{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا
عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ
غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ
فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ (62)}.
ملخص
معاني معاني الآيات:
(1) لقد قرّر الله تعالى أن ما من مظلوم
انتقم من الظالم مقدار ظلمه، ثم اعتدى عليه الظالم إلا نصره الله تعالى على الظالم.
(معنى ما كتبه اللاهوري) إن الله لعفو غفور. أي لا يعذّب الله من انتقم من الظالم
بقدر مظلمته، وإن كان عدم الانتقام أولى. ففي بدر انتقم المسلمون من المشركين على
ما آذوهم، ثم جاء المشركون يوم اُحد والأحزاب للاعتداء على المسلمين، فنصر الله
المسلمين عليهم. (هذا معنى ما جاء في موضح القرآن)
(2) لا يصعب على الله نصر المظلوم على
الظالم، لأنه يُدخل الليل في النهار، ويُدخل النهار في الليل، يُدخل الظلام في
النور، ويُدخل النور في الظلام، فهو قادر على تقوية الضعيف وإضعاف القوي. يسمع
مظلمة المظلوم ويرى ما فعله الظالم. (معنى ما ذكره اللاهوري)
(3) إن الله حق، لا ينصر إلا الحق، هذا
ما قرره وفق مقتضيات علوه وكبره، إذ هو العلي الكبير، فما من كِفّة انحاز إليها
الرب إلا وترجحت على غيرها. (اللاهوري)
سبب
نزول الآية:
قال مقاتل: نزلت في قوم من مشركي مكة
لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون
القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر
الحرام، فأبى المشركون إلا القتال فحملوا عليهم، فثبت المسلمون، ونصرهم الله على
المشركين، وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء، فنزلت هذه الآية.
(القرطبي وابن كثير والبحر المحيط)
(2) وقيل: نزلت في قوم من المشركين
مثّلوا بقوم من المسلمين، قتلوهم يوم احد، فعاقبهم رسول الله · بمثله. (القرطبي)
(3) وقال ابن جريج: الآية في المشركين
بغوا على رسول الله · وأخرجوه. (البحر المحيط) يبدو من صنيع الشاه عبد العزيز رحمه
الله أنه يميل إلى هذا الأخير، كما سبق نص تقريره ضمن الملخص.
ارتباطها
بما سبقت:
ومناسبتها لما قبلها واضحة، وهو أنه
تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في
الدنيا على من بغى عليهم. (التفسير الكبير، البحر المحيط)
{ذلك
ومن عاقب}:
فسّر صاحب التفسير الكبير كلمة «ذلك» في
الآية بما يأتي:
«وقال الزجاج أي الأمر ما قصصنا عليك من
إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا».
تفسير
يسير:
إن أخَذَ المظلومُ ثأره من الظالم، ثم
عاد عليه الظالم ليعتدّي، تقررت مظلوميته ثانية، وبالتالي ينصره الله، إذ هو ينصر
المظلومين. {إن الله لعفو غفور} فالواجب على العباد أن يتعلموا منه العفو والعفاف
والسماح فيما يخص حياتهم الجماعية والشخصية، ولا يتصدّى للانتقام. قال الشاه عبد
العزيز رحمه الله: «أي لا يعذّب الله من انتقم قدر مظلمته، وإن كان الأفضل عدم أخذ
الثأر». لقد أخذ المسلمون الثأر من المشركين يوم بدر على ما آذوهم في مكة، ثم عاد
المشركون ليعتدوا عليهم يوم اُحد والأحزاب، فنصر الله المؤمنين نصرا مؤزّراً». {ذلك
بأن الله يولج الليل} أي هو قادر على قلب الليل والنهار، والزيادة والنقصان فيهما،
فقد يكبر النهار على الليل، وقد يكبر الليل على النهار، أفليس هو قادر على نصر
المظلوم المضطهد على الظالم ليتحرر من قيود الظالم، ويغلبه عليه. في الآيات
السابقة ذكر المسلمين المهاجرين، وفي هذه الآية أشار إلى أن الأمور أوشكت على
التقلّب مثل الليل والنهار، فكما أنه سبحانه وتعالى يُدخل الليل في النهار، كذلك
يضم دار الكفر إلى أحضان الإسلام. {وأن الله سميع بصير} أي يسمع مظلمة المظلوم
ويرى ما يقترفه الظالم. (التفسير العثماني)
أشار الإمام النسفي إلى النكتة الرائعة
التالية:
«وإنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن
سمع، وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات، بصير بما يفعلون ولا يستر عنه
شيء بشيء في الليالي وإن توالت الظلمات». (المدارك)
وفي التفسير الماجدي:
إن معتقد السمع والبصر بأن الله سميع
بصير يحتوي على كثير من عناصر تطمين وتسلية المظلوم. (الماجدي)
تفسير
آخر للآية الكريمة:
قال البغوي: قال الحسن البصري في تفسير
هذه الآية: {من عاقب} أي قاتل المشركين {بمثل ما عُوقب به} مثل ما قاتله المشرك.
{ثم بُغي عليه} أي اعتدوا عليه بأن أخرجوه من وطنه، فإن الله سينصره. (التفسير
المظهري)
وبمقتضى التفسير المذكور تحتوي الآية
الكريمة على بشارة عظيمة للمسلمين المستضعفين في ديار الكفر.
{ذلك بأن الله هو الحق} ومعنى «ذلك» :
إن نصر الله المؤمنين وتمكينهم ليس إلا لأن الله حق.
{ذلك} النصر أيضاً (الجلالين)
لاحظوا العبارة التالية في تفسير الآية
الكريمة:
كل ما ذكرناه لم يكن إلا لأن الله حق،
فلا أحد يقدر على منع إرادته وقدرته، وأن هؤلاء الأغبياء لا يدعون إلا الباطل، أي
من الأصنام وغيرها، فإنها لا تضر أحداً ولا تنفعه، أما الله فهو العلي الكبير، وكل
شيء دونه تافه مهين، رفع قوما ووضع آخرين، أما الأصنام فلا تقدر على شيء منه، كما
أنه قادر على إعلاء الحق وإخضاع الباطل. (معارف القرآن للكاندهلوي)
نكتة
مهمة:
الآية 60 تشير إلى أن الانتقام يجب أن
يكون في حدود التعدّي ولا يتجاوزها، لا ينتقم إلا بمثل ما اعتدى عليه. هنا أمران:
الأول: من يُقرّر كم يكون الانتقام السوي. والثاني: لا يمكن الانتقام المعادل في
الجهاد، إذ لا يمكن تحديد ما سيقع أثناء حمي وطيس الحرب، وقد أجاب التهانوي رحمه
الله عن الأمرين في «بيان القرآن» فقال:
(1) تخمين التعادل راجع إلى اجتهاد
المظلوم.
(2) لا يجب التعادل في الانتقام في
الجهاد. وأضاف قائلا: إن قيد {بمثل ما عوقب} عائد إلى اجتهاد المظلوم فيما يتعلق
بالتعادل يبذل فيه أقصى قواه للتوصل إلى مكافاته بالمثل، حتى إن زاد على التعادل
لأسباب ترجع إلى الغموض الذي يحيط بالموقع، لا يؤاخذ عليه، ولا يضر بوعد النصر.
فإن الأمر برعاية التماثل في التعاشر دون الجهاد، كما هو ظاهر ومشهور بالأدلة
الشرعية. (الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله)