{سورةمحمد مدنية، الآيات 18، 19}



{بسم الله الرحمن الرحيم}
{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}.
ملخص معاني الآية:
(1) هذه بعض الأمور التي إذا سمعها المنافق والكافر، لا يمكنه البقاء على الكفر والنفاق ومعاداة الإسلام والمسلمين والمؤامرة عليه، بل يضطر إلى الإيمان بعدما ظهرت له الأدلة القرآنية والحقائق الأرضية، لكن كفر هؤلاء وشقاقهم لا يكاد يتوقف، ولا يمتنعون عنه، فهل لا ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون؟ لا يزعم الكافر والمنافق الساعة بعيدة عنه، ولا يسخر بها، إذ جاءت أشراطها، فإذا جاءت الساعة، لم ينفعهم الذكرى، لانغلاق باب التوبة. (معارف القرآن للكاندهلوي)
(2) وعلى كل حال، دَاوِمْ على كلمة التوحيد، سواء صدّقوك أو لم يصدّقوك، استمعوا إليك أو أعرضوا عنك، واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات، والله يعلم أحوالكم جميعا، لا يقلق المسلمون بغلبة المشركين الظاهرة، بأن لا يفاجئهم الله بعذاب، ولا يحسب المسلمون أن الظروف التي هم عليها من هيمنة المشركين وغلبتهم لن تزول.
فالله عالم بجميع الأحوال، فلا تزعموا الأحوال الطارئة مستقلة لا تزول. (معارف القرآن للكاندهلوي)
(3) أساس النجاح كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله، لا يسعد في الدنيا والآخرة إلا من آمن بها، فإن صدرت منهم أخطاء تابوا إلى الله واستغفروا، فإن الله يتوب على من آمن بكلمة التوحيد.
أساس الجهاد لا إله إلا الله:
قال النبي ·: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. (صحيح البخاري 2/181).
فائدة:
قال في الآية السابقة: لا تنفع الذكرى عند مجيء الساعة، ثم قال في الآية التي تليها: إن أردتم إصلاح أنفسكم قبل الساعة فعليكم بالإقرار بكلمة لا إله إلا الله. (مفهوم التفسير الحقاني)
طمأنينة القلب:
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان. (القرطبي)
وفي التفسير المظهري:
{فاعلم} الفاء سببية فيه، أي لمّا عرفت عن سعادة المؤمنين، وشقاوة الكافرين، فاثبت وداوم على عقيدة التوحيد وعلى ما تعلمت من ربك من علم إصلاح النفس والأحوال والأعمال. (المظهري)
وقيل: كان عليه السلام يضيق صدره عن كفر الكفار والمنافقين، فنزلت الآية، أي فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله، فلا تعلق قلبك بأحد سواه. (القرطبي)
بعض مباحث الآيتين المتميزتين:
(1) علامات الساعة... فقد بيّن أكثر المفسرين علامات الساعة ضمن الآية 18، ارجعوا إلى ما كتبه ابن كثير، والقرطبي، والمظهري، وروح المعاني.
(2) عمر الدنيا... كم عمر الدنيا، ومتى تأتي الساعة؟ (لا يعلم عنها في الحقيقة أحد إلا الله) وقد أورد الآلوسي كلاما مفصلا على هذا الموضوع، وفنّد تقديرات الرياضيين. وقال في النهاية:
«والحزم الجزم بأنه لا يعلم ذلك إلا اللطيف الخبير».
(3) إن محمدا · خاتم النبيين، فلا نبي بعده، وبعثته علامة من علامات الساعة، لأنه آخر الأنبياء، وأمته آخر الأمم، وليس بعده إلا الساعة. هذا المبحث تناوله العديد من المفسرين.
(4) الناس يُنادون يوم القيامة بأسماءهم. هذا أحد تفاسير قوله تعالى: {إذا جآءتهم ذكراهم} لذلك جاء الترغيب في الحديث إلى اختيار أسماء طيبة للأولاد. وقد سلّط القرطبي الأضواء عليه.
(5) معاني ومعارف لا إله إلا الله. كتب الآلوسي العديد من الصفحات على هذا الموضوع.
(6) كتب العديد من أهل العلم على فضائل لا إله إلا الله والإكثار من الاستغفار. ارجعوا إلى ابن كثير والمظهري.
(7) فضائل الاستغفار...كتبها أكثر المفسرين، وأكثر التفاصيل عند ابن كثير والمظهري.
(8) لاشك أن النبي · معصوم، فكيف استغفاره؟ تكلم أهل العلم بالتفصيل على هذا الموضوع، ارجعوا إلى روح المعاني والمظهري وبيان القرآن.
(9) صيغ الاستغفار المتنوعة... فقد أحاط ابن كثير بألفاظ الاستغفار المروية عن رسول الله ·.
(10) العلم مقدّم على العمل، فقد أورد النسفي والقرطبي كلاما مفصلا عن سفيان بن عيينة على قوله تعالى: {فاعلم}.
(11) ما معنى {متقلبكم ومثواكم} ذكر القرطبي وغيره من أهل العلم أقوالا بلغت خمسة.
تفسير سهل:
لقد سمعوا الآية 18 التي فيها مواعظ القرآن، أمثلة الأمم الماضية المليئة بالعبر والدروس، والوعد بالجنة والوعيد بالنار، فلماذا هذا التأخير في الإيمان؟ لعلهم لا ينتظرون إلا أن تأتي الساعة بغتة، فقد جاءت علاماتها وأشراطها، وأنّى لهم المهملة بعد مجيئ الساعة؟ فلا يغني عنهم تأملهم وتدبرهم بعده، إذ مدار النجاة على الإيمان قبل الساعة. قال الشاه عبد العزيز رحمه الله:
«من علامات الساعة الكبرى ولادة نبينا محمد ·، جميع الأنبياء كانوا ينتظرون خاتم الأنبياء، وبعد أن جاء (فقد اكتملت غاية تخليق الكون) فليس بعده إلا الساعة، ففي الحديث عن سهل بن سعد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا، بالوسطى والتي تليها: «بعثت أنا والساعة كهاتين». رواه البخاري
والمعنى : سبقتُ على القيامة كما تسبق الوسطى على السبّابة. (التفسير العثماني)
قال صاحب معالم التنزيل عن الآية 19: «أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستن به أمته». وعن أبي بردة، عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة». وفي بعض الروايات أنه كان يستغفر في كل مجلس مائة مرة.
وقال صاحب معالم التنزيل:
هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب. (معالم التنزيل)
{متقلبكم ومثواكم}..
(1) المتقلب .. التجول للأشغال الدنيوية. والمثوى: في الآخرة إما إلى الجنة وإما إلى النار. (ابن عباس رضي الله عنهما)
(2) متقبلكم.. أي اشتغالكم بالتجارة في أوقات النهار. ومثواكم.. أي عَودكم إلى مضاجعكم في الليل. (مقاتل، ابن جرير)
(3) متقلبكم.. أي انتقالكم من أصلاب آبائكم إلى أرحام أمهاتكم. ومثواكم.. إقامتكم على الأرض. (عكرمة)
(4) متقلبكم أي انتقالكم من أصلاب آبائكم إلى بطون أمهاتكم. ومثواكم.. الإقامة في القبور. (ابن كيسان)
والمعنى إن الله عالم بأحوالكم ومصيركم، لا يخفى عليه شيء منها، فاحذروه. (المظهري)
العمل القاصم لظهر الشيطان:
وعن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما، فإن إبليس قال: أهلكت  الناس بالذنوب، وأهلكوني بـ «لا إله إلا الله»، والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون» . (تفسير ابن كثير)