربيعة، ابي بن خلف، أميه بن خلف، عقبة بن حجاج، نبيه بن حجاج، أبو البختري
بن هشام، زمعة بن أسود، حكيم بن حرام، حارث بن عامر.
(3) كانوا أهل كتاب يصدون الكتابيّين
وغيرهم عن الإسلام.
(4) كل كافر.
وقد رجّح الإمام أبو حيان هذا الأخير
بعد سرد الجميع، فقال:
«وهو عام في كل من كفر وصدّ». (البحر
المحيط)
وقال الإمام الرازي:
«في الحقيقة كل كافر يصد الناس عن
الإسلام، فالبعض منهم يبذل وقته وماله ونفسه لأجله، والبعض منهم يصد بعمله، لأن
الناس لا يستوثقون بالكفر إلا بعد مشاهدة بعضهم البعض، والخلف يتبع السلف، فالكافر
يتسبب في صد الناس عن الإسلام بوجه أو بآخر».
«كل من كفر صار صادّاً لغيره».
فمعنى الآية الكريمة:
«الذين كفروا وتسببوا بكفرهم في منع
الآخرين عن الإسلام». (التفسير الكبير)
ومن هنا عرفنا جواب سؤال مقدّر، وهو هل:
يحبط عمل الكافر وإن لم يمنع أحداً عن الإسلام؟ ثم إن ما من كافر إلا ويصد نفسه عن
الإسلام.
ففي التفسير الحقاني:
قال الله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن
سبيل الله} سبيل الله : أي الإيمان والصوم والصلاة والجهاد والحسنات واتباع النبي
·، حبطت أعمالهم، لتمردهم، فلا تنفعهم حسناتهم. (التفسير الحقاني)
لماذا نجاهد الكفار؟ في هذه الآية أشار
إلى أهم أسبابه، فقال: إنهم متمردون خرجوا عن طاعة الله، يصدون غيرهم عن سبيل
الله، فإن اُفسح المجال أمامهم سعوا إلى نشر الكفر في العالم أسره، وأعاقوا طريق
الدعوة الإسلامية. (والله أعلم بالصواب)
حبطت أعمال الكفار:
{أضل أعمالهم} أي أتلفها حيث لم ينشأ
عنها خير ولا نفع، بل ضرر محض. (البحر المحيط)
(1) المراد بالأعمال أعمالهم البرة في
الجاهلية من صلة رحم، وفكّ عان ونحو ذلك. (البحر المحيط)
«وعلى كل حال، من اختار الكفر، وصدّ عن
سبيل الله {أضلّ أعمالهم} لأن مدار قبول الأعمال على الإيمان، وعند فقده لا عبرة
بالأعمال الخيرية، مهما بلغت في الحسن والصلاح، ولا ثواب عليها. كما في الركوع
الأخير من سورة الكهف: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعًا (104)}. الكهف 103-104.
فإن قيل: الكفار يقومون بأعمال الخير من
بناء مدارس ومستشفيات وتقديم الدعم المالي، أليس لهم جزاء عليها؟ قلنا: لا شيء لهم
في الآخرة، لأن الله عوّضهم عنها بالشهرة والسمعة في الدنيا.
«فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ويجزون
بها في الدنيا من فضله تعالى» (الجلالين).
(2) المراد بالأعمال: المكائد والتدابير
السيئة التي يتخذونها ضد الإسلام ورسوله ·.
«أو ما عملوه من الكيد لرسول الله ·
والصد عن سبيل الله» (المدارك).
ومعنى {أضل أعمالهم} أبطل كيدهم ومكرهم
بالنبي · وجعل الدائرة عليهم. (القرطبي)
والمعنى أنه لا يفسح المجال أمام الكافر
بعد ملاحظة خيراته وحسناته الظاهرة لينشر الكفر والشرك بين الناس، لأن تلك الأعمال
لا عبرة بها ما لم يخالطها الإيمان بالله، ثم إنه لا يترتب عليها نتائج إيجابية.
وعرفنا بالتفسير الثاني أن الكافر لا يقوم بكيد ومكر إلا دمرها الله، لذلك نشاهد
تقدم الإسلام وازدهاره رغم مساعي الكفار الحثيثة. والحمد لله رب العالمين.
أصحاب الإيمان المقبولين:
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
ذكر المؤمنين مقارنة بالكافرين، آمنوا:
أي بدين محمد · وشرعه، لأنه هو المعتبر المقبول عند الله اليوم، غفر الله سيئاتهم،
وأصلح أعمالهم في الدنيا والآخرة.
ومن أراد بهذه الآية؟
(1) أنصار المدينة.. فمعنى «عملوا
الصالحات» : ما أشركهم المهاجرون في أموالهم وبيوتهم.
(2) بعض من قريش.. فمعنى «عملوا
الصالحات»: الهجرة.
(3) من آمن من أهل الكتاب.
(4) كل من آمن بالله.. فمعنى «عملوا
الصالحات»: كل عمل يُرضي الله تعالى.
«هم ناس من قريش، أو من الأنصار أو من
أهل الكتاب أو عام». (المدارك)
العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب، ففي
الآية بشارة بالخير إلى كل مؤمن.
«فاللفظ عام يتناول كل كافر وكل مؤمن».
(البحر المحيط)
ثم أكّد على أن المعتمد عند الله اليوم
هو الإسلام الذي جاء به محمد ·، والقرآن الذي اُنزل عليه، ولا عبرة بغيره من
الأديان.
{وآمنوا بما نُزّل على محمد وهو الحق من
ربهم}.
{وهو الحق من ربهم} جملة حصر، دلّت على
حصر الحق في دين محمد ·.
«{وهو الحق من ربهم} وهو جملة معترضة
بين المبتدأ والخبر مفيدة لحصر الحقية فيه على طريقة الحصر في قوله تعالى: {ذلك
الكتاب}». (روح المعاني)
{وهو الحق من ربهم} أي القرآن، وقيل: إن
دين محمد هو الحق إذ لا يرد عليه النسخ، وهو ناسخ لغيره. (المدارك)
وهو الحق من ربهم يريد أن إيمانهم هو
الحق من ربهم، وقيل: أي إن القرآن هو الحق من ربهم نسخ به ما قبلهم. (القرطبي)
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله:
«في القديم لم يكن يُكلّف الجميع بشريعة
واحدة، واليوم التكليف عام والشريعة واحدة، فالدين الحق هو هذا، المؤمنون والكفار
كلهم يعملون الحسنات والسيئات، لكن منفعة قبول الدين الحق هي: العبرة بالحسنة
والمغفرة عن السيئة، ومضرة الكفر: حبط الحسنة وتبعة المعصية». (موضح القرآن)
إن الدين الذي ارتضاه الله لعباده بعد
مبعث محمد · هو الإسلام، وهذه هي النكتة المهمة في وجوب الجهاد وحاجته وحكمته.
وذلك لأن:
(1) الجميع يعاندون الإسلام بعد الإعلان
بكونه الدين الوحيد المعتمد عند الله، يحسدون الإسلام والمسلمين، يعيقون طريق
دعوته، ويسعون إلى محوه وإزالته. ولا سبيل إلى مقاومة حقدهم وحسدهم وعنادهم إلا
الجهاد.
(2) لمّا تقرر أن الإسلام هو الدين
الوحيد الذي ارتضاه الله لعباده، وجب على المسلمين تبليغه إلى العالم، وأثناء
التبليغ قد يواجهون العراقيل التي يضعها الأعداء، ولدفعها كان إلزام المسلمين
بالجهاد.
(3) ولمّا تقرر أن الإسلام هو الحق، فلا
سبيل إلى النجاة في الآخرة والفوز إلا به، فمن عاداه إنما عادى البشرية بأكملها،
وعصى ربه، والواجب إضعافه وقصم ظهره، وإلا لامتلأت الدنيا بالكفر والفساد. ومن هذا
المنطلق كانت مشروعية الجهاد، بنية القضاء على قوتهم التي تسعى إلى إضلال العالم.
فباختصار، إن من أساسيات الجهاد كون ما
جاء به محمد · من الدين هو الحق، ولذلك تصدت الفتن المعادية للجهاد لإضعاف بنيانه،
فقد ظهر كثير من الناس الذين يدعون أنهم مسلمين، ثم يقولون: إن الإسلام ليس الدين
الوحيد الذي على الحق، بل هناك غيره من الأديان ما هي صحيحة، وأنها على الحق،
وبإمكان المرء أن يحصل على السعادة بها. نعوذ بالله من هذه الضلالة.
تكفير سيئات المؤمنين وإصلاح أحوالهم:
{كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم} ..
(1) يكفّر الله عنهم ذنوبهم ومعاصيهم
وكفرهم السابق بفضل إيمانهم وعملهم الصالحات، يُصلح أحوالهم بالتوفيق للتوبة، ويوفّقهم
للأعمال الدينية، ويُصلح بالهم بأن يمكنهم في الأرض ويجعل لهم سلطانا بفضله
ونصره.. . فجملة {وأصلح بالهم} لها معنيان: الأول: التوفيق للصالحات. والثاني:
التمكين في الأرض ومنح السلطة.
{كفّر عنهم سيئاتهم} ستر بإيمانهم
وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم. {وأصلح بالهم}
أي حالهم وشأنهم بالتوفيق لأمور الدين وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصر
والتأييد. (المدارك)
(2) «يمحو الله معاصيهم، أي يغفر لهم،
وأصلح بالهم في الدنيا والآخرة، بأن يوفقهم للصالحات في الدنيا، وفي الآخرة
بالنجاة من النار». (بيان القرآن)
(3) يستر الله بالإيمان والعمل الصالح
ذنوبهم وإفراطهم، فلا يكشفها للناس. {وأصلح بالهم} أي أصلح حالهم في الدنيا،
يغلبهم على أعداءهم، يوفقهم لطاعة الله والابتعاد عن الشيطان والمعاصي، وفي الآخرة
يكرمهم بالراحة الأبدية ومرضاته.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يحفظهم
طول حياتهم. (المظهري)
وهي تناولت أهم نكات الجهاد:
(1) قد يتساءل أحد أن المسلمين لا
يَسلَمُون من الأخطاء والمعاصي، فكيف يحق لهم أن يجاهدوا غيرهم؟ أجيب عنه بأن
معاصي المسلمين وأخطاءهم لا أهمية لها مقارنة بالكفر والشرك، أما الذنوب التي تصدر
عنهم فهي تُمحى بفضل عفوه ومغفرته سبحانه، لذلك يحق لهم أن يجاهدوا في سبيل الله.
(2) لاشك أن المسلمين لا يسلمون من
الأخطاء والمعاصي، فكيف ينزل نصر الله عليهم؟ أجيب عنه بأن الله يوفّقهم للتوبة
بفضل إيمانهم وأعمالهم الصالحة، والله يقبل التوبة عن عباده، ويمحو الذنوب، وهكذا تظل
أبواب النصر مفتوحة للمسلمين.
(3) {وأصلح بالهم} فيها أكّد على أنه
سبحانه وتعالى يوفّقهم لمزيد من الأعمال الصالحة، ويمكنهم في الأرض بنصره، يوطّدون
دعائم الإسلام بالجهاد في سبيل الله، إذ التوفيق والنصر لا يأتي إلا من الله.
(والله أعلم بالصواب)
الغاية لا تختلف عن الوسيلة:
تُحبط حسنات الكفار، وتُعفى عن معاصي
المسلمين؟ لماذا؟ أليس ذلك بظلم؟ في الآية الثالثة أشار إلى أنه ليس بظلم، لأن
الكفار أساءوا اختيار الطريق، ساروا على طريق الضلال الموصل إلى الخيبة والخسارة.
والمؤمنون ساروا على طريق ربهم، فأبلغهم إلى السعادة والفلاح.
(1) وهذا الذي سبق بأن المؤمنين سُعداء
والكفار أشقياء، فذلك لأنهم ساروا على طريق خاطئ، والمؤمنون ساروا على طريق
الإيمان، الذي أبلغهم إلى ربهم، ولاشك أن السير على الطريق الخاطئ يوصل إلى خيبة
الأمل، والسير على الطريق الحق يُبلغ إلى الفلاح والظفر. لذلك خسر الكفار، وسعد
المؤمنون». (بيان القرآن)
(2) أي ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد
الفريقين وتكفير سيئات الثاني والإصلاح كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل، وهو
الشيطان، وهؤلاء الحق، وهو القرآن. (المدارك)
(3) ثم أشار إلى سبب ما حصل للكفار، وما
حصل للمؤمنين، وقال: إن الكافرين اختاروا الضلال والباطل، ونتج عنه الخسارة في
الدارين، والمؤمنون اختاروا الحق، فنتج عنه فتح أبواب كل خير» (التفسير الحقاني).
وهذا التفريق بينهما كان باعتبار اتباع
الحق والباطل، فالمؤمنون اتبعوا الحق، والكافرون اتبعوا الباطل. (اللاهوري رحمه
الله)
الكفار يتبعون الباطل، سائرون على طريق
الضلال، مانعون عن الإسلام، ناشرون للكفر والفساد في الأرض، والقضاء على قوتهم
وشوكتهم من أهم الضروريات، لذلك أمر بالجهاد في الآيات القادمة.
وليعتبر الجميع:
وقال في الجملة الأخيرة: {كذلك يضرب
الله للناس أمثالهم} أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما. (روح
المعاني)
المؤمنون على الحق، والكفار على الباطل،
المؤمنون ناجحون، والكفار خائبون. أعمال الكفار باطلة، وسيئات المؤمنين مغفورة،
وأعمالهم مقبولة. هذا كله يُبيّن للناس ليعتبروا وليتعظوا.
«لأجل الناس ليعتبروا بهم» (البحر
المحيط)
«أي يُبيّن الله لهم أحوالهم ليعلموا
شؤم الضلال وخسرانه، وليدركوا بركات الحق». (التفسير العثماني)
لا يجاهد إلا من تمكن الإيمانُ من قلبه،
وترسّخت عظمة الإسلام فيه، وتنفر قلبه من الكفر وتباغضه. لا يمكن إدراك مسألة
الجهاد بدون وعي مدى احتياج الناس إلى الإسلام، ومدى إضرار الكفر بالبشرية، فقد
بيّن الله للناس فلاح المؤمنين وخسارة الكافرين، ليمكن لهم إدراك حقائق الإيمان
والكفر. (والله أعلم بالصواب)
إعلان عظيم في بداية سورة محمد:
«ابتدأ الله تعالى هذه السورة بإعلان
عظيم، بأن الكفار أعداء الله وأعداء الرسول ·، لا يقصدون من حياتهم إلا صدّ الناس
عن هدي الله، ومجابهة الدعوة المحمدية ·، حبطت أعمالهم، ثم أمر المؤمنين بالجهاد».
(معارف القرآن للكاندهلوي)
في الآية الأولى قال: {وصدّوا عن سبيل
الله} وهذا بناء على أن الكفار أضحوا يعاندون الإسلام، ثم أمر بقتالهم في الآية
الرابعة.
هذه الآيات مرتبطة بغزوة بدر:
لقد ربط بعض المفسرين هذه الآيات بغزوة
بدر، وقالوا: إنها نزلت في غزوة بدر. «وقيل: نزلت هذه الآية ببدر». (البحر المحيط)
وأن الإشارة بقوله: {أضل أعمالهم} إلى
الاتفاق الذي اتفقوه في سفرهم إلى بدر. (البحر المحيط)
قال: المعنى أبطل جل وعلا ما عملوه من
الكيد لرسول الله ·، كالإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة
والسلام وغيره بنصر رسوله · وإظهار دينه على الدين كله، ولعله أوفق بما بعده، وكذا
بما قيل: إن الآية نزلت ببدر. (روح المعاني)
والمعروف عن أول آية في هذه السورة أنها
نزلت في غزوة بدر، ولا يستبعد ذلك من ناحية سبب النزول، لكن اللفظ والحكم عامان،
والله سبحانه وتعالى يمثّل بغزوة بدر في مواقع عدّة من كتابه. (والله أعلم
بالصواب)