{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}.
ملخص معاني الآية:
وفي الفيئ حق لأولئك المسلمين الذين
جاءوا بعد المهاجرين والأنصار، أي التابعين ومن تبعهم إلى يوم القيامة، والذين
يُكنّون مشاعر التقدير والإجلال إلى أولئك الذين سبقوهم بالإيمان، يدعون لهم
بالمغفرة، ولا يجدون في قلوبهم غِلاًّ للذين آمنوا. قال الشاه عبد العزيز رحمه
الله تعالى: هذه الآية تشمل جميع المسلمين، الذين يعترفون بحقوق السابق، ويتأسّون
بهم، لا يعادونهم، ولا يحقدونهم. ومن هنا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لا
نصيب في الفيئ لمن يُبغض صحابة رسول الله · ويعاندهم ويسيئ إليهم. (موضح القرآن)
مباحث الآية الكرية:
(1) {والذين جآءوا من بعدهم} لهم نصيب
من الفيئ، ومن هم؟ هم جميع المسلمين إلى يوم القيامة، وهذا هو الراجح عند
المفسرين، راجع البغوي والقرطبي وابن كثير.
(2) كيف يُقسّم الفيئ: بما أن مصارف
الفيئ تستكمل على هذه الآية الكريمة، لذلك تحدث بعض أهل العلم عن طريقة تقسيم
الفيئ. فيما تناول المظهري تفاصيل تقسيم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأموال
الفيئ، وهي لا تخلو عن فائدة.
(3) وجوب محبة أصحاب رسول الله ·:
استحقاق المسلمين اللاحقين لأموال الفيئ مشروط بحب السابقين من صحابة رسول الله ·،
ومن هنا عرفنا أن من يُبغضهم ويعاندهم، لا نصيب له في الفيئ، وقد بسط الموضوع
البغوي والخازن والقرطبي وابن كثير وصاحب روح المعاني والمظهري بالتفصيل.
(4) خلو القلب من الحقد والضغينة تجاه
المسلمين: ففي الآية الكريمة توجيهات واضحة حول هذا الموضوع، وقد أورد المفسرون
عددا من الأحاديث والروايات لتأييده، يُرجى مراجعة روح المعاني وأنوار البيان.
الآية تشمل جميع المسلمين:
معنى الآية الكريمة أن أموال الفيئ
تُصرف على المسلمين اللاحقين كافة إلى يوم القيامة، وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى،
حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن عكرمة ابن خالد، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان
قال: قرأ عمر بن الخطاب: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }
حتى بلغ { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة : 60] ، ثم قال هذه لهؤلاء، ثم قرأ: { وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
[وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ] } (4) [الأنفال : 41]، ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ:
{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } حتى بلغ للفقراء { وَالَّذِينَ
تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ } { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } ثم قال:
استوعبت هذه الآية المسلمين عامة، وليس أحد إلا له فيها حق ، ثم قال: لئن عشت ليأتين
الراعي - وهو بَسرو حِمير- نصيبه فيها، لم يعرق فيها جبينه. (ابن كثير)
وسرو حمير منطقة بعيدة من المدينة
المنورة، والراعي المسلم فيها يجد نصيبه من الفيئ دون أن يعرق جبينه.
والأصل في الفيئ أن النبي · كان يتصرف
فيها بصفته مالكا له، وبعده يتصرف فيه أمير المؤمنين بصفته حاكمهم، أما عن وجوه
صرفه، فقد حدّدها القرآن، فيجوز دفعه إلى كل مسلم. (والله أعلم بالصواب)
طوائف ثلاثة ناجحة:
الناس على طبقات ثلاث: (1) المهاجرون
(2) الأنصار (3) الذين جاءوا بعدهم (ويدعون لمن سبقهم بالإيمان).
فحاولوا لتكونوا واحدا منهم، ولا تخرجوا
منهم إلى غيرهم.
وقال بعض أهل العلم:
كونوا شمسا، فإن لم تستطيعوا فكونوا
قمرا، وإن لم تستطيعوا فكونوا نجما لامعا، وإن لم تستطيعوا فكونوا نجوما صغيرة ولا
تقطعوا أنفسكم عن النور.
ومعناه:
كونوا من المهاجرين، فإن قلتم: هذا لا
يمكن، فكونوا من الأنصار، إن صعب عليكم ذلك، فاعملوا كما كان يعمل المهاجرون
والأنصار، وإن عجزتم فأحبوهم، واستغفروا لهم، كما أمركم به. قال مصعب بن سعد رحمه
الله: الناس على طبقات ثلاث: طبقتان سبقتا، والأفضل لكم أن تصيروا من الطبقة
الأخيرة. (وهم الذين يحبون أصحاب رسول الله · ويتأسون بهم).
قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة
منازل.. الخ (القرطبي)
الدعاء لأصحاب رسول الله ·:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرتم
بالاستغفار لأصحاب محمد ·، فسببتموهم، سمعت نبيكم · يقول: لا تذهب هذه الأمة حتى
يلعن آخرها أولها. (البغوي)
وقال مالك بن مغول: قال عامر بن شراحيل الشعبي:
يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة [بخصلة]، سئلت اليهود: مَنْ خير أهل ملتكم؟
فقالت: أصحاب موسى عليه السلام. وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: حواري عيسى
عليه السلام. وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
أمروا بالاستغفار لهم فسبُّوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية
ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم
وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة .
قال مالك بن أنس: من يبغض أحدا من أصحاب
رسول الله · أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيئ المسلمين، ثم تلا {ما أفاء
الله... إلى.. رؤف رحيم} (البغوي).
وروي عن جابر قال: قيل لعائشة: إن ناساً
يتناولون أصحاب رسول الله · حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا، انقطع
عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر. (الخازن)
أسباب الارتقاء والانحطاط:
قال اللاهوري رحمه الله: تناولت سورة
الحشر خمسة مباحث:
(1) بداية تأسيس دولة المسلمين.
(2) أسباب البقاء: أي التي تُساهم في
استمرار وبقاء دولة.
(3) أسباب الفناء: أي التي تقوم بدور
رئيسي في زوال دولة.
(4) من المستحيلات العمل بالقرآن ثم
مواجهة الخزي والعار في الدنيا.
(5) شروط الاستفادة من القرآن الكريم.
فباختصار، كلما جاهد المسلمون في سبيل
الله، وقاموا بتقسيم الأموال من الغنيمة والفيئ على الوجه الصحيح، وتآلفت قلوبهم
وتلاحمت، بحيث ابتعدت عن الشحناء والبغضاء والبخل والشح والأنانية، وتروّجت فيهم
مشاعر الإيثار والتراحم على الصغار وتعاظم الكبار، إلا واستدامت دولتهم، وازدهرت
وتقدمت. أما إذا حلت الشحناء والبغضاء محل التآلف والتلاحم، فقد دق ناقوس
الاضمحلال والزوال.
قال اللاهوري رحمه الله:
إذا ظهر المنافقون في قوم، يرتبطون بقومهم
باعتبار الظاهر، ويعملون لحساب العدو في الباطن، وينصحوا للعدو بدلا من قومهم، فقد
حان وقت نهاية دولتهم. لذلك أشار الله تعالى في الآيات اللاحقة إلى أحوال
المنافقين، ليحذروهم. (حاشية اللاهوري)
لقد هزم النبي · فتنة المنافقين بالحكمة
والدهاء، واستطاع المحافظة على كيّان المسلمين ودولتهم الفتية، فواصلت تقدمها بعده
·. والواجب على المسلمين أن يحذروا هذه الطائفة البغيضة وتدابيرها الوقحة. (والله
أعلم بالصواب)