{سورة الصف مدنية، الآيات 10، 11، 12، 13}


{بسم الله الرحمن الرحيم}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}.

ملخص معاني الآية:

(1) الجهاد في سبيل الله يمثّل للمؤمنين تجارةً تنجيهم من عذاب أليم.
(2) إن الخير كل الخير للمؤمن في بذل النفس والمال في الجهاد في سبيل الله، ولا يعقله إلا العاقلون. (لأن أكثر الناس يبذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل حمايتهما، أما المجاهد فيبذل نفسه وماله الفانيين طمعا في الأجر العظيم الذي أعده الله له).
(3) عند قيام المؤمن بالجهاد في سبيل الله يتحقق له نجاحان: (أ) النجاح الأصلي والكبير (ب) النجاح الفوري والمرغوب. أما النجاح الكبير فهو مغفرة ذنوبه وتبوأه المقامات العالية في الجنة. أما النجاح الفوري فنصر الله والفتوح. والكل يجلب السرور والاغتباط للمؤمن، والبشائر والأفراح له في الدنيا والآخرة.

أحب الأعمال إلى الله تعالى:

وفي تفسير الخازن:
نزلت هذه الآية حين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عزوجل لعملناه، وإنما سماه تجارة لأنهم يربحون فيه رضا الله عزوجل ونيل جنته والنجاة من النار. (الخازن)

كسب نجاة مؤكدة:

قال الشيخ أحمد علي اللاهوري رحمه الله:
إن أهم شيء ينجي من العذاب الأليم بعد الإيمان بالله والرسول: القتال في سبيل الله، واكتساب النجاة بفضلهما أمر مؤكد ومحسوم. (اللاهوري رحمه الله)
وأراد بالأمور الثلاثة: (1) الإيمان بالله (2) الإيمان بالرسول · (3) القتال في سبيل الله.

التحريض على الجهاد وفائدتاه:

قال الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله:
حرّض الله تعالى في هذه الآيات على الجهاد بذكر فائدتين من فوائده، إحداهما في الدنيا بالنصر والفتح، والثانية في الآخرة. (مفهوم بيان القرآن)

اتّجروا..

ما من رجل يمتلك شيئا من رؤوس الأموال إلا أشار عليه الناس بالمتاجرة، لكي ينمو ماله، وتبقى رؤوس أمواله، كذلك في هذه الآية الكريمة أرشد الله تعالى المؤمن إلى أنك تملك نفسا ومالا هما مجموع ما لديك من رؤوس الأموال، فاستثمرهما فيما يَدِرُّ عليك بالأرباح في الدنيا والآخرة، وحافظ عليهما حذرا من الضياع. أما مجال استثمارهما فهو سبيل الله.
والتجارة الجهاد. (القرطبي)
(1) هي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى. (التفسير الكبير)
(2) هذه التجارة لا تحتمل الخسارة، بل هي منقذة من أكبر خسارة، وهي العذاب الأليم.. {تُنجيكم من عذاب أليم}.
(3) رؤوس أموالها الإيمان بالله والجهاد في سبيله بالنفس والمال، وثمرتها مغفرة الذنوب والمنازل العالية في الجنة.
(4) هذه تجارة رابحة نافعة، بذل النفس والمال في الجهاد أولى من حمايتهما، وتجارة الآخرة أفضل من تجارة الدنيا.
{ذلكم خير لكم} من أموالكم وأنفسكم. (المدارك)
{ذلك خير لكم} من تجارة الدنيا والكد لها والتصدي لها وحدها. (ابن كثير)
(5) والربح فوري في هذه التجارة، وهو النصر من الله تعالى، وانتصار أهل الحق على أهل الباطل.
أي إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه تكفل الله بنصركم. (ابن كثير)

تفسير سهل:

إنما اُمرتم بالثبات والقوة على الإيمان، ثم بالجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، وهي تجارة مع الله التي لا تحتمل الخسارة، إن الناس عادةً يمارسون كثيرا من المهن والأعمال والتجارات، ويوجّهون رؤوس الأموال إليها، على أمل الربح، بالإضافة إلى الاحتفاظ برؤوس الأموال، ويسلم هو وأهله من شدائد الضيق والإفلاس.
هذا حال عموم الناس، أما المؤمنون فإنهم إن وجّهوا رؤوس أموالهم إلى التجارة العالية التي أسلفناها، فإنهم لا يسلمون من الإفلاس الذي لا يحيط بأكثر من عدة أيام، بل يسلم من العذاب الأليم في الآخرة، يا ليت لو أدركها المسلمون أنها أفضل من جميع التجارات الدنيوية، إذ هي تدر عليه أرباحا بشكل المغفرة وجنة الخلود، فهل هناك فلاح أعظم من فلاح الآخرة؟
{ومساكن طيبة في جنات عدن} فيه إشارة إلى سعادة الآخرة، أما سعادة الدنيا فأشار إليها بلفظ:
{وأخرى تحبونها} أي السعادة الحقيقية والكبرى هي ما تتحقق لكم في الآخرة، والتي تزدري بمُلْكٍ ممتد على بسيطة الأرض من أقاليمها السبعة، غير أن في الدنيا شيئا تحبونه بطبيعة الحال، سوف نمنحكموه، وهو {نصر من الله وفتح قريب} أي نصر خاص من الله تعالى، وفتح سريع، وهما يتحققان لكم معا، بدون فصل بينهما. وقد شاهدت الدنيا كيف تحققت هذه الوعود بكل وضوح مع المسلمين في القرون الوُسطى، ومن هنا عرفنا أن هذه السعادات سوف تتحقق للمسلمين اليوم إن ثبتوا على الإيمان والجهاد في سبيل الله بنية صادقة». (العثماني بتسهيل)

التحريض على التضحية:

وفي التفسير الكبير:
«ولا يبعد أن الله تعالى رغّبهم في هذه الآية إلى مفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد». (التفسير الكبير)

إعداد جيش:

وفي التفسير الحقاني:
«إن الملأ الأعلى راغب في إقامة جيش يؤسس مُلكاً على الأرض، يقضي على من يسعى إلى إطفاء هذا النور، لذلك آذن في هذه الآيات بأجر عظيم ومكافأة مالية كبيرة تشمل على سعادة الدنيا والآخرة، إلى جانب التهديد بالعذاب الأليم كل من أعرض عنه، ليمكن إعداد جيش جرار يقدر على تطهير الأرض من الأنجاس كلها. (التفسير الحقاني)





المجموعة الطيبة المباركة

إن الجهاد في سبيل الله تجارة لا تعرف الخسارة، لاحظوا فيما يلي مجموعة طيبة مباركة من أحاديث المصطفى · في فضل الجهاد والمجاهد. نسأل الله أن يوفقنا جميعا لوعي عظمة الجهاد في سبيل الله، وحقيقته وفضله، اللهم آمين.

أفضل الناس

(1) أن أبا سعيد حدّثه قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله ·: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره. (رواه البخاري في باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله 391/1)

ضمان مكفول للمجاهد

(2) أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله · يقول: مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة. (رواه البخاري في باب أفضل الناس مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله 391/1)

 المجاهد خير الناس

(3) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله · عام تبوك يخطب الناس وهو مسند ظهره إلى راحلته، فقال: ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس. إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدمه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجلا فاجرا يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه. (رواه النسائي، باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه 54/2).

النجاة من النار للمجاهد

(4) عن أبي هريرة أن رسول الله · قال: لا يجتمعان في النار، مسلم قتل كافرا ثم سدد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن: غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد. (رواه النسائي في باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه 54/2)

المجاهد في عون الله

(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي · قال: ثلاثة كلهم على الله عزوجل عونه المجاهد في سبيل الله والناكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء. (رواه النسائي في باب فضل الروحة في سبيل الله 55/2)

لا يعدل الجهاد في سبيل الله شيء

(6) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي ·: ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا يستطيعوه، قال: فأعاده عليه مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول لا يستطيعوه، قال في الثالثة: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى. (رواه مسلم 134/2)

أحب الناس إلى الله

(7) عن أبي ذر رضي الله عن النبي · قال: ثلاثة يحبهم الله، فذكر أحدهم: رجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح لهم بصدره. (المصنف لابن أبي شيبة 228/10)

الجهاد عبادة مستمرة

(8) أن أبا هريرة رضي الله عنه حدث قال جاء رجل إلى النبي · فقال يا رسول الله! علّمني عملا يعدل الجهاد قال: لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم لا تفتر وتصوم لا تفطر؟ قال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: إن فرس المجاهد ليستنّ في طوله فتكتب له حسناته. (المصنف لابن أبي شيبة 325/10)

حياة ناجحة

(9) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله · أنه قال: من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه، أو رجل في غنمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير. (السنن الكبرى للبيهقي 268/9)

يوم واحد للمجاهد يعدل ألف يوم فيما سواه

(10) قال عثمان بن عفان رضي الله عنه في مسجد الخيف: يا أيها الناس حديثا سمعته من رسول الله · كنت اكتمكموه ضناً بكم، قد بدا لي أن أبديه نصيحة لكم، سمعت رسول الله · يقول: يوم المجاهد في سبيل الله كألف يوم فيما سواه، فلينظر منكم كل امرئ لنفسه. (السنن الكبرى للبيهقي 271/9)

حسنات لا تُحصى

(11) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جميع أعمال بني آدم تحضرها الملائكة الكرام الكاتبون إلا خيار المجاهدين في سبيل الله، فإن الملائكة الذين خلقهم الله يعجزون عن علم إحصاء حسنات أدناهم. (كنز العمال 136/4)

أكمل المؤمنين إيمانا

(12) عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله ·: أكمل المؤمنين إيمانا رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ورجل عبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره. (المستدرك للحاكم، وأبو داود، عن كنز العمال 123/4)