{سورة محمد مدنية، الآيات 16، 17}



{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)}.
ملخص معاني الآيات:
(1) ومن الكافرين منافقون، لا يفهمون ما يسمعون من كلام الله وكلام الرسول ·، ولا يصدّقونها، ذكرهم الله تعالى في الآيات القادمة بأنهم إن نزلت آية محكمة وذُكر فيها القتال، رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت.
(2) أما الذين آمنوا فإنهم يستفيدون من القرآن وتعاليم الرسول ·، ويوفّقون للعمل بها، فالفرق بين المؤمنين والكافرين كبير.
أحد أهم الفروق بين المؤمنين والكافرين:
«الأعداء الكفرة لا يستفيدون من القرآن رغم ما يسمعون، والمؤمنون يزدادون إيمانا وتوفيقا بمجرد سماع ألفاظ القرآن». (حاشية الشيخ اللاهوري رحمه الله)
وتيرة تعامل المنافقين مع أحكام القرآن:
المنافقون كانوا يدّعون الإسلام، ويشهدون الجُمَعَ والجماعات ومحاضرات الرسول ·، لكن بدون نية العمل بالدين، يستمعون إلى الرسول · بكل اهتمام في الظاهر، فإذا قاموا قالوا: ماذا قال الرسول آنفا؟ لا يريدون إلا الاستفزاز والسخرية، ليظهروا أنهم ليسوا في حاجة إلى تعاليمه ·، لذلك لم يسمعوا منه شيئا بعناية. وقال بعض المفسرين: كانوا يسمعون بكل اهتمام، لكن على قلوبهم أقفالها، وفي عقولهم أفكارها الخاصة فلا يتعدّونها، ولا يعون ما يقوله ·، لذلك كانوا يسألون الصحابة فيما بعد.
وعلى كل حال، كانوا متكبرين، متبعي الهوى، غير راغبين في الدين، حتى إذا سمعوا الآيات التي فيها ذكرهم تولوا وهم مدبرون، كانوا يهربون من الجهاد، والقرآن يفصّل أحوالهم للناس. قال الإمام القرطبي رحمه الله:
«كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة، فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه فإذا خرجوا سألوا عنه». (القرطبي)
لاحظوا اليوم المثقفين المتغرّبين، فإنهم لا يدرسون الإسلام إلا من منطلق أفكار معيّنة تلقوها عند الغرب، يجدون تعاليم الجهاد تعارض أفكارهم ونظرياتهم، فلا يلتفتون إليها. (نسأل الله العافية)
وفي بيان القرآن:
«يا أيها النبي · إن من الناس - وهم منافقون - يستمعون إليك في الظاهر، لكنهم لا يفقهون بقلوبهم، حتى إذا قاموا من عندك، قالوا لأولي العلم من الصحابة: ماذا قال رسول الله · آنفا، لا يفعلون ذلك إلا من باب السخرية، ليظهروا أنهم لا يستمعون لكلام الرسول بعناية، فهذه شعبة من النفاق، طبع الله على قلوبهم، فلا يؤمنون، ابتعدوا عن الهدي، واتبعوا أهواءهم، أما الذين هداهم الله من قومهم، أي آمنوا بالله والرسول، فإن الله يوفّقهم للاستماع إلى الرسول، وزادهم هدى، أو يزيد إلى إيمانهم قوة عند نزول الآيات، فهي ميزة الأعمال الصالحة، فإنها تزيد الإيمان قوة ونشاطا، ويوفّقهم للتقوى». (بيان القرآن)
كان المنافقون يشهدون مجالس الرسول ·، مثلهم المثقفون المتغرّبون، يدرسون أحاديث الرسول · والكتب الدينية، لكنهم - المنافقون وهؤلاء المثقفين - لا يؤمنون بها، لأنهم لا يتبعون إلا أهواءهم.
اللهم اهدنا الصراط المستقيم.
إن النفاق لا يستفحل ما لم تثبت دعائم الكفر والشرك، فجاء الأمر بقتال الكفار والمشركين حتى لا تقوم لهم قائمة، فلا يتأثر بهم ضعفاء المسلمين، فيحملهم على النفاق.
الواجب الإذعان لجميع أحكام الدين:
«في الآية الثانية ذكر ما أنعم الله على المؤمنين بأن الذين هداهم الله زادهم هدى، كلما نزلت أحكام صدّقوها وآمنوا بها، وعملوا، وآتى نفوسهم تقواها، فيطبّقون الأحكام على أنفسهم. ويمتنعون عما نهى عنها». (أنوار البيان)
دلّت الآية على أن العمل بجميع أحكام الدين واجب، فلا يجوز التجزّي فيها، بأن هذا مكي وهذا مدني، هذا لنا، وهذا لغيرنا، نحن في عهد مكي، فهذه كلها أخطاء، المؤمن من آمن بكامل الدين، وعمل بكامل أحكامه، فإن استحال العمل بحكم من أحكام الدين، لا يقصّر في الإيمان به، والتمنّي للعمل به. (والله أعلم بالصواب)