{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}.
ملخص معاني الآية:
بيعة الرضوان، بيعة الجهاد، وبيعة
الموت.
فيها إعلان برضا الله عن المبايعين، وأن
الله اُعجب بما وجد في قلوبهم من الإيمان والإخلاص وحماس الجهاد والإيثار، وأنزل
السكينة عليها، وفتح عليهم أبواب الانتصارات والفتوح، وأثابهم فتحا قريبا بخيبر
وغنائمها.
تصوير المشاهد العالقة:
* تصوير تلك المشاهد الرائعة العالقة،
إذ تحققت غايات مناضلي طريق الحق، إن أغلى ما يتمناه مؤمن «رضا ربه»، وهم يبايعون
الآن تحت الشجرة، ونادى المنادي بأن الله رضي عنهم، ما أعظم المبايعة على الجهاد
وما أقدسها، وما أعلي منزلة العزم على التضحية بالنفس والروح لله تعالى، حتى أعلن
الله برضاه في الدنيا.
* قيمة دم مسلم... إذ نادى المنادي ..
البيعة البيعة .. بمجرد سماعهم خبر استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، إلى
البيعة أيها المؤمنون، لقد نزل روح القدس، فأسرعوا إليه، ولبّوا دعوته، وبايعوا
على الموت، وعدم التولّي يوم الزحف. فما أن بايع ألف وأربعمائة مؤمن على الموت حتى
حدثت ضجّة في السموات والأرض، ودخل الرُعب في قلوب المشركين، وتخوّفوا. أدركوا أن
المسلمين كمثل جسد واحد، لا رغبة لهم في الحياة، فاندفعوا إلى المصالحة، ومن هنا
عرفنا أن المؤمن كلما استعد للتضحية بالروح والنفس إلا صار قويا عزيزا.
«عن أياس بن مسلمة عن أبيه قال: بينما
نحن قائمون إذ نادى منادي رسول الله · : أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس».
(تفسير ابن كثير)
منقبة النبي ·:
أشارت الآية الكريمة قبل كل شيء إلى
منقبة الرسول · ومنزلته الجليلة.
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
ما من مؤمن أحب نبي الله ·، ونصره، وأطاعه
إلا وقد أفلح في الدنيا والآخرة.
{ إِذْ يُبَايِعُونَكَ } فيها إشارة إلى
منزلته العالية، بأن مبايعة الرسول · تستجلب رضا الله سبحانه. (والله أعلم
بالصواب)
مناقب الصحابة:
ثم بيّن الله فيه مناقب أصحاب نبيه، فقد
وصفهم الله بالمؤمنين، وأعلن برضائه عنهم، وأثنى على عواطفهم الإيمانية خيرا،
وأنزل عليهم السكينة، ووعدهم بالأجر والمثوبة. (والله أعلم بالصواب)
فضل البيعة على الجهاد:
ثم ذكرت فضل البيعة على الجهاد، بأن
الله رضي عن المؤمنين لمّا بايعوا على الجهاد والموت، فالبيعة على الجهاد عمل عظيم
يستدعي رضا الرب، والرفعة في إيمان المؤمن، واستجابة خاصة. (والله أعلم بالصواب)
رضا الله أكبر نعمة:
لا يمكن تقدير عظمة رضا الله سبحانه
وتعالى إلا بالحديث التالي:
أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ
فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ
وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ
فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ
أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ
بَعْدَهُ أَبَدًا. (البخاري ومسلم)
الله أكبر كبيرا، رضا الله سبحانه
وتعالى أكبر من الجنة ونعيمها، كما قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر} والآن اقرءوا
الآية الكريمة في ضوء الحديث الذي أسلفناه: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك
تحت الشجرة}.
لاشك أنها عرض النفس للتضحية في سبيل
الله، ورضاه أكبر سعادة، يا ليت لو أدرك المسلمون أهمية «البيعة على الجهاد»
وحقيقتها، وعملوا بها لارتفعت كافة مشاكلهم. (والله أعلم بالصواب)
راحة القلوب المكلومة:
لقد رضي الله تعالى عنهم، وهذا ما كانوا
يطلبونه، فقد كانت كافة جهودهم وتضحياتهم تصب على مصب واحد، وهو رضاه، إذ ضُربوا
واُخرجوا من ديارهم وأوطانهم، وواجهوا صنوف الشتائم والاضطهادات والجوع والعطش
والجروح والظروف غير المواتية، فكل يوم ابتلاء جديد، وكل ليلة خوف جديد، لمن كانت
كل هذه المحن والشدائد؟ لا يمكن مداواة تلك الجروح والكلوم التي كانت على قلوبهم
وأجسادهم بشيء من متاع الدنيا، إن كان هناك شيء فهو ما أعلنه الله تعالى بلسانه:
{لقد رضي الله} فلا دواء للقلوب المجروحة إلا هو، وهو ما كانوا يتمنونه، وأقصى ما
يريدونه، وغاية حياتهم ومماتهم، رضي الله عنهم. ثم إن هذا الإعلان متى أسمعهم؟
بمناسبة «البيعة على الجهاد» خرجوا من ديارهم بنية العمرة، لكنهم اُبلغوا أن عليهم
التضحية بالروح، عليهم أن يأخذوا الثأر لدم مسلم، ويبايعوا على الموت، فلم
يتردّدوا، وتسابقوا إلى شجر الأراك للمبايعة الذي تحته كان يبايع رسول الله ·
أصحابه، وضعوا أيديهم في يده وباعوا أنفسهم، لم يتفكّروا في العودة والأهل،
وأعلنوا أنهم يريدون رضا ربهم بالتضحية بالنفس والروح، لا رغبة لهم في الحياة،
وعزموا على الفداء، فنزل من فوق سبع سماوات : {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ
يبايعونك تحت الشجرة}.
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
(والله أعلم بالصواب)
فضل البيعة على الجهاد العظيم:
قال الله تعالى في الآية السابقة: {ومن
يُطع الله ورسوله يُدخله جنات تجري من تحتها الأنهار}.
أما هذه الآية الكريمة فقد دلّت على
تحقق ثلاثة أشياء لأصحاب رسول الله ·، وهي طاعة الله ورسوله والجنة.
{لقد رضي الله} دلّت على أنهم قاموا
بأداء حق الطاعة.
{إذ يبايعونك} دلّت على أنهم أطاعوا الرسول
طاعة كاملة.
فوجبت لهم الجنة، دلّ عليه قوله تعالى:
{لقد رضي الله} لأن رضا الله تعالى أقوى ضمان لدخول شخص في الجنة. (خلاصة ما جاء
في التفسير الكبير)
فباختصار إن البيعة على الجهاد أدّت إلى
طاعة الله ورسوله ودخول الجنة. ولا يعزم على التضحية بالنفس إلا من كان قلبه
عامراً بالإيمان، ومُهْتَمًّا بالآخرة، وموقنا بما وعد الله ورسوله. (والله أعلم
بالصواب)
وفي هذه الآية بيّن أن طاعة الله
والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان. (التفسير الكبير)
قال العلامة الآلوسي رحمه الله:
والمعنى الموجب للرضا فيها هو المبايعة.
تحت الشجرة:
كل كلمة من القرآن تزخر بخزائن الحِكَم
والمعارف، لأنه كلام الله الحكيم. قال الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ
يبايعونك تحت الشجرة} البيان الرباني يعكس الحلاوة التي يشعر بها القاري، فقد صوّر
الله تعالى في الآية مشهد البيعة وموضعها في كتابه، وهذا شأن الحب أنه يدفع إلى
ذكر المكان والمقام. قال بعض أهل العلم: ذكر الشجرة للإشارة إلى زيادة التأكيد،
وأن البيعة لم تحصل تحت ضغوط أو خوف، إنما كانت علناً على الملأ، بدافع من الجهاد
والحماس.
«تحت الشجرة إشارة إلى مزيد وقع تلك
المبايعة وأنها لم تكن عن خوف منه عليه الصلاة والسلام». (روح المعاني)
«والمشهور أن الناس كانوا يأتونها
فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأمر بقطعها خشية الفتنة بها لقرب
الجاهلية وعبادة غير الله تعالى فيهم». (روح المعاني)
لكن رواية البخاري ومسلم تشير إلى أن
الصحابة نسوا المكان في عهد رسول الله ·، لعل لله تعالى فيه حكمة، وقال سعيد بن
المسيب رحمه الله: كان والدي ممن بايع بيعة الرضوان، وكان يقول: فذهبنا إلى المكان
من القادم، فلم نجد الشجرة. (تفسير البغوي)
وفي رواية أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مرّ عليه مرة، فقال أين تلك الشجرة؟ فأشار الناس إلى بعض الجهات، فقال: سيروا
فقد ذهبت الشجرة.
«فلما كثر اختلافهم، قال: سيروا قد ذهبت
الشجرة». (تفسير المظهري)
نسوا مكان الشجرة، لأن فيه احتمال
الوقوع في الفتنة، لكن ذكر الشجرة وما تحقق تحتها كلها مسجلة في القرآن الكريم، كان
المشهد الذي نزل فيه إعلان رضا الله، ووعد المسلمين بالنصر والفتح. والواجب على
المسلمين السعي إلى إحياء هذا المشهد مراراً وتكرارا، ويطلبوا مرضاة الله وانتصار
الإسلام. (والله أعلم بالصواب)
مبدأ بيعة الرضوان:
لمّا بلغ النبي · الحديبية، طلب خراش بن
أمية الخزاعي، وأركبه على بعيره (واسمه ثعلبة) ثم بعثه إلى أشراف مكة، ليخبرهم عن
مقدمه، وأنه ما أتى إلا لأداء مناسك العمرة، فأخذه المشركون وذبحوه، وتصدوا لقتل
خراش بن أمية، فأنقذه الأحابيش، ثم أرجعوه. ثم أراد النبي · أن يبعث عمر بن
الخطاب، لكنه اعتذر وأشار إلى عثمان بن عفان، فبعثه النبي ·، فلما دخل مكة حبسه
المشركون، فاشتهر أنه قُتل، فقال النبي ·: لننجازن المشركين، فنادي مناديه:
ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله
· فأمره بالبيعة فاخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوه، فثار المسلمون إلى رسول الله
· وبايعوه. (ملخص البغوي وروح المعاني)
مجموعة طيبة مباركة
لقد ذكر النبي · مناقب أهل الحديبية
وفضائلهم، كما سرد الصحابة مختلف الوقائع تحت بيعة الرضوان، لاحظوا فيما يلي
مجموعة طيبة مباركة نافعة من أربعين حديث ورواية تشتمل على الفضائل والمناقب
والوقائع وفضل البيعة على الجهاد، منها إحدى وعشرون رواية في بيعة الرضوان،
والبقية في البيعة على الجهاد، إما مباشرة وإما مرتبطة بها.
(1)
عن جابر بن عبد الله قال لنا رسول الله
· يوم الحديبية: أنتم خير أهل الأرض، وكنا ألفا وأربعمائة، ولو كنتُ أبصر اليوم
لأريتكم مكان الشجرة. (صحيح البخاري)
وكان قد عمي في آخر عمره، رضي الله عنه
وأرضاه.
(2)
وعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله ·:
«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة». (مسند أحمد، تفسير ابن كثير)
(3)
عن اُم مبشر رضي الله عنها أنها سمعت
رسول الله · يقول عند حفصة : «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين
بايعوا تحتها أحد» قالت بلى يا رسول الله ·، فانتهرها فقالت حفصة {وإن منكم إلا
واردها} فقال النبي · قد قال الله تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها
جثيا}. (مسلم، تفسير ابن كثير)
استدلت حفصة بالآية 17 من سورة مريم على
ورود الجميع على النار، فرد عليها النبي · بمواصلة قراءة الآية.
(4)
عن يزيد بن أبي عبيد قلت لسلمة بن
الأكوع: على أي شيئ بايعتم رسول الله · يوم الحديبية؟ قال: على الموت. (البخاري)
(5)
عن جابر رضي الله عنه قال: إن عبدا
لحاطب بن أبي بلتعة جاء يشكو حاطبا فقال: يا رسول الله ليدخلن الحاطب النار، فقال
رسول الله ·: كذبت لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية. (مسلم، ابن كثير)
(6)
عن الشعبي قال: لما دعا رسول الله ·
الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي فقال ابسط يدك أبايعك
فقال النبي ·: علام تبايعني؟ فقال أبو سنان رضي الله عنه: على ما في نفسك. (التفسير
الكبير)
واسمه وهب بن محصن، وأخوه عكاشة بن
محصن. (ابن كثير، روح المعاني)
وفي بعض الروايات: قال أبو سنان: يا
رسول الله أقاتل بسيفي عن يمينك ويسارك حتى يأتي نصر الله أو اُقتل دونك.
(الطبراني، المظهري)
(7)
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: لقد
رأيتني يوم الشجرة والنبي · يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن
أربع عشرة مائة، قال: ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألاّ نفرّ. (مسلم)
(8)
عن البراء رضي الله عنه قال تعدّون أنتم
الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
(صحيح البخاري)
(9)
عن قتادة : فقال لي سعيد حدثني جابر
كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي · يوم الحديبية. (رواه البخاري)
وكانت عدة المؤمنين ألفا وأربعمائة على
الأصح عند أكثر المحدثين. (روح المعاني)
وجمع بين الروايات بأنها بناء على عدد
الجميع أو ترك الأصاغر والأتباع والأوساط أو نحو ذلك. (روح المعاني)
(10)
عن أبي الزبير سمع جابرا يقول : لم
نبايع رسول الله · على الموت، إنما بايعناه على أن لا نفر. (النسائي)
وفي بعض الروايات أنهم بايعوا على
الموت، وهي أصحها عند الإمام البخاري، وقيل: بايعوا على أن لا يفروا من الجهاد،
وفي بعضها: بايعوا على الصبر والثبات.
قال أبو عيسى: معنى الحديثين صحيح،
بايعه جماعة على الموت، أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نُقتل، وبايعه آخرون
وقالوا: لا نفر. (تفسير البغوي)
وقال ابن حجر:
وردت ثلاثة ألفاظ في البيعة: بيعة على
الموت، بيعة على الصبر، بيعة على أن لا نفر.
وكلها كانت بيعة على الجهاد، بالعناوين
الثلاثة، فكل واحد من الرواة روى ما حفظه. (فتح الباري)
لاحظوا الحديث التالي الذي أخرجه الإمام
البخاري:
«عن سلمة قال بايعت النبي · يوم
الحديبية ثم تنحيت فقال رسول الله · يا سلمة ألا تبايع، قلت قد بايعت قال ·: أقبل
فبايع، فدنوت فبايعته، قلت: علام بايعته يا سلمة؟ قال على الموت». (البخاري، ابن
كثير)
وقد جاء في بعض الروايات أن سلمة بن
الأكوع بايع ثلاث مرات، بايع مع الأوائل، ثم مع الأواسط، ثم مع الأواخر، وكان
النبي · قد دعاه للمبايعة في المرة الثانية والثالثة، وهي بالنسبة له سعادة عظيمة،
كما أعطاه النبي · تُرسا أثناء المبايعة. (تفسير ابن كثير)
وفي السيرة الحلبية:
قال الشامي رحمه الله:
دعا النبي · سلمة بن الأكوع للمبايعة
مرتين، وفيه دلالة على منزلته ومكانته، أراد النبي · تقوية بيعته لِمَا عرف منه
حبه للإسلام وشجاعته وصبره وثباته. (السيرة الحلبية)
(11)
عن عروة بن الزبير ... وارتهن كل من
الفريقين من عنده من الرسل ونادى منادي رسول الله · ألا إن روح القدس قد نزل على رسول
الله · وأمر بالبيعة، فارخوا على اسم الله تعالى، فبايعوا فسار المسلمون إلى رسول
الله · وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا أبدا، فارعب ذلك المشركين وأرسلوا
من كان عندهم من المسلمين ودعوا إلى الموادعة والصلح. (تفسير ابن كثير، وكنز
العمال)
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي
بكر أن رسول الله · قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا
رسول الله · الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون:
بايعهم رسول الله · على الموت.
(13)
فقال رسول الله ·: اللهم إن عثمان في
حاجة الله ورسوله، فضرب إحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله · لعثمان خيرا من
أيديهم لأنفسهم. (البيهقي، ابن كثير)
(14)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الناس
كانوا مع النبي · يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي ·
فقال يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله · فوجدهم يبايعون فبايع
ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع. (البخاري)
كان عمر قد أدرك آثار الحرب، فقد كان
يستعد له قبل البيعة، فأرسل ابنه عبد الله ليأتي بخيله، الذي كان عند أنصاري،
وبالصُدفة ابتدأت البيعة، فاستبق إليه عبد الله وسبق على والده في البيعة، ثم أتى
فأبلغه بالخبر، فثار إليه وبايع. وقال نافع : لقد اشتبه على بعض الناس أن ابن عمر
كان سابقا على والده في الإسلام، وهذا ليس بصحيح، والصحيح أنه سبق على والده في
البيعة يوم الحديبية.
(15)
عن جابر رضي الله عنه قال كنا يوم
الحديبية ألفا وأربع مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة. (البيهقي،
ابن كثير)
فيه دلالة على أن عمر لم يكن يدري في
أول الأمر أن هناك بيعة، لكنه أقبل لمّا علم بالبيعة، ثم خدم النبي · وأعانه.
(16)
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل
هل بايع النبي · بذي الحليفة فقال لا، ولكن صلّى بها ولم يبايع عند شجرة إلا
الشجرة التي بالحديبية. (مسلم)
(17)
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله ·: يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر. (ابن كثير عن
ابن أبي حاتم)
وكان اسمه جُد بن قيس، اختبأ تحت بعيره
فلم يبايع.
(18)
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل
كم كانوا يوم الحديبية قال كنا أربع عشرة مائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة
وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختبى تحت بطن بعيره. (مسلم)
(19)
عن سعيد بن المسيب قال كان أبي ممن بايع
رسول الله · عند الشجرة، قال: فانطلقنا في قابل حاجين فخفي علينا مكانها. (صحيح
مسلم)
(20)
عن سعيد بن المسيب عن أنهم كانوا عند
رسول الله · عام الشجرة قال فنسوها من العام المقبل. (صحيح مسلم)
(21)
عن سلمة بن الأكوع قال: ثم إن رسول الله
· دعا إلى البيعة في أصل الشجرة، فبايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان في
وسط الناس قال · بايعني يا سلمة قال: فقلت يا رسول الله · قد بايعتك في أول الناس
قال·: وأيضاً قال ورآني رسول الله · عزلاً فأعطاني حجفة أو درقة. (البيهقي، ابن
كثير، جمع الفوائد)
(22)
عن حميد قال سمعت أنس بن مالك رضي الله
عنه يقول: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما
حيينا أبداً، فأجابهم النبي · فقال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار
والمهاجرة. (البخاري)
(23)
عن مجاشع رضي الله عنه قال أتيت النبي ·
بابن أخي فقلت بايعنا على الهجرة فقال مضتِ الهجرة لأهلها قلت علام تبايعنا؟ قال
على الإسلام والجهاد. (البخاري)
(24)
عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده قال
بايعنا رسول الله · بيعة الحرب. (فتح الباري)
(25)
عن أمية بن يعلى أن أباه أخبره قال:
كلمت رسول الله · وأبي أمية يوم الفتح فقلت يا رسول الله · بايع أبي على الهجرة،
فقال رسول الله · بل أبايعه على الجهاد، فقد انقطعت الهجرة. (السنن الكبرى
للبيهقي)
(26)
حدثنا أبو المثنى العبدي قال سمعت ابن
الخصاصية رضي الله عنه يقول: أتيت رسول الله · لأبايعه على الإسلام، فاشترط على أن
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداَ عبده ورسوله، وتصلي الخمس، وتصوم رمضان وتؤدي
الزكاة وتحج البيت وتجاهد في سبيل الله قال قلت يا رسول الله · أما اثنان فلا
أطيقهما، وأما الزكاة فما لي إلا عشر ذو دهن رسل أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد
فيزعمون أنه من ولّى فقد باء بغضب من الله، فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت
نفسي، قال: فقبض رسول الله · يده ثم حركها ثم قال لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة
قال ثم قلت يا رسول الله · أبايعك فبايعني عليهن كلهن. (السنن الكبرى للبيهقي)
(27)
عن جابر رضي الله عنه أن عبداً قدم على
النبي · فبايعه على الجهاد والإسلام فقدم صاحبه فأخبره أنه مملوك فاشتراه منه
بعبدين فكان بعد ذلك إذا أتاه من لا يعرفه ليبايعه سأله أ حر أم عبد؟ فإن قال حر
بايعه على الإسلام والجهاد، وإن قال مملوك بايعه على الإسلام دون الجهاد. (إعلاء
السنن)
وقد أعتقه النبي · ليقدر على الوفاء بما
بايع النبي ·. (والله أعلم بالصواب)
(28)
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
بايعنا رسول الله · على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا وعلى أن
لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالعدل أين كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
(النسائي)
(29)
عن أنس رضي الله عنه يقول: خرج رسول
الله · إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق في غداة باردة فلم يكن
لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: اللهم إن العيش
عيش الآخرة.. فاغفر للأنصار والمهاجرة. فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا.. على
الجهاد ما بقينا أبداً. (البخاري)
(30)
حدثني مجاشع رضي الله عنه قال: أتيت
النبي · بأخي بعد الفتح قلت يا رسول الله · جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال ذهب
أهل الهجرة بما فيها فقلت على أي شيء تبايعه؟ قال أبايعه على الإسلام والإيمان
والجهاد. (البخاري)
(31)
عن جرير رضي الله عنه قال بايعت رسول
الله · على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وعلى فراق المشرك.
(النسائي)
(32)
قال جرير رضي الله عنه أتيت النبي · وهو
يبايع فقلت يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال أبايعك على
أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين.
(النسائي)
أن يُكنّ في قلبه النصح للمسلمين، وأن
يفارق الكفار والمشركين، فإن فعل فقد تيسر له الخروج للجهاد في سبيل الله. (والله
أعلم بالصواب)
(33)
عن ابن عمر رضي الله عنهما من مات ولا
بيعة عليه مات ميتة جاهلية. (مسند أحمد، كنز العمال)
أراد بها البيعة على الإمارة، اللهم
وفّق المسلم لإرساء دعائم دولة الخلافة من جديد، لكي يمكن لهم تحصيل هذه السعادة،
وعليهم مواصلة الجهود لإقامة دولة الخلافة في الأرض. (والله أعلم بالصواب)
(34)
عن عاصم بن عمر بن قتادة رضي الله عنه
أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله · قال العباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر
الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل، قالوا نعم. قال إنكم تبايعونه على حرب
الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم
قتلا استلمتموه، فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون
أنكم وافون بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير
الدنيا والآخرة، قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا
رسول الله إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه. (ابن إسحاق،
البداية والنهاية، حياة الصحابة)
أدرك الأنصار من أول يوم من الدعوة
الإسلامية أنها ليست إلا دعوة الجهاد الأممي، وأن الإجابة لها تقتضي تقديم
التضحيات، وما ذهبوا برسول الله · إلى ديارهم إلا بعد الاستعداد لاستقبال كافة
المخاطر والمحن، ففازوا فوزا عظيما. من أراد اليوم أن يذهب بدين ودعوة رسول الله ·
إلى بيته وقلبه، فلا مفر له من الجهاد والتضحيات. جاء في الروايات أن الأنصار
أرادوا أن يسلوا سيوفهم، فيقاتلوا أهالي منى عقب المبايعة مباشرة، فأخبرهم النبي ·
أنه لم يُؤذن له بذلك. واعلموا أن بيعة الأنصار هذه كانت بمنى قبل هجرة النبي ·
إلى المدينة. ففي فتح الباري 90/2 أن النبي · قال: فإنكم تمنعونني مما تمنعون منه
نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك.
«أن النبي · قال لمن حضر من الأنصار :
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك». (فتح
الباري)
(35)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله ·: من سلّ سيفه في سبيل الله فقد بايع الله. (ابن أبي حاتم، تفسير ابن كثير)
(36)
عن مجاشع بن مسعود السلمي قال أتيت
النبي · أبايعه على الهجرة فقال إن الهجرة قد مضت لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد
والخير.
بزيادة لفظ الخير في هذه الرواية، وأراد
به أعمال البر، من ضمن ما بايعه عليه.
(37)
قال رسول الله · يوم فتح مكة: لا هجرة
ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا. (صحيح مسلم)
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه إذا
دعاكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا. (شرح صحيح مسلم)
وهو يشمل البيعة على الجهاد والوفاء
بها.
(38)
عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول
الله ·: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل بايع
إماما، فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له. (الترمذي)
أي لم يبايع إلا لأجل منفعة دنيوية، فإن
وجدها فبها، وإلا لم يف بما بايع. (كما في حاشية الترمذي)
(39)
عن ابن عمر رضي الله عنه قال كنا نبايع
رسول الله · على السمع والطاعة فيقول لنا فيما استطعتم. (الترمذي)
البيعة تقتضي الوفاء بها، لذلك كان ·
يزيد كلمة «فيما استطعتم» فإن الشرع لا يكلف نفسا إلا وسعها.
(40)
عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله
·: ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع. (سنن النسائي)
منافع البيعة على الجهاد العظيمة
لمّا بايع الصحابة على يد رسول الله ·
المباركة يوم الحديبية، أفاض الله عليهم سيول نِعَمه وإحسانه، وفيما يلي نلخص جملة
النِعَم التي أنعم بها أصحاب نبيه ·:
(1) لقد رضي الله عن المؤمنين.
(2) إنما يبايعون الله.
(3) يد الله فوق أيديهم.
(4) فسيؤتيه أجرا عظيما.
(5) فعلم ما في قلوبهم.
(6) فأنزل السكينة عليهم.
(7) وأثابهم فتحا قريبا، ومغانم كثيرة.
(8) مغانم كثيرة وعدكم الله مغانم
كثيرة.
(9) وكف أيدي الناس عنكم.
(10) ويهديكم صراطا مستقيما.
دين الله يستمر حتى قيام الساعة، فكلما
بايع المسلمون على الجهاد، بقلب صادق، إلا وشاهدوا فوائد الجهاد العظيمة بعيون
مكشوفة.
ما أعظم رضا الله، وما أحوج المسلم إليه، وما
أحوج أمة الإسلام اليوم إليه، إلى الانتصارات والفتوح، والقوة الاقتصادية. لم يذكر
الله تعالى البيعة على الجهاد في القرآن القرآن إلا لنعمل بها نحن المسلمون،
ونستفيد من فوائدها وبركاتها. (والله أعلم بالصواب)
الحاجة إلى البيعة على الجهاد:
* حب الدنيا يُذل المؤمن ويُخزيه،
ودواءه «البيعة على الجهاد» لأن المبايع يبيع روحه ونفسه لربه، ويشتاق إلى نعيم
الجنة الحقيقية.
* إن من أهم أسباب هزيمة المسلمين
وضعفهم اختلاف كلمتهم، و«البيعة على الجهاد» تجمعهم على أمير واحد، فيعودون جماعة
موحدة مثل الجسد الواحد، وينزل عليهم نصر الله الخاص. «يد الله على الجماعة».
(الترمذي)
* إن حب لقاء الله تعالى وحب الموت يجعل
الإنسان قويا، والضعيف من كان يطمع في حياة الدنيا، ليس لدى المسلمين اليوم من
السلاح والعتاد ما يكفي لمحاربة الأعداء، وبإمكانهم التغلب على هذه المشكلة بالبيعة
على الجهاد، فقد تغلب جنود طالوت الذين ما كانوا يزيدون على المئات تغلبوا على
جالوت وجنوده بفضل اشتياقهم للقاء ربهم، ويوم بدر تمكن شُحنة من المسلمين زعزعة
دولة المشركين وسلطنتهم، وكذلك اليوم إن أحبوا الموت، وجدوا الحياة.
احرص على الموت، توهب لك الحياة.
لا يهم المشركين اليوم إلا تزيين الدنيا
وتجميلها، ليتمنى المسلمون البقاء في الدنيا فيستعبدهم المشركون، والواجب على
المسلمين أن يضطربوا للإطلالة على الجنة ويبايعوا على الجهاد، حتى يدركوا أن
الدنيا وزينتها لا تزيد على دمنة.
حقيقة البيعة وبعض فضائلها ذكرناها في
أول هذه السورة عند بيان وقعة الحديبية، أرجو مراجعتها باهتمام، كما أرجو أن يسعوا
إلى إضفاء القدر والمنزلة إلى نفوسهم بالمبايعة على الجهاد إن استطاعوا. (والله
أعلم بالصواب)
فيما يلي لاحظوا بقية معارف الآيتين
الكريمتين.
النية الصادقة للجهاد:
{فعلم ما في قلوبهم}:
(1) أي من الصدق والوفاء والسمع
والطاعة. (ابن كثير)
(2) وقال ابن جريج وقتادة: من الرضا
بأمر البيعة على ألا يفروا. (القرطبي)
أي علم الله ما في قلوبهم من إخلاص
ومحبة وصدق وحماس للجهاد. (معالم العرفان)
فباختصار إن الصحابة بايعوا على الجهاد،
بقلوب صادقة، بالقتال لله، ولدينه وللتضحية بالروح والغالي.
فتحا قريبا:
{فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا
قريبا}..
بعدما بايعوا على الجهاد، أكرمهم الله
بالقوة والصبر والثبات والسكينة والطمأنينة بحيث لم تتزلزل أقدامهم في كافة
المراحل التي تلت البيعة، خاصة على بنود الصلح التي لم تكن مرضية عندهم، والعودة
إلى المدينة بدون أداء مناسك العمرة، فأثابهم الله فتحا قريبا، أغلب المفسرين على
أن المراد به «فتح خيبر» الذي حصل لمن شهد بيعة الجهاد يوم الحديبية بفضل مبايعتهم
على الجهاد والموت.
قال قتادة وابن أبي ليلى: فتح خيبر.
(القرطبي)
يعني فتح خيبر. (البغوي)
وفيه أقوال أخري، منها:
(1) قال ابن كثير رحمه الله:
{أثابهم فتحا قريبا} وهو ما أجرى الله
عزوجل على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام
المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل
لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة. (تفسير ابن كثير رحمه الله)
فباختصار إن ببركة بيعة الرضوان أو
البيعة على الجهاد قَبِلَ العدو الضغطة، واضطر للمصالحة، وبفضله انفتحت أبواب
الفتوح والمقامات العالية للمسلمين، أولها فتح خيبر، ثم فتح مكة، ثم منها اتسعت
رقعت الفتوح والانتصارات الإسلامية في العالم كله.
(2) وقال الحسن: فتح هجر، وهو أجل فتح
اتسعوا بثمرها زمنا طويلا. (البحر المحيط)
والمراد هجر البحرين، وكان فتح في زمانه
· بدليل كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات والديات. (روح المعاني)
(3) وقيل: فتح مكة والقرب أمر نسبي.
(البحر المحيط)
وفرة الغنائم:
قال الله تعالى: {ومغانم كثيرة
تأخذونها}..
يعني أموال خيبر، وكانت ذات عقار
وأموال. (القرطبي)
عن عائشة رضي الله عنها قالت لما فتحت
خيبر قلنا الآن نشبع من التمر.
وفي رواية:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما
شبعنا حتى فتحنا خيبر. (صحيح البخاري)
وكلّما باع المؤمنون أنفسهم لله بواسطة
المبايعة على الجهاد، هيّأ الله لهم أسباب الرفاهية ورغد العيش وقوة الاقتصاد في
الدنيا، والحمد لله رب العالمين. (والله أعلم بالصواب)
{مغانم كثيرة} وقيل مغانم هجر وقيل
مغانم فارس والروم. (البحر المحيط)
{وكان الله عزيزا حكيما}..
أي قويا غالبا قادرا حكيما، فقد نصر من
شاء ومتى شاء. (بيان القرآن)
غالباً مراعيا لمقتضى الحكمة في أحكامه
تعالى وقضاياه جل شأنه. (روح المعاني)
كلام بركة:
ومغانم كثيرة يأخذونها ضمن النِعم، وقال
النبي ·: لن يدخل النار من بايع يوم الحديبية. (موضح القرآن)