{سورة التوبة مدنية، الآيات 124، 125، 126، 127}


{بسم الله الرحمن الرحيم}
{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) }.
ملخص معاني الآية:
(1) بما أن المنافقين غير مستعدين للقيام بأي حكم من أحكام الله، لذلك لا يشعرون بالقوة والاندفاع عند نزول الأحكام الإلهية، أما بالنسبة للمؤمن فإنها تنفخ فيه حياة جديدة، ويزداد إيمانهم قوة.
(2) ينقلب المنافقون مفعمين بغيظ وغضب إذا وجدوا المؤمنين قد ازدادوا حياة وإيمانا، وانسدت أبواب مكائدهم ومؤامراتهم، وباءت جميع محاولاتهم للإضرار بالإسلام ومحو المسلمين بالفشل. (اللاهوري)
(3) يزداد المنافقين كفرا كلما نزلت آيات الجهاد في القرآن الكريم. (الإمام الرازي)
(3) ألا يرى هؤلاء المنافقين أنهم يٌفتنون كل عام مرة أو مرتين، يُبتلون بأمراض، يتخلفون عن الجهاد، فينكشف نفاقهم، فيواجهون الخزي والعار، ولا يتوبون ولا يتناصحون. (أنوار البيان)
(4) كلما نزلت سورة تكشف عيوب المنافقين ونقائصهم، نظر بعضهم إلى بعض نظرة النادم، ثم يتسللون لواذا كأن أحدا لم يشهدهم. (حاشية اللاهوري)
وجه ارتباط الآيات:
لقد أشار المفسرون إلى وجوه الارتباط بين الآيات، نذكر هنا واحدا منها:
والربط كما قال صاحب التفسير الحقاني: في الآية السابقة أمر بالجهاد، وفي آخرها قال: إن الله مع المتقين، أي ينصر المؤمنين، فليجاهد المؤمنون بمعية الله واثقين بنصره مع الشجاعة المتفانية. إن نصر الله مع المتقين، والمتقي من يبتعد عن المعاصي. فأشارت هذه الآيات إلى أن من أهم السيئات التي يجب الابتعاد عنها هي النفاق، خاصة أثناء الجهاد، لأنه يضر في الجهاد أكثر من غيره، لذلك أشار إلى بعض أحوال المنافقين.
فقال:
«إن كلمة التقوى تدل على معاني كثيرة وواسعة، تشير إلى وجوب الابتعاد عن كافة المنهيات، لكن أهمها النفاق، خصوصا إذا كان مع الجماعة، وقد تم تسجيل اسمه في جماعة المجاهدين. لذلك أراد بلفظ {وإذا ما أنزلت سورة} إلى {بأنهم قوم لا يفقهون} التحذير من النفاق والمنافقين وذمهم وتقبيح أعمالهم وأفعالهم. (التفسير الحقاني)
نزول آيات الجهاد تزيد في كفر المنافقين:
في الآيتين السابقتين وهما آية 124 و125 أشار إلى أن ما من آية من القرآن الكريم تنزل إلا وتزيد في إيمان المؤمنين، فيشعرون بالسعادة، أما الذين في قلوبهم مرض، فتزيدهم رجسا إلى رجس. كما قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى:
إذا سمعت هذه السورة المشتملة على الجهاد وتعريض النفس للقتل والمال للنهب ازداد كفرا على كفره. (التفسير الكبير)
أما المؤمن فيشعر بالسعادة، لأنه إن قُتل قُتل شهيدا، فنعيم الجنة في انتظاره، وإن انتصر، شعر بسعادة الفتح والانتصار والغلبة.
والثاني ما يحصل لهم منا الاستبشار فمنهم من حمله على ثواب الآخرة، ومنهم من حمله على ما يحصل في الدنيا من النصر والظفر. (التفسير الكبير)
وفي تفسير القرآن:
«إن كانت سورة في القرآن تدعو المؤمنين إلى القتال في سبيل الله، فإن أهل الإيمان يُظهرون سعادتهم وفرحهم، يعلمون أن بقاء الإيمان مهم، ولا بقاء له مادام يتعرض مركزه للحملات الخارجية، ولا سبيل إلى المحافظة عليه إلا بالجهاد، لكنه بمثابة الموت للمنافقين، يزدادون خبثا إلى خبث، لأنهم يجهلون مصالح الجهاد». (تفسير الفرقان)
المراد من فتنة المنافقين السنوية.. الجهاد:
قال الله تعالى: {أوَ لا يرون أنهم يُفتنون في كل عام مرة أو مرتين} ما المراد من الفتنة هنا؟ فيها أقوال. فقال الحسن وقتادة: هي الجهاد. قال الإمام الرازي:
قال قتادة: يفتنون بالغزو والجهاد، فإنه تعالى تعالى أمر بالغزو والجهاد، فهم إن تخلفوا وقعوا في السنة الناس باللعن والخزي والذكر القبيح، وإن ذهبوا إلى الغزو مع كونهم كافرين كانوا قد عرضوا أنفسهم للقتل وأموالهم للنهب من غير فائدة. (التفسير الكبير)
وقال القرطبي:
وقال قتادة والحسن ومجاهد: بالغزو والجهاد مع النبي · ويرون ما وعد الله من النصر {ثم لا يتوبون} لذلك {ولا هم يذّكرون} (القرطبي)
وقال الشاه عبد العزيز رحمه الله في تفسير الآية:
يبدو نفاق المنافقين عادة أثناء الجهاد. (موضح القرآن) أي لما يمتحنهم الله بالأمر بالجهاد، ظهر نفاقهم.
صرف الله قلوبهم:
في الآية 127 بيّن حرمان المنافقين، لاحظوا العبارة التالية:
«إن كان الوحي ينزل والمنافقون في المجلس، شق عليهم الاستماع إلي كلام الله، خاصة تلك الآيات التي تكشف عيوبهم، (كالتخلف عن الجهاد وغيره) فكان بعضهم يشير إلى بعض بطرف العين، ثم ينظرون ما حولهم ليتأكّدوا أن أحدا من المسلمين لم يتنبه لهم، ثم يتسللون من المجلس. {صرف الله قلوبهم} أي هم لم ينصرفوا عن مجلس رسول الله ·، بل صرف الله قلوبهم، فهم لا يُقبلون على الإيمان والعرفان بسبب جهلهم وحمقهم. (التفسير الحقاني)
فائدة:
لقد ذكر كثير من المفسرين تفسيرا عاما لهذه الآيات، ونحن لم نذكر هنا إلا المعارف الجهادية وما يتعلق بها من أقوال. والله الموفق للصواب