{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}.
ملخص معاني الآية:
* إن كان الحال حال خوف وخطر، هرب منه
المنافقون، وإن كان الحال حال منفعة دنيوية، سعوا إلى مشاركة المسلمين فيها.
* لقد وعد الله مغانم لأولئك المسلمين
الذين شهدوا غزوة الحديبية خاصة، كانوا قد نُهوا عن قتال مشركي مكة، فانتهوا،
فعوّضهم الله بمغانم خيبر.
* فالذين تخلفوا عن غزوة الحديبية خوفا
من المشركين ورهبا، مُنعوا من المشاركة في غزوة خيبر.
* المنافقون أغبياء حمقاء، لا يعرفون
إلا منافع الدنيا، وهذا أكبر دليل على غبائهم وجهلهم، إذ الدنيا فانية، والآخرة
باقية، وما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل.
كلام بركة:
«فلما عاد من مكة قيل له: اذهب الآن إلى
خيبر، ولا يرافقك أحد إلا من شهد الحديبية، فأقام بالمدينة ثلاثة أيام، أما الذين
تخلفوا عن الحديبية خوفا استعدوا للخروج إلى خيبر طمعا، فمنعهم الله تعالى من
الخروج. وكان اليهود يقيمون بخيبر، وقد استقدموا المشركين إلى المدينة يوم الأحزاب
لمحاربة أهلها». (موضح القرآن)
الفرق الكبير بين المخلص والمنافق:
اُمر الصحابة بالمبايعة بالقتال حتى
الموت، فبايعوا، ثم اُمروا بعدم المُضي قُدما إلى العمل الذي بايعوا عليه،
فتوقفوا. فرضي الله عنهم، وآذن بفوزهم في الدنيا والآخرة. وفي الطرف الآخر منافقون
قيل لهم اُخرجوا للعمرة، فقالوا: كيف نُلقي أنفسنا في التهلكة؟ فلم يخرجوا. ثم
لمّا عاد المسلمون منها وتوجهوا نحو خيبر، وقيل للمنافقين: لا تخرجوا معنا، هذا ما
أمرنا به، قالوا: لنخرُجنّ معكم، لم يمنعنا الله، إنما تحسدوننا على المغانم، لذلك
لا تستصحبوننا. فما أغباهم. (والله أعلم بالصواب)
ما ربحت تجارتهم:
لاشك أن رحلة العمرة من أولها إلى آخرها
سعادة، مع إمكانية الشهادة في سبيل الله، أما المنافقون فما خرجوا فيها، أما خيبر
فكان فيها إمكانية الحصول على مغانم، لذلك استعدوا للخروج إليها، وكانوا يعتبرون
ذلك دهاء وحنكة، إذ المنافق لا يعدّ الدهاء إلا في كل ما فيه المحافظة على النفس،
ومكسباً للمال. قال الله تعالى: { بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا }.
قال القرطبي:
يعني لا يعلمون إلا أمر الدنيا.
(القرطبي)
وقال أبو حيان:
قليلا من أمور الدنيا وظاهره ليس لهم
فكر إلا فيها. (البحر المحيط)
أرجو من المثقفين اليوم الذين يعدّون من
الدهاء الحفاظ على الروح، والخروج في الجهاد خطأ، أرجو منهم أن يتأملوا هذه الآية
الكريمة.
تفسير سهل للآية الكريمة:
فتح الله خيبر على المسلمين بعد صلح الحديبية
مباشرة، وكان قد وعد الذين شهدوا صلح الحديبية مغانم خيبر، فكان فيه تعويضا
للخسارة التي لحقت بهم بعدم مقاتلة أهل مكة وصيانة أموالهم من الوقوع في أيديهم.
(تفسير الخازن)
وكان الله قد أخبر عن الذين تخلفوا عن
الحديبية أنهم سوف يقولون للمؤمنين: اسمحوا لنا بالخروج معكم إلى خيبر، يريدون أن
يبدّلوا كلام الله بأفواههم، وقد جعل الله غنائم خيبر خاصة بأهل الحديبية، فأمر
بأن لا يخرج إليها إلا من شهد الحديبية. (البغوي)
{قلن لن تتبعونا} أي لا تُصاحبوننا.
(وهذا المنع كان خاصا بغزوة خيبر، لأن تلك القبائل قد تاب أكثرها فيما بعد، وشهدوا
الجهاد) (البحر المحيط).
{فسيقولون بل تحسدوننا} أي إن منعتموهم
من مرافقتكم، قالوا : ما أنتم إلا تحسدوننا، لا تريدون مشاركتنا في المغانم.
{بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} أي ليست
القضية قضية الحسد، بل القضية قضية الفهم والوعي، يفقهون الشئوون الدنيوية، ولا
يفقهون النصر في الدين والجهاد والتفكر في الآخرة.
فإن قيل:
يريدون أن يغيّروا ويبدلوا مواعيد الله
لأهل الحديبية حيث وعدهم غنيمة خيبر لهم خاصة، وهذا قول جمهور المسلمين. (الخازن)
وثبت بالروايات أن النبي · أعطى «مهاجري
الحبشة» من مغانم خيبر، أجاب عنها الكرماني فقال:
إنما أعطاهم · برضا أصحاب الوقعة، أو
أعطاهم من الخمس الذي هو حقه عليه الصلاة والسلام، وميل البخاري إلى الثاني. (روح
المعاني)
دليل قوي على حجية الحديث:
المتخلفون عن الحديبية لمّا أصرّوا على
الخروج إلى خيبر، نزلت الآية وفيها: {يريدون أن يُبدلّوا كلام الله} والمراد من
كلام الله هنا اختصاص خيبر وغنائمها بأهل الحديبية. ومعنى قوله تعالى {كذلك قال
الله من قبل} مثله. وهنا قد يتساءل أحد: لم يصرّح الله تعالى في القرآن باختصاص
مغانم خيبر بأصحاب الحديبية، فكيف سمّى ذلك الوعد ب {كلام الله} و {قال الله}؟
أجاب عنه أهل العلم، وقالوا: لم يرد شيء
من التصريح في القرآن بالوعد المذكور، إنما كان الوعد المذكور على لسان رسول الله
· بشكل وحي غير متلو في طريق الحديبية. وهو ما عبّر عنه بلفظ {كلام الله} و{قال
الله} في القرآن الكريم. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن ما من حكم من أحكام
الدين أخبر عنه النبي ·، وورد في الأحاديث الصحيحة، فهو ضمن {كلام الله} و{قال
الله}. وهذه الآيات تكفي لكشف النقاب عن أولئك الملاحدة والزنادقة الذين يرفضون
حجية الحديث، لأن الله إن كان قد ذكر خيبر في هذه السورة في الآيات اللاحقة، {وأثابهم
فتحا قريبا} لكنها لم تذكر أن مغانم خيبر مختصة بأهل الحديبية. (ملخص ما ورد في
معارف القرآن للمفتي محمد شفيع رحمه الله تعالى).