{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)}.
ملخص معاني الآيات:
أي حال يهود بني النضير لا يختلف عن حال
من سبقهم من يهود بني قينقاع، عوقبوا في الدنيا جرّاء جرائمهم، وسوف يعاقبون في
الآخرة. أما المنافقون فمثّلوا دور الشيطان فيها، والشيطان يغوي الأشقياء من
البشر، ثم يقودهم إلى الكفر والدمار، ثم يتخلف عنهم، سوف يُلقَى الجميع - الغاوون
ومن أغواهم - في نار جهنم يوم القيامة، وذلك جزاء الظالمين.
بنو قينقاع أو مشركوا مكة:
هذه الآية نزلت في يهود بني قينقاع عند
ابن عباس وغيره من المفسرين، الذين ذاقوا وبال أمرهم، وهذا أقوى الأقوال عند ابن
كثير. (القرطبي والبحر المحيط وابن كثير)
وقيل : نزلت في مشركي مكة، الذين ذاقوا
وبال أمرهم يوم بدر. (البغوي والمدارك)
(1) وفي التفسير العثماني:
أي يهود بني قينقاع ذاقوا وبال أمرهم في
القريب العاجل، نقضوا العهد، فأجلاهم المسلمون بعد قتال طفيف، وقبلهم أهل مكة
ذاقوا وبال أمرهم يوم بدر، ومثلهم بنو النضير نالوا عقوبتهم بأيدي المسلمين، ولهم
عذاب أليم في الآخرة. (العثماني)
لا فرق بين الشيطان والمنافقين:
قال النسفي رحمه الله:
أي مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على
القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى
الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة. وقيل: المراد استغواءه قريشا يوم بدر.
(المدارك)
وقال اللاهوري:
مثل المنافقين كمثل الشيطان، يُضل
الناس، ثم يتولى منهم فراراً، فقد تعهدوا بني النضير بالنصر، ثم تولوا منهم يوم
الزحف. (حاشية اللاهوري)
نعوذ بالله من الكفر:
لقد سرد أهل العلم جانبا من القصص
والحكايات المُرعبة المدهشة تحت هذه الآية الكريمة، كيف استطاع الشيطان أن يُغوي
الزهاد والعبّاد، أخرجهم من الإيمان ثم أدخلهم في الكفر، ثم ماتوا عليه.
وللتفصيل ارجع إلى البغوي والقرطبي وابن
كثير والمظهري.
نعوذ بكلمات التامات من غضبه وعقابه وشر
عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.
كلام بركة:
فيما يلي لاحظوا نص تقرير التفسير العثماني
الذي يحتوي على ما كتبه الشاه عبد العزيز رحمه الله:
«أي في البداية يُغوي الشيطان الإنسان ويحمله
على الكفر وارتكاب المعاصي، فلما أطاعه قال أتبرأ منك ومن عملك، إني أخاف الله رب
العالمين، ولا يقول ذلك إلا من باب الرياء والكيد، فصار وقود نار جهنم، وصيّر آخرين.
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله: يقول الشيطان ذلك يوم القيامة (تبرأتُ منك إني
أخاف الله رب العالمين) ومثله فعل يوم بدر، فقد شهد بدرا في هيئة رجل، وظل يحثّ
المشركين على القتال، فلما رأى الملائكة، ولّى مدبرا، كما أشار الله تعالى إليه في
سورة الأنفال. فهذا مثال المنافقين، نفخوا في بني النضير روح القتال، بالوعود
الكاذبة بالنصر والدعم، فلما أحاطت بهم الدائرة، انفصلوا وتبرؤا عنهم، فهل ذلك
ينجيهم من عذاب الله، كلاّ فإن مصيرهم النار. (العثماني)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا
أنت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا كثيرا كثيرا.
18 ربيع الأول 1430هـ يوم الاثنين
16 مارس 2009م