{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}.
ملخص معاني الآية:
فيها بيان لمناقب أصحابه · الذين كانوا
معه في بيعة الرضوان، وبايعوه على الموت والجهاد، وكان يد الله فوق أيديهم، فمن
نكث البيعة على الجهاد فإنما وبال نكثه عليه، ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه أجرا
عظيما.
وقد وفا جميع من شارك في بيعة الرضوان
من الصحابة بما عاهدوا الله، واستحقوا الأجر العظيم. (رضي الله تعالى عنهم أجمعين)
مبايعة الرسول مبايعة الله:
مبايعة الرسول هي مبايعة الله، لأن
النبي · لم يكن يبايع إلا نيابة عن الله تعالى، وفق ما أمره الله به، يبايعهم على
العمل والاهتمام بما أمر الله، وقد عَدّ القرآن طاعة الرسول طاعة الله، فقال
تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}. (ابن كثير، العثماني)
سل السيف للجهاد مبايعة الله:
أخرج ابن كثير في تفسيره حديثا تحت هذه
الآية الكريمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي · قال:
من سلّ سيفه في سبيل الله فقد بايع
الله. (ابن كثير)
بيان تعظيم النبي · وتوقيره:
قال ابن كثير رحمه الله:
فيها بيّن الله تعالى عظمة رسوله وشرفه
وتوقيره، وأشار إلى أن من بايع الرسول · فقد بايع الله تعالى، وهذا كما قال تعالى:
{من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء 80).
من باع الله نفسه وماله:
كلمة البيعة مشتقة من البيع، ويقال لها
البيعة لأن المبايع يبيع اللهَ نفسه وماله. كما قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}.
أحوال مثيرة:
لاحظوا هنا من سعادة الصحابة أنهم أولاً
وُفّقوا للمبايعة على يد رسول الله ·، وهي لم تكن أقل أهمية من ناحية السعادة
والفلاح، لكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يُكرم قوما فإنَّ رحمته وسعت كل شيء،
فقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} وهنا يصعب تقدير مدى السعادة التي
كانت تغمر قلوب المؤمنين إذ يبايعون الله تعالى، ثم زاد الله تعالى لفظ {يد الله
فوق أيديهم} وفيه زيادة فضل وسعادة، ثم كيف يد الله؟ لا يدريه أحد غيره، لأنه ليس
كمثله شيء، وهو السميع البصير. لكن الحلاوة والمسرة التي تذّوقها الصحابة عند نزول
هذه الآية لم يدركها أحد غيرهم، فقد أحاطت بهم العناية الإلهية الخاصة ومحبته
ورحمته ونصره، لم يحصل لهم ما حصل إلا ببركة الجهاد في سبيل الله، ومن هنا يمكن
تقدير مرتبة الجهاد في سبيل الله ومكانته عند الله. وكلّما سعى المسلمون إلى إحياء
هذه الشعيرة الدينية، نزلت عليه الرحمة والنصر والفتوح. يا ليت لو أحيى المسلمون
هذه السنة من جديد. (والله أعلم بالصواب)
الوفاء بالبيعة واجب:
كلمة البيعة تدل على التعهّد بالقيام
بعمل معيّن. وطريقه المسنون في القديم وضع يد على أخرى، ووضع اليد في الواقع ليس
بواجب، بل الواجب شرعا الوفاء بما عهد، ويُحرم مخالفته. قال الله تعالى: {فمن نكث
فإنما ينكث على نفسه} وأنه لن يضر الله شيئا، {ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه
أجرا عظيما} أخرج الإمام أحمد بن حنبل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه الحديث
التالي في تفسير هذه الآية:
«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت
الشجرة». (معارف القرآن، ابن كثير)
فائدة:
سبق بعض تفاصيل بيعة الرضوان في «غزوة
الحديبية» وهناك روايات أخرى نذكرها عند معارف الآية 18 من سورة الفتح.