{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)}.
ملخص معاني الآيات:
لمّا أراد النبي · أن يعتمر، استنفر
المسلمين، فطلب من الأعراب المجاورين للمدينة بالخروج معه، لكنهم خافوا فتخلفوا
عنه، وعند عودته من الحديبية قيل له: إن الأعراب الذين تخلفوا عنك سوف يعتذرون
إليك ويقولون: استغفر الله لنا، فكان كذلك، إذ هم جاءوا واعتذروا.
* قالوا شغلتنا أموالنا وأهلونا، ولم
يكن وراءنا من يتعهدها، لذلك لم نخرج معك، فاستغفر لنا، ليغفر الله ذنوبنا.
* يقولون ما ليس في قلوبهم، لأنهم لا
يعدّون تخلفهم معصية، كما لا يهمهم استغفار رسول الله ·.
* قال الله تعالى: قل فمن يملك لكم من
الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا. وأنتم ما تخلفتم عن رسول الله · إلا
لتتعهدوا أموالكم وأهلكم، فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم
نفعا؟ فبقاؤكم في بيوتكم لا يمنعكم من عذاب الله، وخروجكم في سبيل الله للجهاد قد
يستجلب لكم المال والأهل.
* وكان الله بما تعملون خبيرا، فماذا
تخفون عنه، إن اعتذاركم كان كاذبا، كما أن استغفاركم لم يكن صادقا، وفي قلوبكم
النفاق، ما خرجتم مع رسول الله · لأنكم كنتم تظنون أن رسول الله · لن يعود من سفره
هذا إلى المدينة، وسوف يقتلهم المشركون، وهو ما كنتم تريدونه وتتمنونه، وقد ترسخ
ذلك في قلوبكم بحيث حسبتموه متيقناً. كما كنتم تظنون أن الله لن ينصر نبيه
والمؤمنين، فأهلككم.
* لقد كفرتم بعدما نافقتم وأسأتم الظن
في الله، وكفرتم بالرسول، وما جزاء الكافرين إلا النار.
* إن الله ليس في حاجة إلى حسناتكم
وجهادكم، ولا يضره كفركم ونفاقكم، ولله ملك السماوات والأرض، يغفر لمن يشاء ويعذب
من يشاء، وهو الغفور الرحيم، فتوبوا إليه واستغفروه.
سبب النزول:
وفي التفسير البغوي:
{ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ
} قال ابن عباس، ومجاهد: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة، وأشجع وأسلم، وذلك أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا استنفر من حول
المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو
يصدوه عن البيت، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربًا، فتثاقل
عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل، فأنزل الله تعالى فيهم : {سيقول لك المخلفون
من الأعراب} يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك، إذا انصرفت إليهم فعاتبهم على
التخلف.
المسلمون ضعفاء في عيون المنافقين:
وفي التفسير القرطبي:
وذلك أنهم قالوا: إن محمد وأصحابه أكلة
رأس، لا يرجعون. (القرطبي)
وفي التفسير البغوي:
وذلك أنهم قالوا: إن محمد وأصحابه أكلة
رأس فلا يرجعون، فأين تذهبون معه، انتظروا ما يكون من أمرهم. (البغوي)
أولئك الذين خلّفهم الله:
قال الله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ}
قال البغوي: يعني الذين خلّفهم الله عزوجل عن صحبتك.
وذلك أن رسول الله · حين أراد المسير
إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي
ليخرجوا معه، حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب. (البغوي)
المنافقون يظون ظنّ السَوء:
قالوا: أهل مكة شجعان بواسل، جاءوا إلى
المدينة لمحاربتها، (كما في اُحد والأحزاب) فإن ذهب المسلمون إلى مكة هذه المرة
فإنهم لن يرجعوا منها سالمين، فلم يخرجوا مع النبي ·، وما آمنوا بالله ورسوله ·،
وقد أعد الله لهم نار جهنم، لذلك لا يعبأ بهم، ولله ملك السماوات والأرض، يغفر لمن
يشاء ويعذب من يشاء. (مفهوم ما ذكره الحقاني)
الدعوة إلى التوبة:
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
فالذين عصوا الله ورسوله، وثبتوا على الكفر، ثم كذبوا فقالوا: استغفر لنا، فإن هم
تابوا إلى الله بصدق وإخلاص فإن الله يتوب عليهم، ولا توبة للكافر بدون الإيمان.
(أنوار البيان)
وكان بعض هؤلاء الأعراب وأهل البوادي من
وُفّق للتوبة والإيمان. (الحقاني)
فريقان:
قال بعض المفسرين:
ذكر الله تعالى فريقين من الناس، فريق
بايع على يد رسول الله ·، وفريق تخلف عنه لخوفهم وظنهم، فقال في الآية الأخيرة: {يَغْفِرُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} فيغفر للفريق الأول إن شاء، ويعذب
الفريق الآخر (إن لم يتب). (التفسير الكبير)