{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ
فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ
(20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا
مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
(23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ
(24) }.
ملخص
معاني الآيات:
فيها فريقان، فريق مؤمن وفريق كافر.
الفريقان اختصموا في ربهم، والذي جرّهما
إلى القتال والنضال.. فمصير المقاتلين لأجل الدين في الدنيا : أن الكافرين منهم
يُلقون في نار جهنم، فيحترقون بها، ولهم عذاب أليم من أصناف متنوعة، أما المؤمنون
فلهم الجنة ونعيمها.
سبب
نزول الآيات:
أخرج مسلم في صحيحه عن قيس بن عباد أنه
قال:
«سمعت أبا ذر يقسم قسمان إن {هذان خصمان
اختصموا في ربهم} إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث
رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.
وقال القرطبي: وختم به مسلم كتابه.
(القرطبي)
وفي تفسير ابن كثير:
«سمعت أبا ذر يقسم قسمان إن {هذان خصمان
اختصموا في ربهم} إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث
رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة». (أخرجه البخاري ومسلم)
وأخرج البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب
أنه قال: أنا أول من يَجثُو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. قال قيس: وفيهم نزلت:
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } ، قال: هم الذين بارزوا يوم بدر:
عليّ وحمزة وعبيدة، وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. (انفرد به البخاري).
(تفسير ابن كثير)
فائدة:
ذكر القرطبي والمظهري سبب نزول هذه
الآيات بأسانيد مختلفة، وقد رجّح القرطبي السبب المذكور هنا. وقال: والقول الأول
أصح.
وهو أن الآية نزلت في الذين برزوا يوم
بدر. (القرطبي)
نكتة:
الآية 17 من سورة الحج ذكرت ستة من
الخصوم: وهم (1) المؤمنون (2) اليهود (3) النصارى (4) المجوس (5) المشركون (6)
الصابئون.
وفي هذه الآية 19 وزّع الجماعات الست
على فريقين: (1) فريق مؤمن (2) فريق كافر، أو جميع طوائف الكفار. ثم أشار إلى أن
الفريقين يتخاصمون ويتقاتلون.. المؤمنون يقاتلون لله، والكفار يقاتلون للباطل. وماذا
للفريقين عند نهاية القتال؟ فأشار إلى مصير الكافرين بأنهم (1) يُلبسون ثيابا من
نار (2) يُصب من فوق رءوسهم الحميم فيُصهر به ما في بطونهم والجلودُ (3) ولهم
مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم اُعيدوا فيها (4) يذوقون عذاب
الحريق ويخلدون فيه.
وأما مصير المؤمنين فهم:
(1) في جنات تجري من تحتها الأنهار.
(2) يُحلّون فيها من أساور من ذهب
ولؤلؤاً.
(3) ولباسهم فيها حرير.
(4) هداهم الله في الدنيا إلى كلمة
الشهادة، والقرآن والإسلام، وفي الآخرة يوفقهم الله تعالى للشكر على نِعَمه
والدخول في الجنة، يسلم عليهم الملائكة. (والله أعلم بالصواب)
الافتتاحية
كانت بمعركة بدر:
لاحظوا العبارة التالية:
«هذان فريقان، اختصموا في ربهم، المسلمون
أذعنوا لدين الله، والبقية رفضوا، وهم اليهود والنصارى والمجوس والصابئون
والمشركون. وقاتل الفريقان وكانت معركة بدر بدايته، فقدر برز حمزة وعلي وعبيدة بن
الحارث يوم بدر لمواجهة عتبة وشيبة والوليد، فأعز الله المؤمنين، وأذل الكافرين».
(معارف القرآن للكاندهلوي)
التفسير
العام للآية الكريمة:
وهناك أقوال أخرى في سبب نزول هذه
الآيات، راجعوا القرطبي والتفسير الكبر وروح المعاني وغيرها. وما قاله مجاهد يشتمل
على العموم، لاحظوا فيما يلي نصين متطابقين له:
(1) الفِرق التي ذكرها الله تعالى في
قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين} إلى آخره.. يمكن تقسيمها على قسمين
بناء على كونها على الحق والباطل، أحدهما فريق المؤمنين الذين يُذعنون لكل ما
يأمرهم به ربهم، والثاني فريق الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين
والصابئين وغيرهم الذين لا يُذعنون لأمر ربهم، ولا يخضعون لأوامره، فالفريقان
يتقابلان ويتقاتلان لأجل المباحثة والمناظرة، فقد برز حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث
يوم بدر أمام عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، ثم أشار إلى مصير الفريقين في الآيات
اللاحقة». (العثماني)
(2) سبب النزول وإن كان يشير إلى أن
المواجهة كانت بين فريقين، كما سبق قول علي رضي الله عنه، إلا أن عموم الآية يشير
إلى أن أهل الإيمان والكفر فريقان اختصموا لدينهما وملتهما، مثل حادثة بدر التي
نتجت على العداء الديني بينهما. (أنوار البيان).
نكتة:
البشارة المذكورة في الآية لكل مجاهد
قاتل الكفار لأجل الدين إلى يوم القيامة، يُدخلهم الله في جنات الخلد بما كانوا
يتحملون شدائد القتال، رفعوا بأيديهم السلاح الذي هو زينة المؤمن، فيُحلّون أساور
من ذهب ولؤلؤاً، وكانوا قد لطّخوا أجسادهم بالأتربة والغبار، ويوم القيامة يُلبسهم
الله لباس الحرير، سمعوا في الدنيا أذى كثيرة، فيُسمعهم الله يوم القيامة سلام
الملائكة. والله أعلم بالصواب.
فائدة:
لقد أسهب المفسرون البحث تحت هذه الآيات
حول جهنم ولباسها وحميمها ومقامعها وغيرها من صنوف عذابها، كما أوردوا روايات عن
الجنة ونعيمها وحُليها وأساورها وحريرها، كما تكلموا على أن الحرير والذهب يُحرمان
على رجال هذه الأمة. وتحدثوا حول {الطيب من القول} و {صراط الحميد} وذكروا أقوالا
عديدة، يمكن للراغبين من طلبة العلم مراجعة القرطبي وابن كثير وروح المعاني وغيرها
من أمهات التفاسير.
الطيّب
من القول:
«في الدنيا قالوا: لا إله إلا الله،
وقرءوا القرآن، وسبّحوا لله وحمدوه، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وفي الآخرة
يسلمهم الملائكة عن الجهات كلها، يتكلم أهل الجنة فيما بينهم بالقول الحسن، لا
يثرثرون ولا يلغون، يحمدون الله على ما أنعم عليهم. يقولون: {الحمد لله الذي صدقنا
وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة} (الزمر 74) وفي سورة فاطر: {يُحلّون فيها من
أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن}
(الآية 33 و34) وهما تشرحان الآية التي نبحثها. نبّه عليه في الروح. {صراط الحميد}
أي صراط الله الذي اسمه الإسلام، وهو طريق حميد، وصاحبه أيضاً حميد، أو المعنى:
إنه وجد الطريق الذي ليس لصاحبه بعد الوصول إليه إلا شكر نعمته» (العثماني).