{سورة محمد مدنية، الآية 12}

{بسم الله الرحمن الرحيم}
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}.
ملخص معاني الآية:
(1) الجنة مأوى المؤمنين، والنار مأوى الكافرين.
(2) اتخذ الكفار نعيم الدنيا ومتاعها غاية حياتهم، فقد هبطوا من منزلة الإنسانية إلى الهمجية، لا هدف لحياتهم، يتمتعون ويأكلون كما تأكل البهيمة.
الربط بين الآيات:
الأمور التي أشرنا إليها هي من نتاج الكفر والإيمان في الدنيا، أما في الآخرة فقال:
{إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} فلا يتنبهون للخير ولا يرغبون فيه، ولا يبتعدون عن المعاصي ولا يتنفرون منها، {والنار مثوىً لهم} .
فالمسلم سعيد في الدنيا والآخرة، فلا يتولون عن الجهاد، والكفار غافلون عن الله والآخرة، لذلك أشقياء فيهما، ومن الحكمة عدم إفساح المجال أمامهم ليتقووا، ويملأوا الدنيا بالكفر والمادّية.
نظرة عابرة على دنيا اليوم..
أرسل الله تعالى الإنسان إلى الأرض للخلافة، وحمّله أمانة الدين، فالكفار منهم تغافلوا عن مسئووليتهم العظيمة هذه، وانهمكوا في ملذات الدنيا، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، يسعى أنبياء الله إلى جرّهم إلى الغاية التي لأجلها خُلقوا، فأنكرهم الطغاة من الكفار لهثاً وراء الدنيا، ويعادونهم، فإذا تجاوز كفر الكفار وغرورهم الحدود، نزل عليهم - أضل من الأنعام - العذاب السماوي فيُهلكون. ومن أحد أهم مقاصد الجهاد منع الكفار المادّيّين من امتلاك القوة والشوكة، وإلا فقد ملئوا الدنيا بالفساد، وحوّلوا البشرية إلى الهمج الرعاع الذين لا يهمهم إلا بطونهم وفروجهم. إن ألقينا اليوم نظرة على الدنيا، عرفنا أنها غارقة في المادية البغيضة، انسلوا عن كرامتهم الإنسانية وشرفها ليتخذوا الدنيا وملذاتها غاية حياتهم، لا يهدفون من وراء كافة الاختراعات والابتكارات والجهود المبذولة في سبيلها إلا التوصل إلى الترف والملذات والراحات، وجمع المال. فالغفلة عن الآخرة جريمة تجر الإنسان إلى الجرائم كلها، وتدفعه إلى ارتكاب المظالم، فإن لم يستعد المسلمون اليوم للجهاد، ولم يقوموا بدعوة الإسلام، فلا أحد يقدر على منع أجيال المسلمين القادمة من المادية المرعبة التي تنتهى على الكفر والنار. (والعياذ بالله)
أحوال واقعية:
قال صاحب أنوار البيان:
«بيّنت الآية الكريمة جائزة المؤمنين، ووتيرة حياة الكافرين، وما أعدّ الله لهم من العذاب في الآخرة.
فقال تعالى: {إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} فالكفار لا يعرفون من الدنيا إلا هذه، فلا يقصّرون في حشد أموالها ومتاعها والتمتع بمنافعها وملذاتها والاهتمام بمكاسبها ومناصبها، لأنهم لا يهم إلا الدنيا، فلا يعيق طريق كسبهم الحياء والندم والإنسانية والأخلاق والمروءة، فكما البهائم تأكل وتشرب كما تشاء وحيث تشاء كذلك هؤلاء، كما أنها تُشبع غرائزها الجنسية أمام مرأى ومسمع الدنيا كذلك هؤلاء، (ثم تناول واقع الغرب والكفار اليوم من الناحية الجنسية وانحلالهم وإباحيتهم) ثم قال: كما أن الكفار يلهثون وراء الغرائز الجنسية، كذلك ساروا على نهج البهائم في إشباع جوعهم وبطونهم، لا يهمهم الحلال والحرام، أكلوا ما وجدوا وحيث وجدوا، وتحولت الخنازير والخمور إلى وجباتهم اليومية، فقد أشار القرآن إلى نهج حياتهم المذكور بلفظ: {يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} ثم قال: {والنار مثوى لهم}». (أنوار البيان)
إعجاز قرآني مدهش:
يُثنِي المسلمون المادّيون اليوم على الكفار خيرا لمّا يلاحظون ما هم عليه من رغد العيش ورفاهية الحياة وأساليب أكلهم وشربهم وحرياتهم وديموقراطياتهم، ويلومون المسلمين، ويبذلون جهودا غير مُوفَّقة لتغيير أحكام الإسلام، وقد أشار القرآن إلى تقدمهم هذا، وقال: {النار مثوى لهم} اقرءوا ألفاظ الآية المباركة بتمعنّ، فإن الله قال بعدما ذكر تمتعهم بنعيم الدنيا وأكلهم وشربهم وحرياتهم وديموقراطياتهم بأن النار مثوى لهم. فهل بعد ملاحظة هذه الآية ووعي مقاصدها وغاياتها يتأثّر أحد من المسلمين بمظاهر رفاهية المشركين وراحتهم وتمتعهم؟ إن أكبر ما يُنتقد به المجاهدون اليوم أنهم يعيقون طريق تقدّم المسلمين. فهذه الآية الكريمة تناولت ردا كافيا وشافيا عليه. (والله أعلم بالصواب)
لا يتبختر الكفار اليوم برفاهيتهم:
«فالذين كفروا يتمتعون بنعيم الدنيا، يغفلون عن الآخرة، ويأكلون كما تأكل الأنعام، إذ هي لا تتفكر في أن الله لماذا يُطعمهم ويسقيهم؟ وما الذي يجب علينا تجاهه؟ فالنار مثوى لهم. ولا يتبختر أعداء الرسول · بالتمتع الذي أشار إليه القرآن، ولا تحزن على غفلتهم التي أدّت إلى العناد، ونتجت على إخراجك من مكة». (بيان القرآن)