{سورة الحشر مدنية، الآية 14}


{بسم الله الرحمن الرحيم}

{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)}.

ملخص معاني الآية:

أكّد الله فيها على أن المنافقين جبناء، لا يتشجّعون لمواجهة المسلمين، لا يقاتلونهم إلا في قُرى محصنة أو من وراء جُدُر، يحاربون لا لهدف. قد يتحدون على محاربة المسلمين، لكن كل واحد منهم له غرض خاص، يسعى لتحقيقه، لذلك تجد قلوبهم شتى، يعادي بعضهم بعضا، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون.

تفسير مختصر وجامع:

«قلوبهم خائفة من المسلمين، لذلك لا يتحمسون لمواجهتهم في أجواء حرة، إنما يقاتلون في قرى محصّنة أو من وراء جُدُر. كان أحد كبارنا يقول: عجزت أوروبا عن مواجهة سيوف المسلمين، فاخترعت أسلحة نارية متنوعة (من قنابل وصواريخ وغيرها)، واخترعت أساليب قتالية متنوعة، لكنهم إذا اضطروا إلى مواجهة المسلمين في بعض المواقع يدا بيد، لاحظت الدنيا تطبيق قوله تعالى {لا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} عليهم. أما عن الوثنيين في ديار الهند فحدّث ولا حرج. إذ من أكبر إنجازاتهم البطولية إلقاء الأحجار والآجُر والحمض من أسطح المنازل. {بأسهم بينهم شديد} كما كانت الأوس والخزرج متناحرتين في الجاهلية، فكافة أشكال شجاعتهم وتهديداتهم تذهب أدراج الرياح كلما خرجوا في مواجهة المسلمين. {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} أي لا تغتروا من تآلفهم الظاهري في مواجهة المسلمين، فقلوبهم شتى، كل واحد له أطماعه وطموحاته الخاصة، المختلفة عن غيره، فكيف يتحقق التكاتف الحقيقي؟ لو كانوا عقلاء لأدركوا أن اتحادهم الظاهري لا ينفعهم مع المفارقات الكبيرة التي هم فيها. إنما الوحدة الحقيقية هي ما كان المؤمنون القانتون يتمتعون بها، اعتصموا بحبل الله جميعا، ونبذوا الانتماءات الأخرى وراء ظهورهم، فحياتهم ومماتهم ليست إلا لله. (العثماني)

من أجبن الناس:

ذكرت الآية الكريمة اليهود.
{لا يقاتلونكم} يعني اليهود. (القرطبي والبغوي)
وقيل: اليهود والمنافقون لا يقاتلون إلا من وراء جُدر.
«جميعا مجتمعين يعني اليهود والمنافقين». (المدارك)
قال البغوي:
«فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق الله». (البغوي)

أبطال الدعاية:

{بأسهم بينهم شديد} قال بعض أهل العلم في تفسير هذه القطعة من الآية: قوتهم الحربية لا تتجاوز أقاويلهم وتصريحاتهم، يقولون: إن نشب القتال فعلنا كذا وكذا، يتحدثون عن قوتهم القتالية كثيرا، فإذا بدأ القتال لم يصبروا إلا قليلاً، ثم لاذوا بالفرار، أي روّجوا شجاعتهم وقدرتهم القتالية بين الناس قبل القتال.
«وقال مجاهد : {بأسهم بينهم شديد} أي بالكلام والوعيد لنفعل كذا. وقيل: {بأسهم بينهم شديد} أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا». (القرطبي)

إعجاز القرآن الكريم:

لاحظوا اليوم وتيرة الكفار والمشركين، ثم تأملوا هذه الآية الكريمة. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
انظروا إلى هلع جنود من يتشدق بأنه أقوى قوة في العالم، واقرءوا تصريحات زعمائهم، ثم لاحظوا هذه الآية الكريمة. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
حفنة من المجاهدين الضعفاء العُزَّل يقاومون الكفار معتمدين على الله سبحانه وتعالى، جميع الكفار في العالم مذعورون منهم، يقاتلونهم من وراء الدبابات والمدرّعات والطائرات، أما المجاهدون فمنبسطون مطمئنّون رغم ما هم عليه من ضعف الإمكانيات المادية، أما الكافر فقد يعاني من الرعب الشديد، وعدم توحد الكلمة والهلع.
لاشك أن القرآن كتاب حيّ، يبيّن أحوال الأزمنة كلها، ويرشد المسلمين إلى الخير في العهود كلها.
اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة.



مجموعة طيبة مباركة

من أحاديث المصطفى   · في جهاد أهل الكتاب

لقد أمر القرآن بقتال أهل الكتاب، كما تناول جوانب عدّة من قتال أهل الكتاب في عهد الرسول ·، كما أشار النبي · إلى فضل قتالهم، وإلى أنه سوف يتوسع في الأيام القادمة، وبما أن من يتسمّى باليهود والنصارى تحالفوا اليوم ضد المسلمين، وخرجوا لقتالهم، لذلك يجب على المسلمين أن يصطفوا لقتالهم.
فيما يلي لاحظوا مجموعة طيبة مباركة من أحاديث الرسول · في قتال أهل الكتاب.

الجيش الإسلامي الذي يواجه قيصر

(1) فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله · يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر أوجبوا، قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم، قال: أنتِ فيهم. قالت ثم قال النبي ·: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت أنا فيهم يا رسول الله · قال لا. (رواه البخاري في باب ما قيل في قتال الروم، 409-410/1)
وفيه بشارة بقتال النصارى.

قتال حاسم مع اليهود

(1) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله · قال: تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول : يا عبد الله هذا اليهودي ورائي فاقتله. (رواه البخاري، باب في قتال اليهود 410/1)
(وهذا القتال يكون في آخر الزمان)

فضل الجهاد في بلاد الشام

(3) عن ابن حوالة قال قال رسول الله ·: سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجنّدة، جند بالشام وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله · إن أدركت ذلك: فقال عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبى إليها خيرته من عباده، فأما إذا أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله. (رواه أبوداود 358/1)

فضل جهاد أهل الكتاب

(4) عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة إلى النبي · يقال لها أم خلاّد، وهي متنقبة تسأل عن ابنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي ·: جئت تسألين عن ابنك وأنت متنقبة، فقالت: إن ارزأ ابني فلن ارزأ حيائي، فقال النبي ·: ابنك له أجر شهيدين، قالت: ولم ذاك يا رسول الله ·، قال: لأنه قتله أهل الكتاب. (رواه أبو داود في باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم 359/1)

إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

(5) جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله · يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما. (رواه مسلم في باب إجلاء اليهود من الحجاز 94/2)

أمنية الرسول   ·

(6) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله · قال: لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. (رواه الترمذي في باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب 322/1)

يطول قتال النصارى

(7) عن أبي محيريز قال قال رسول · فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدا والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر كلما ذهب قرن خلفه قرن مكانه هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير. (رواه ابن أبي شيبة في المصنف 256/10).

القضاء على دولة قيصر وكسرى

(8) عن أبي هريرة أن رسول الله · قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله. (السنن الكبرى للبيهقي 298/9)

آخر ما تكلم به النبي   ·

(9) عن أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله تعالى عنه قال: إن آخر كلام تكلم به رسول الله · أن قال: أخرجوا اليهود من أرض الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب. (المصنف لابن أبي شيبة 515/17)

مشهد من القتال في آخر الزمان

(10) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى تفتح مدينة هرقل قيصر، ويؤذن فيها المؤذنون ويقسم فيها المال بالأترسة، فيقبلون بأكثر أموال رأها الناس، فيأتيهم الصريخ أن الدجال قد خالفكم في أهليكم، فيلقون ما في أيديهم ويقبلون يقاتلونه. (المصنف لابن أبي شيبة 660/8)

فتوح المسلمين

(11) عن عتبة بن أبي وقاص عن النبي · قال: ستقاتلون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تقاتلون الروم فيفتحها الله، تقاتلون الدجال فيفتحها الله. (رواه ابن ماجة باب الملاحم ص 330).

نهاية الدجال

عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله · فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال.. إلى أن قال - هم (العرب) يومئذ قليل وجلّهم ببيت المقدس وأمامهم رجل صالح قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب فيفتح وراء الدجال معه سبعون ألف يهودي ذو سيف محلى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللّد الشرقي، فيقتله فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيئ مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيئ، ولا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الفرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق. (رواه ابن ماجة في باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم 297).
هذه الرواية بالسند المذكور فيها شيئ من الضعف، لكن المضمون ككل له شواهد. (والله أعلم بالصواب)





غزوة بني قينقاع

يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ


غزوة بني قينقاع

في الآية 15 من سورة الحشر ذكر الله تعالى باختصار العقوبة التي حلت ببني قينقاع أثناء الغزو، وفيما يلي لاحظوا تفاصيل القصة.

غزوة بني قينقاع


يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ

سرد القصة كما ذكرها الواقدي في «المغازي»:

غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا ، حَاصَرَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ .
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ الْحَارِتِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَادَعَتْهُ يَهُودُ كُلّهَا ، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كِتَابًا . وَأَلْحَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ قَوْمٍ بِحُلَفَائِهِمْ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانًا ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا ، فَكَانَ فِيمَا شَرَطَ أَلّا يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوّا .
فَلَمّا أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ ، بَغَتْ يَهُودُ وَقَطَعَتْ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَهْدِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ اللّهُ بِكُمْ مِثْلَ وَقْعَةِ قُرَيْشٍ . فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ لَا يَغُرّنّكَ مَنْ لَقِيت ، إنّك قَهَرْت قَوْمًا أَغْمَارًا . وَإِنّا وَاَللّهِ أَصْحَابُ الْحَرْبِ وَلَئِنْ قَاتَلْتنَا لَتَعْلَمَنّ أَنّك لَمْ تُقَاتِلْ مِثْلَنَا .
فَبَيْنَا هُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ جَاءَتْ امْرَأَةٌ نَزِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ فِي حُلِيّ لَهَا ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ مِنْ وَرَائِهَا وَلَا تَشْعُرُ فَخَلّ دِرْعَهَا إلَى ظَهْرِهَا بِشَوْكَةٍ فَلَمّا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بَدَتْ عَوْرَتُهَا فَضَحِكُوا مِنْهَا . فَقَامَ إلَيْهِ [ ص 177 ] رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ ، وَتَحَايَشُوا فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا ، وَتَحَصّنُوا فِي حِصْنِهِمْ . فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَاصَرَهُمْ فَكَانُوا أَوّلَ مَنْ سَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَجْلَى يَهُودَ قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوّلَ يَهُودَ حَارَبَتْ .
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْخَائِنِينَ فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ . قَالُوا : فَحَصَرَهُمْ فِي حِصْنِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَشَدّ الْحِصَارِ حَتّى قَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ . قَالُوا : أَفَنَنْزِلُ وَنَنْطَلِقُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا ، إلّا عَلَى حُكْمِي فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِمْ فَرُبِطُوا . قَالَ فَكَانُوا يُكَتّفُونَ كِتَافًا . قَالُوا : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى كِتَافِهِمْ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السّالِمِيّ . قَالَ فَمَرّ بِهِمْ ابْنُ أُبَيّ وَقَالَ حُلّوهُمْ فَقَالَ الْمُنْذِرُ أَتَحُلّونَ قَوْمًا رَبَطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ لَا يَحُلّهُمْ رَجُلٌ إلّا ضَرَبْت عُنُقَهُ .
فَوَثَبَ ابْنُ أُبَيّ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَنْبِ دِرْعِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَلْفِهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَضْبَانَ مُتَغَيّرَ الْوَجْهِ ، فَقَالَ وَيْلَك ، أَرْسِلْنِي فَقَالَ لَا أُرْسِلُك حَتّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيّ أَرْبَعُ مِائَةِ دَارِعٍ وَثَلَثُمِائَةِ حَاسِرٍ مَنَعُونِي يَوْمَ الْحَدَائِقِ وَيَوْمَ بُعَاثٍ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تُرِيدُ أَنْ تَحْصِدَهُمْ [ ص 178 ] فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ ؟ يَا مُحَمّدُ إنّي امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّوهُمْ لَعَنَهُمْ اللّهُ وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ
فَلَمّا تَكَلّمَ ابْنُ أُبَيّ فِيهِمْ تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْقَتْلِ وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ ; فَجَاءَ ابْنُ أُبَيّ بِحُلَفَائِهِ مَعَهُ وَقَدْ أَخَذُوا بِالْخُرُوجِ يُرِيدُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُقِرّهُمْ فِي دِيَارِهِمْ فَيَجِدُ عَلَى بَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَرَدّهُ عُوَيْمٌ وَقَالَ لَا تَدْخُلْ حَتّى يُؤْذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَك . فَدَفَعَهُ ابْنُ أُبَيّ ، فَغَلُظَ عَلَيْهِ عُوَيْمٌ حَتّى جَحَشَ وَجْهَ ابْنِ أُبَيّ الْجِدَارُ فَسَالَ الدّمُ فَتَصَايَحَ حَلْفَاؤُهُ مِنْ يَهُودَ فَقَالُوا : أَبَا الْحُبَابِ لَا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا ، لَا نَقْدِرُ أَنْ نُغَيّرَهُ .
فَجَعَلَ ابْنُ أُبَيّ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ يَقُولُ وَيْحَكُمْ قِرّوا فَجَعَلُوا يَتَصَايَحُونَ لَا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك [ فِيهَا ] هَذَا ، لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرًا وَلَقَدْ كَانُوا أَشْجَعَ يَهُودَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ أُبَيّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَصّنُوا ، وَزَعَمَ أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَخَذَلَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَزِمُوا حِصْنَهُمْ فَمَا رَمَوْا بِسَهْمٍ وَلَا قَاتَلُوا حَتّى نَزَلُوا عَلَى صُلْحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحُكْمِهِ وَأَمْوَالُهُمْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا نَزَلُوا وَفَتَحُوا حِصْنَهُمْ كَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الّذِي أَجْلَاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ .
وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سِلَاحِهِمْ ثَلَاثَ قِسِيّ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومَ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الرّوْحَاءَ ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ ; وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلَاحِهِمْ دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصّغْدِيّةُ وَأُخْرَى فِضّةُ وَثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِيّ ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ بَتّارٌ [ ص 179 ] وَسَيْفٌ آخَرُ وَثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ . قَالَ وَوَجَدُوا فِي حُصُونِهِمْ سِلَاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ وَكَانُوا صَاغَةً .
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : فَوَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً يُقَالُ لَهَا السّحْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلَا قِرَابٌ - [ يَعْنِي مَزَارِعَ ] . وَخَمّسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَقَسّمَ مَا بَقِيَ عَلَى أَصْحَابِهِ . وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مِنْ بَيْنِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - وَنَحْنُ مَوَالِيك - فَعَلْت هَذَا بِنَا ؟ قَالَ لَهُمْ عُبَادَةُ لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ .
وَكَانَ ابْنُ أُبَيّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحِلْفِ . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ : تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك ؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا ، فَقَالَ عُبَادَةُ أَبَا الْحُبَابِ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الْإِسْلَامُ الْعُهُودَ أَمَا وَاَللّهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ يَا مُحَمّدُ إنّ لَنَا دَيْنًا فِي النّاسِ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعَجّلُوا وَضَعُوا وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالْإِجْلَاءِ وَطَلَبُوا التّنَفّسَ فَقَالَ لَهُمْ وَلَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَكُمْ ثَلَاثٌ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ .
فَلَمّا مَضَتْ ثَلَاثٌ خَرَجَ فِي آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ ، وَهُوَ يَقُولُ الشّرَفَ الْأَبْعَدَ الْأَقْصَى ، فَأَقْصَى وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ ، ثُمّ [ ص 180 ] رَجَعَ وَلَحِقُوا بِأَذْرِعَاتٍ . وَقَدْ سَمِعْنَا فِي إجْلَائِهِمْ حَيْثُ نَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ .
فَحَدّثَنِي مُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ حَسَدُوا فَأَظْهَرُوا الْغِشّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْخَائِنِينَ قَالَ فَلَمّا فَرَغَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَخَافُهُمْ . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ أَمْوَالُهُمْ وَلَهُمْ الذّرّيّةُ وَالنّسَاءُ .
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ إنّي لَبِالفَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ ، إذْ لَقِيت بَنِي قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الْإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا : أَجْلَانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا . قُلْت : فَأَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : الشّامَ . قَالَ سَبْرَةُ فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِي الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا ، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِي الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلًا مِنْهُمْ وَقَوّوْهُمْ وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا ، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ . حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ بَدْرَالْقِتَالِ وَبَنِي قَيْنُقَاع َ وَغَزْوَةَ السّوِيقِ .