{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}.
ملخص معاني الآية:
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا الكفار..
لأن الله تعالى يغضب عليهم، وكيف يتودد
المؤمنون الصادقون قوما يغضب الله عليهم.
هؤلاء الكفار يئسوا من الآخرة، كما يئس
الكفار الذين ماتوا وشاهدوا عذاب الآخرة من كل خير، أو أن الكفار يئسوا ممن
اُقبروا من موتاهم أن يُبعثوا.
مبحث عجيب:
نهى في أول هذه السورة عن موالاة
الكفار، والآن في آخرها يعود إلى المضمون نفسه مع تأكيد عجيب.
لا تتولّوا الكفار، لأن الله يغضب
عليهم، وكافة تحركاتهم لا تتعدى قبورهم، لأنهم بعد وفاتهم ودفنهم في قبورهم
يستقبلون صنوف العذاب.
ما أعجب التأكيد وما أوقعه.. فلفظ ..
«غضب الله» .. لفظ تقشعر منه الجلود وتتروّع به النفوس، حتى يجد المؤمن نفسه مضطرة
إلى تأمل أمرين:
(1) إن كنتُ صادقا في إيماني فلن أتودد
إلى أولئك الذين غضب الله عليهم، ولعنهم.
(2) أبتعد عن مجالسة المغضوبين خشية أن
يغضب الله عليّ كما غضب عليهم.
ثم أكّد على أنهم يئسوا من الآخرة، وعند
سماع هذا اللفظ يخطر ببال المؤمن أمران:
(1) إن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة،
إذ الدار الآخرة لهي الحيوان، وبما أن هؤلاء الكفار يئسوا من حياة الآخرة، فإنني
أخشى أن أتغفل عن الآخرة إن واليتُهم، فأشتغل بالدنيا، وأخسر آخرتي.
(2) أن الذي لا يؤمن باليوم الآخر،
تتميز حياته بالبهيمية والهمجية، ولا مدخل للإنسانية فيها، لأنها حياة خالية عن
خوف المُساءلة والمحاسبة، وليس بعدها إلا المصالح الآنية التي يسعى لتحقيقها،
وموالاة مثل هؤلاء يجر الذُل والعار والندم، لأنهم يخذُلونني بعدما تتحقق لهم
مكاسبهم.
وفي النهاية قال: {كما يئس الكفار من
أصحاب القبور} وفيه درس ونصيحة، بأن صولات الكفار وجولاتهم ومرحهم وترحهم كلها
فانية زائلة، ولا ينبغي للمسلم أن ينفعل بها، لأن الكافر بعدما يفارق حياته
الدنيوية يسقط في هاوية النار، لذلك لا يصلح للعاقل الواعي أن يمد إليه يد الولاء
والصداقة بمجرد ضجيجه وشغبه الآني، الذي لا بقاء له. (والله أعلم بالصواب)
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
«ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين
في آخر هذه السورة كما نهى عنها في أولها، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا
تتولوا قوما غضب الله عليهم} يعني اليهود والنصارى وسائر الكفار ممن غضب عليه
ولعنه واستحق من الله الطرد والإبعاد». (ابن كثير)
قال بعض المفسرين: أراد بلفظ «قوما غضب
الله عليهم» اليهود والنصارى وبعض المشركين، وقيل: أراد بعض المنافقين واليهود
والنصارى، لكن في لفظ الآية سعة تشمل جميع الكفار. وللمزيد انظر تفسير القرطبي
والبغوي والمدارك وغيرها)
موالاة اليهود لمنفعة مالية:
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
وذلك أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا
يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهوا عن ذلك.
(القرطبي)
أصحاب القبور:
قال الله تعالى: {كما يئس الكفار من
أصحاب القبور} قيل: له معنيان:
(1) قال الحسن البصري: الكفار الأحياء
قد يئسوا من الأموات.
وقال قتادة: كما يئس الكفار أن يرجع
إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا، وكذا قال الضحاك. (ابن كثير)
(2) والقول الثاني معناه: كما يئس
الكفار الذين هم في القبور من كل خير، قال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن
مسعود رضي الله عنه. (ابن كثير)
نهاية معارف سورة الممتحنة:
ولله الحمد والمنّة والصلاة والسلام على
سيدي رسول الله · وأصحابه تسليما كثيرا كثيرا.
23 ربيع الأول سنة 1430هـ يوم السبت
21 مارس 2009م