{بسم الله الرحمن الرحيم}
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)}.
ملخص
معاني الآية:
(1) لقد طوّق المشركون بالمسلمين من
الجهات كلها، فقد جاءوا من فوق المدينة وهو جانبها الشرقي، من أسفلها وهو جانبها
الغربي.
(2)
وقد خيّم الخوف والذعر على المسلمين بحيث زاغت الأبصار، وعبست الوجوه
وتغيّر الأصدقاء وتبدلّوا.
(3) زادت الاضطرابات القلبية كأنّ
القلوب تركت أماكنها لتبلغ الحناجر.
(4) كانوا يظنّون بالله ظنونا كثيرة،
فباختصار كانت الظروف قاسية، و الوضع خانقا، والبلية عظيمة.
هجوم
محيط بالجوانب الأربعة:
{إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}.
(1) قيل المراد منه الوقوع في الحصار من
الجوانب الأربعة، بأن العدو أحاط بكم من كافة الأطراف.
فقد قال الألوسي رحمه الله:
«ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية
عن الإحاطة من جميع الجوانب كأنه قيل: إذ جاؤوكم محيطين بكم كقوله تعالى: يغشاهم
العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم». (روح المعاني)
(2) والأشهر من الأقوال أن المراد من
«فوقكم» : شرق المدينة، والمراد من «أسفل منكم» الجانب الغربي من المدينة. قال ابن
كثير رحمه الله: كانت قريظة بالجانب الغربي من المدينة، ومن الجانب الشرقي جنود
قريش وغطفان وغيرها من القبائل.
«{إذ جاءوكم من فوقكم} أي الأحزاب {ومن
أسفل منكم} تقدم عن حذيفة رضي الله عنه أنهم بنو قريظة». (ابن كثير)
وعند غير المذكورين من المفسرين.. الذين
جاءوا من فوق المدينة هم: قبائل غطفان وأهل نجد وبنو النضير. والذين جاءوا من أسفل
منهم هم : قريش والأحابيش وبنو كنانة وأهالي تهامة وغيرهم. وقيل: الذين جاءوا من
فوقهم هم بنو قريظة، والذين جاءوا من أسفل منهم هو قريش وأسد وغطفان وسليم وغيرها.
(روح المعاني)
{من فوقكم} أي من أعلى الوادي من قبل
المشرق بنو غطفان.
{ومن أسفل منكم} من أسفل الوادي من قبل
المغرب قريش. (المدارك)
زاغت
الأبصار:
قال الله تعالى: {وإذ زاغت الأبصار}.
وللمفسرين فيها تفسيران:
(1) مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو
عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع. (المدارك)
(2) قال الشاه عبد العزيز رحمه الله
تعالى:
وصارت العيون تتخشع، أي تعبس الوجوه
وتقمش، والمصرّون على الصداقات صاروا يتغيبون عنهم.
وهذه من حالات الإنسان التي تبدو عليه
إذا تعرض لخوف شديد، كما أن العيون تشخص فلا تتحرك، وكثيرون يتغيرون في مثل هذه
الأوقات الحرجة.
خوف
القلوب والدعاء:
اشتكوا إلى النبي · أن القلوب بلغت إلى
الحناجر من شدة الخوف، فعلّمنا دعاء ندعو الله به. فقال: قولوا:
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.
فأرسل الله عاصفة أجبرتهم على الهزيمة
والتراجع.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قلنا يوم
الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقول، فقد بلغت القلوب الحناجر، قال ·: نعم قولوا:
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. قال: فضرب وجوه أعدائه بالريح فهزمهم بالريح،
وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي عامر العقدي. (تفسير ابن كثير)
شجون
وظنون:
قال الله تعالى: {وتظنون بالله الظنونا}
(1) كان المسلمون يظنون أن وعد الله
ورسوله حق، وأنهم ينتصرون على أعدائهم، لكن المنافقين كانوا يظنون أن المشركين يقضون
على المسلمين ورسول الله ·، ويستأصلونهم.
قال ابن كثير: «ظن المنافقون أن محمدا ·
وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق، وأنه سيظهره على
الدين كله، ولو كره المشركون». (ابن كثير)
(2) أي اختلف الناس في الاستنتاج
والتخمين، ظنّ المسلمون أن البلية الواقعة في هذه المرة عظيمة، وترقبوا الأوضاع عن
كثب. والضعفاء منهم ظنّوا أنه لا مفر من الهلاك هذه المرة، أما المنافقون فلا
تسألوا عن أحوالهم، فسوف يأتي بيان مقولتهم. (العثماني)
حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن
عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى
الغائط. (ابن كثير)
(3) ظن المؤمنون أن البلية شديدة هذه
المرة، وكان يتخوّفون من عدم الثبات لمواجهتها، أما المنافقون ومواقفهم فسوف يأتي
بيانها.
خطاب للذين آمنوا ومنهم الثبت القلوب،
والإقدام والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون، فظن الأول بالله أنه
يبتليهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال، وأما الآخرون فظنوا بالله ما حكي عنهم.
(المدارك)