{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}.
ملخص معاني الآية:
(1) يُطلق اسم «أنصار الله» على كل من
يقوم بأحب الأعمال إلى الله تعالى، وهو الجهاد في سبيله، ومعنى «أنصار الله»:
أنصار دينه.
(2) فيها تأكيد وتحريض على الجهاد،
بالإشارة إلى حواريي عيسى ابن مريم عليهما السلام الدين نصروه.
(3) وفيها بشارة بنصر أمة محمد ·.
التأكيد على أمر الجهاد:
قال الإمام البغوي رحمه الله:
قال الله تعالى مؤيدا دينه ومحرّضا على
قتال أعداء الدين : {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} (البغوي والخازن)
وقال القرطبي رحمه الله:
أكّد أمر الجهاد، أي كونوا حواريّ نبيكم
ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواري عيسى على من خالفهم. (القرطبي)
وأضاف:
وفي قراءة {أنصاراً لله} لأن معناه
اثبتوا وكونوا أعوانا لله بالسيف على أعدائه. (القرطبي)
وقال الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه
الله:
يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار دين
الله، بالطريق الذي شرع لكم، وهو الجهاد. (بيان القرآن)
أحب الأعمال إلى الله:
قال الشيخ أحمد علي اللاهوري رحمه الله:
يبتدئ أحب الأعمال إلى الله تعالى - أي
الجهاد - على النهج الذي بدأ به حواريو عيسى عليه السلام، فقد بدءوا عملهم بالدعوة
إلى الله، التي تمخضت عنها فئتان من البشر، مؤمن وكافر، وكل فئة لها أهدافها
وغاياتها، الخاصة بها، والمتعارضة بغاية الأخرى، والمؤدّية إلى الصدام، فنصر الله
المؤمنة على عدوها. (حاشية اللاهوري)
البشارة بالأحوال المستقبلية:
كما دلّت الآية على أن القتال بين
المؤمنين والكافرين يستمر بعد وفاة رسول الله · أيضاً، وأن الله سينصر جماعة
«أنصار الله» فتنتصر على أعدائها، وإليه الإشارة في كلام الشاه عبد العزيز
الدهلوي، فقد قال:
«لقد بذل الحواريون أقصى جهودهم في سبيل
الدعوة إلى الله بعد عيسى عليه السلام، حتى انتشر دينهم في العالم، ومثلهم خلفاء
رسول الله · فعلوا، بل الذي فعلوه كان أكثر». (موضح القرآن)
الحواريون:
وفي التفسير الحقاني:
كلمة الحواري مشتقة من الحَوَر، ومعناه
البياض الناصع، لذلك يقال الحواري للقَصًّار، لأنه يُبيّض الثياب. ومثله الناصر
والصديق الوفي، يقال له الحواري، وهو من ملأ قلبه بنور الحب والمودة البيضاء
اللامعة. ومنه إطلاق كلمة الحواري على أولئك التلاميذ الذين سبقوا على غيرهم في
الإيمان بالمسيح عليه السلام، وليس لأنهم كانوا قصّارين، كما يراه البعض. أما
أسماؤهم فهي كالتالي:
(1) شمعون، وهو من يسمى ببطرس.
(2) اندرياس.
(3) يعقوب.
(4) يوحنا.
(5) فيلبوس.
(6) برتهولا
(7) تهوما
(8) متي
(9) يعقوب بن بلقا
(10) لبي، ويُعرف بالتهدي.
(11) شمعون الكنعاني.
(12) يهوداه
فهؤلاء الحواريون سبقوا على غيرهم في
الإيمان بدين المسيح عليه السلام، وأبدوا حماسا فوق العادة في حب المسيح، إضافة
إلي الوفاء والإخلاص، وتحمّلوا صعوبات لأجله، فضّلوا التقشّف على الترف ورغد
العيش، وفي سبيله قُتلوا، غير أنهم نجحوا في نشر دين المسيح في العالم. (الحقاني
بتسهيل)
بشارة للمؤمنين بالفتح:
في الآية إشارة إلى النصر والنجاح اللَّذين
تحققا للمؤمنين بالمسيح بعده، وعليه أكثر المفسرين. أي ظل المؤمنون والكافرون
يتقاتلون بعد المسيح عليه السلام، فنصر الله المؤمنين على عدوهم، حتى ظهروا عليهم.
ثم لمّا بُعث رسول الله ·، آمنوا به، فانتصروا على من كفروا بالمسيح، أو على من
ظلوا يحتفظون بعقيدتهم الباطلة بشأن عيسى بن مريم عليهما السلام.
وقال البغوي رحمه الله:
«قال ابن عباس: يعني في زمن عيسى عليه السلام،
وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق: فرقة قالوا: كان الله فارتفع، وفرقة قالوا: كان
ابن الله فرفعه الله إليه، وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون،
واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس، فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين،
حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله
تعالى: { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ
} . عالين غالبين». (تفسير البغوي)
وهذا الذي اختاره ابن كثير:
{فأصبحوا ظاهرين} بإظهار محمد · فيهم
على دين الكفار.
وأضاف قائلاً: فأمة محمد · لا يزالون
ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم كذلك وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح
عيسى بن مريم عليه السلام. (تفسير ابن كثير)
عبارة جامعة:
سعى صاحب التفسير العثماني إلى الجمع
بين أقوال أهل العلم حول هذه الآية المباركة، فيما يلي لاحظوا نص تقريره:
«تفرقت بنو إسرائيل على فرقتين، ثبتت
إحداهما على الحق والإيمان، وكفرت الثانية، ثم تجادلوا فيما بينهم بعد المسيح عليه
السلام، فنصر الله تعالى المؤمنين على الكافرين بعد نزاع وخصام شديدين، وانتصر
المؤمنون بعيسى وهم النصارى على اليهود، ثم من حافظ منهم على العقيدة الصحيحة، وهم
قلة قليلة، أظهرهم الله على عدوهم بفضل إيمانهم بمحمد ·، سواء كان هذا الإظهار من
ناحية الحجة والبرهان، أم من ناحية القوة والسلطة. فلله الحمد والمنّة». (التفسير
العثماني)
عيسى للمسلمين:
لا يوجد على وجه الأرض اليوم أحد من
يحمل عقيدة صحيحة بشأن المسيح عليه السلام غير المسلمين، أما الذين يدَّعون أنهم
مسيحيين فقد رفضوا ذاته وشخصيته وتعاليمه.
والمسلمون يؤمنون بالمسيح كما كان، بحيث
لا يزيدون عليه، ولا ينقصون منه شيئا، إضافة إلى إيمانهم بتنبوّأت المسيح بمبعث
نبي آخر الزمان محمد · بعده، وأن المسيح ينزل في آخر الزمان بصفته واحدا من أمة
محمد ·، ومجاهدا في سبيله.
والحمد لله رب العالمين.
تمت سورة الصف والحمد لله الذي بنعمته
تتم الصالحات.
وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً كثيراً كثيراً.
ليلة الخميس 28 ربيع الأول عام 1430هـ