{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ
هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ
النَّصِيرُ (78) }.
ملخص
معاني الآية:
(1) جاهدوا في سبيل الله حق جهاده.
(2) اجتبى الله تعالى هذه الأمة لحمل
رسالة الإسلام إلى الآفاق، للبشرية كافة، إلى يوم القيامة.
(3) ما جعل الله عليكم حرجا فيما يتعلق
بالعمل بالدين، فهو للجميع، يهدي إلى الفلاح والسعادة والنجاة.
(4) الاسم الثاني للإسلام هو الملة
الإبراهيمية، فالواجب عليكم اتباع ملته الحنيفية السمحاء.
(5) سمّاكم الله بالمسلمين، فادخلوا في
السلم كافة.
(6) وكان تشريفكم بما سبق ليكون الرسول
عليكم شهيدا، حيث يصدّقكم، وتكونوا شهداء على الناس، فتصدّقون أنبياءهم.
(7) فهذه كلها نِعم الله عليكم وكرمه
وفضله، فقوموا بما أمركم به من أحكام، ومن أهمها الصلاة والزكاة، واعتصموا بدين
الله تعالى، واستنصروه، وتوكلوا عليه، وتقوّوا به.
(8) فالله مولاكم، أي يحفظكم ويساعدكم
ويغلبكم على أعداءكم.
(9) فنعم المولى.
(10) ونعم النصير، فإن عاداكم أحد على
تمسككم بهذا الدين، فلا تقلقوا فإن الله مولاكم.
أراد
بالجهاد .. قتال المشركين:
قال الله تعالى: {وجاهدوا في الله حق
جهاده} قال بعض المفسرين: أراد بالجهاد : قتال الكفار.
«والمراد عند الضحاك جهاد الكفار حتى
يدخلوا في الإسلام ويقتضي ذلك أن تكون الآية مدنية، لأن الجهاد إنما أمر به بعد
الهجرة». (روح المعاني)
وهذا الذي اختاره ابن كثير في تفسيره،
حيث قال: {وجاهدوا في الله حق جهاده} أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم. (التفسير لابن
كثير)
فيه إشارة إلى قول النبي ·:
«جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم
وألسنتكم» (رواه أبو داود)
وقال القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده}
قيل: عنى به جهاد الكفار. (القرطبي)
وفي التفسير الحقاني:
«ثم أمر بلفظ {وجاهدوا في الله حق
جهاده} وأراد به قتال أعداء الدين عند أكثر المفسرين، وأراد بلفظ {حق جهاده} جهادا
كاملا باستخدام كافة القُوَى البدنية والمادية. فسّره البعض بأن يكون خالصا لله
تعالى. وقيل: جهادا يخلو عن معصية الله ومعصية الأمير. وقيل: بحيث لا يخاف لومة
لائم. ثم هو عام يشمل الجهاد باللسان والسيف. والحكمة في بيان حُكم الجهاد في
الأخير الإشارة إلى أهمية الجهاد على الصلاة وفعل الخيرات، وذلك لأن إقامة الصلاة
وفعل الخيرات لا يمكن القيام بها على الوجه المطلوب في ظروف غير مستقرة يُهَيْمِنُ
عليها الأعداء». (التفسير الحقاني)
قال الإمام الرازي:
أحدها أن المراد قتال الكفار خاصة.
فالمعنى أن يكون قتال الكفار خالصا لله
وليس لغرض من أغراض الدنيا والغنيمة.
«ومعنى {حق جهاده} أن لا يفعل إلا عبادة
لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم أو الغنيمة. (التفسير الكبير)
وهناك العديد من القرائن ما تؤكّد على
أن المراد من الجهاد في الآية «قتال الكفار» ومنها:
(1) {هو اجتباكم} أي فضّلكم وشرّفكم على
غيركم من الأمم، حيث قرّر بقاء دعوتكم إلى يوم القيامة، وقد يستجلب ذلك عداء الأمم
الأخرى، فيتصدون للقضاء عليكم، ويعيقون طريق دعوتكم الأممية، فتضطرون إلى الجهاد
للدفاع عن أنفسكم ولإبلاغ الرسالة إلى العالم.
(2) {وما جعل عليكم في الدين من حرج}
فسّره بعض أهل العلم بأن هذا الدين لا يختص بجماعة دون جماعة، أو بعشيرة دون
عشيرة، أو بعرق دون عرق، أو بسُلالة دون سُلالة، بل هو عام للعالم كله، ومن هنا
وجب إزالة كافة العراقيل التي تُعيق طريق تقدّمه وانتشاره.
(3) {ملة أبيكم إبراهيم} إشارة إلى ما قَدَّم
إبراهيم عليه السلام من تضحيات وفداء لأجل الدين.
(4) {هو مولاكم فنعم المولى ونعم
النصير} فسّرها ابن كثير بلفظ: {هو مولاكم} أي حافظكم وناصركم ومظفركم على
الأعداء. {فنعم المولى ونعم النصير} يعني نعم المولى ونعم الناصر من الأعداء. (ابن
كثير)
القول
الثاني في تفسير الآية:
لقد تعددت أقوال أهل العلم في شرح لفظ
«الجهاد» في الآية، وثاني أشهر هذه الأقوال: أن الجهاد هنا بمعنى السعي وبذل ما في
الوُسع، ومن ضمنه الجهاد في سبيل الله، وإخلاص النية لله، وكل عمل و جُهد بُذل في
خدمة الدين. حيث قال الشاه عبد العزيز رحمه الله: {وجاهدوا في الله حق جهاده} أي
اجتهدوا لله حسب مقتضاه. (موضح القرآن)
وهناك العديد من القرائن التي تؤيّد هذا
القول الأخير.
قال الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي رحمه
الله تعالى: أراد بالجهاد في الآية الكريمة قتال الكفار عند أكثر المفسرين، وعليه
فإننا نودّ أن نختم هذا المبحث على نص ما ذكره الإمامان الجليلان السيوطي والمحلي
رحمهما في تفسيريهما «الجلالين» الذي يوافق وُجهة نظر معظم أهل العلم:
{وجاهدوا في الله} لإقامة دينه {حق
جهاده} باستفراغ الطاقة فيه. (الجلالين)
الحمد لله تمت سورة الحج بفضل الله
تعالى ورحمته ومنّه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. اللهم لا
أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وصل اللهم وبارك على حبيبك سيدنا محمد
وآله وصحبه بعدد خلقك ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت
التواب الرحيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب
العالمين.
11 جمادى الأولى 1429هـ