{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)}.
ملخص معاني الآية:
لا كفاية بفتح خيبر، بل يُكرمكم الله
بفتوح أخرى ومغانم كثيرة تأخذونها، وفتح خيبر كان ناجزاً. كفّ الله أيدي الأعداء
عنكم، ألقى في قلوبهم الرعب، فلم يتجرأوا على النيل منكم، ولا مواجهتكم، كل هذا
وذاك آية للمؤمنين على معية الله لهم، وأن الله معينهم وناصرهم، وأن وعود الفتح
صادقة، ليزداد المؤمنون إيمانا وعلماً.
الفتوح والمغانم:
لايزال الله يذكر ما أنعم على المبايعين
على الجهاد فقال: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها}.
أراد بها كافة الفتوح والمغانم إلى يوم
القيامة.
«وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم
القيامة». (البغوي)
و«هذه المغانم الموعود بها هي المغانم
التي كانت بعد هذه، وتكون إلى يوم القيامة، قاله ابن عباس ومجاهد وجمهور
المفسرين». (البحر المحيط)
بايعوا تحت الشجرة على الجهاد، لكن
الجهاد لم يقع، ما وجدوا فرصة لمحاربة أهل مكة والحصول على الغنائم، فقيل لهم: في
الأيام القادمة فتوح كثيرة ومغانم تأخذونها أنتم وجماعة المسلمين، وعجّل لكم قسطا
منها بشكل مغانم خيبر.
{فعجّل لكم هذه} أي فتح خيبر.
«يعني خيبر». (البغوي)
وقيل: أراد بما عجّل صلح الحديبية.
(القرطبي)
إرعاب الأعداء:
أعداء المسلمين كانوا يحيطون بهم من
الجهات كلها، فاليهود في المدينة المنورة، والمشركون بالحديبية طوّقوا بالمسلمين،
ثم لمّا خرج النبي · إلى الحديبية همت قبائل أسد وغطفان أن يغيروا على عيال
المسلمين وذراريهم، ولمّا توجه النبي · إلى خيبر همّ عيينة بن حصن الفزاري وعوف بن
مالك النضري ومن كان معهما همّوا أن ينصروا أهل خيبر من اليهود، فألقى الله الرعب
في قلوب هؤلاء الجميع، فلم يتجرؤا على محاربة المسلمين ولا الإضرار بنساءهم
وذراريهم، كما لم يثبت يهود خيبر أمام المسلمين وفيهم عشرة آلاف مقاتلين، تراجعوا
بعد قتال خفيف. كما قال الله تعالى:
{وكفّ أيدي الناس عنكم} يعني أهل مكة
كفهم عنكم بالصلح. (القرطبي)
وقال قتادة: كف أيدي اليهود عن المدينة
بعد خروج النبي · إلى الحديبية وخيبر وهو اختيار الطبري. (القرطبي)
وذلك أن النبي · لما قصد خيبر وحاصر
أهلها، همت قبائل بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة
فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. (البغوي)
وقال ابن عباس في كف أيدي الناس عنكم
يعني عُيينة بن حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما إذ جاءوا لينصروا
أهل خيبر، والنبي · محاصر لهم، فألقى الله عزوجل في قلوبهم الرعب وكفهم عن
المسلمين. (القرطبي)
فباختصار، ألقى الله الرعب في قلوب
الأعداء كلهم، وكف أيديهم عن المسلمين، فهي بعض بركات الصدق والإخلاص في المبايعة
على الجهاد والموت.
آية للمؤمنين:
جعل الله هزيمة الأعداء، وفتح المسلمين
وكف أيدي الأعداء عن المسلمين، آية للمؤمنين على أن الله معهم.
(1) ليعلم المؤمنون أن الله يمنعهم من
أعداءهم، وأنه سوف يغلبهم عليهم رغم قلة عددهم وعُدتهم، ليعلم المؤمنون أن عواقب
الأمور بيد الله، ولا يقدّر للمؤمنين إلا ما يعود إليهم بالخير والنفع، وإن لم يكن
يبدو كذلك في الظاهر.
«أي يعتبرون بذلك، فإن الله تعالى
حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه
العالم بعواقب الأمور، وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في
الظاهر. (ابن كثير رحمه الله تعالى)
(2) وعبرة يعرفون بها أنهم من الله
عزوجل بمكان، وأنه ضامن نصرتهم والفتح عليهم فعل ذلك. (المدارك)
(3) وقيل رأي رسول الله · فتح مكة في
منامه، رؤيا الأنبياء حق، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة، فجعل فتح خيبر علامة
وعنوانا لفتح مكة. (البحر المحيط)
أي ولتكون هذه التي عجلها لكم آية
للمؤمنين على صدقك حيث وعدتهم أن يصيبوها. (القرطبي)
نعمة التوكل على الله:
{ويهديكم صراطا مستقيما}..
(1) أي طريق التوكل عليه، وتفويض الأمر
إليه تعالى.
(2) ويزيدكم بصيرة ويقينا وثقة بالله
بفضله.
وبفضل هذه الحوادث زاد توكلهم على الله
قوة، إذ هم لم يخرجوا من ديارهم للقتال، لكنهم بايعوا على الجهاد متوكلين على
الله، فنصرهم الله ومنعهم من أعداءهم، وفتح عليهم الفتوح الكثيرة، وزاد في قلوبهم
منزلة التوكل على الله ومكانته، ومن وفّقه الله للتوكل، أصلح الله أعماله كافة.
{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق
30).
وفيها إشارة إلى أن بفضل البيعة على
الجهاد تحصل لهم نعمة التوكل على الله. (والله أعلم بالصواب)
وفي بيان القرآن:
{ويهديكم صراطا مستقيما} وبالنموذج
المذكور أراد أن يهديكم صراطا مستقيما، وهو التوكل والتوثق بالله، أي توكلوا على
الله وثقوا به دائما بتذكّر هذه القصة. (بيان القرآن)
السعادة:
في القديم كثير من أهل العلم في ثنايا
تفسيرهم للآية الكريمة أدخلوا بيان الفتوح الإسلامية التي تحققت للمسلمين في
عصرهم. كما قال الإمام أبو حيان (المتوفي 745هـ):
{وعدكم الله مغانم كثيرة} بالخطاب وهذه
مغانم الموعود بها هي المغانم التي كانت بعد هذه وتكون إلى يوم القيامة، قاله ابن
عباس ومجاهد وجمهور المفسرين، ولقد اتسع نطاق الإسلام وفتح المسلمون فتوحا لا تحصى
وغنموا مغانم لا تعد، وذلك في شرق البلاد وغيرها حتى في بلاد الهند وفي بلاد
السودان في عصرنا هذا، وقدم علينا حاجا أحد ملوك غانة من بلاد التكرور، وذكر أنه
استفتح أزيد من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان، وأسلموا وقدم علينا بعض ملوكهم
يحج معه. (البحر المحيط)
رحم الله أمة الإسلام، وأتى عليهم العصر
الذي يكتب فيه مفسرهم وقائع الفتوح الإسلامية وانتصاراتهم. (الّلهم تقبّل)