{سورة الفتح مدنية، الآية 21}

{بسم الله الرحمن الرحيم}

{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)}.

ملخص معاني الآية:

(1) بفضل البيعة على الجهاد أكرمهم الله بفتح خيبر بشكل عاجل، وفتح مكة التي لم ينالوها كأنها تحققت لهم، لأن الله وعدهم بها، وكان الله على كل شيء قديراً. (مفهوم موضح القرآن)
(2) إضافة إلى ذلك فإن هناك فتوحا أخرى لم تقدروا عليها إلى الآن، قال ابن عباس: أراد بها الفتوح التي تحققت للمسلمين بعد رسول الله ·، مثل الروم وفارس، وما سقطت على أيديهم من كثير من البلاد والديار. وقال الحسن: أراد بها فتح مكة. وقال عكرمة: أي فتح حنين. وقال مجاهد: جميع الفتوح التي يفتح الله على المؤمنين إلى قيام الساعة. جميع هذه الأقوال ذكرها القرطبي.
{لم تقدروا عليها} معناه حسب الظاهر: هي ما لم تقدروا عليها إلى الآن. وقيل: لم تكونوا ترجونها. وقيل: الفتوح التي لم تكن في حسبانكم في يوم من الأيام.
{قد أحاط الله بها} علم الله أنكم تفتحونها، قدرها لكم وسوف تسيطرون عليها.
{وكان الله على كل شيء قديرا} قادر على فتح البلاد عليكم متى شاء وكيف شاء وكم شاء. (مفهوم أنوار البيان)

دافعة اليأس:

* لم يكن خروج المسلمين إلا لأداء مناسك العمرة، لكنهم لم يتمكنوا من أداءها، واضطروا للعودة إلى المدينة، وفي مثل هذه الظروف يعدهم الله تعالى بالانتصارات والفتوح العظيمة.
* تُفتح مكة، بل كأنها فُتحت فعلاً، وما عليكم إلا الانتظار لسُويعات.
* تُفتح عليكم خيبر عاجلاً، خلال أيام فقط.
* وهناك فتوحات أخرى في انتظاركم، تغنمون أموال هوازن، وتفتحون الروم وفارس، وبلاد الشرق والغرب.
لكن كل هذه كيف تُفتح؟
مكة تحت قبضة المشركين المُحكمة، يمكن تقدير قوتهم بخروجهم مراراً لاجتياح المدينة رُغم المسافة الطويلة بين المدينتين، وفي هذه المرة منعوا المسلمين من تأدية مناسك العمرة، فأين تذهب قُوى المشركين هذه؟
وكيف فتح هوازن؟ رغم بُعد المسافة وشُقة السفر وشراسة العدو ورميه رماية الحدق، أين تذهب الألوف المؤلفة من مقاتليها؟
وكيف فتح خيبر؟ مع حصونها وقلعها المشيدة، وعشرة آلاف مقاتلين من اليهود الهمج الرعاع؟ وحلفائهم في الطريق من القبائل العربية الشرسة، كل هؤلاء أين يذهبون؟ أما الروم وفارس فألله أكبر، من الصعب تصور فتحهم، أقوى الدولتين في العالم مع ملايين الجنود والحضارات العريقة التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، كيف يفتحها شحنة من المسلمين؟ تخضع لها الأمم العربية في كافة أقطارها، ولا تذكر أسمائها إلا مع التعظيم والتبجيل، هذه وغيرها كثير من الأسئلة التي لم يجب عنها إلا بجواب واحد، فقال تعالى: {قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديراً}.
لقد أرضى المؤمنون ربهم بالمبايعة على الجهاد، باعوا أنفسهم وأرواحهم بها، برهنوا على أنهم جماعة واحدة مثل الجسد الواحد، فضم الله قوته إليهم، وبات عدوهم يذوب كما يذوب الحديد على النار.
فالظروف التي كانت تحيط بالمسلمين في العهد الأول من الدعوة الإسلامية عادت اليوم، ظروف مشابهة بعهد نزول القرآن من ضعف المسلمين وقوة الأعداء، فالأعداء تمكنوا من بسط سلطانهم وفرض هيمنتهم ورعبهم في العالم كله، لكنها فانية زائلة، أحاط الله بها جميعا، وأحكم سيطرته عليها، إن الله عزيز قادر على كل شيء. فما على المسلمين إلا أن يُرضوا ربهم بالمبايعة الصادقة على الجهاد، لا يتنازعوا ولا يختلفوا، جماعة موحدة مثل الجسد الواحد، يبيعوا أنفسهم وأرواحهم لربهم، إن فعلوا ذلك فإن كل مستحيل يصير ممكنا، وتنفتح أبواب الفتوح والانتصارات لهم. (والله أعلم بالصواب)

فتح قريب آخر:

قال النسفي والآلوسي وغيرهما من المفسرين : {وأخرى} معطوفة على {هذه} أي عجّل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى هي مغانم هوازن في غزوة حنين. (المدارك)

يتسوّد العبد ببركة الإسلام:

قال الإمام البغوي رحمه الله:
فقال ابن عباس ومقاتل: هي فارس والروم وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم بل كانوا خولاً لهم حتى قدروا عليها بالإسلام. (تفسير البغوي)

قول آخر:

وفي التفسير الحقاني:
أراد بمغانم كثيرة في الآية السابقة الانتصارات والفتوح في العرب، وأراد بقوله  {وأخرى لم تقدروا عليها} الروم وفارس، تبدو أنها لاتسقط على أيديكم، لكن كل شيء بيد الله وفي قبضته، وأنه يعدكم بهما. (مفهوم الحقاني)

الإسلام وصدق القرآن:

الدنيا تعتزّ بتاريخها ودهائها وحنكتها، ألا يدرون أن عند نزول هذه الآيات كانت ظلال الهموم والغموم تُخيّم على المسلمين، عائدين إلى المدينة بدون تأدية العمرة، ثم بسطوا سلطانهم حول العالم خلال فترة قياسية، فما أدل على صدق القرآن والإسلام. وهذه هي النكتة التي يجب أن يتأملها مؤرخوا ومثقفوا الأمم غير الإسلامية، لعلها تنوّر لهم طريق الهدي والنور فيُقبلوا عليه. (والله أعلم بالصواب)

إن الله على كل شيء قدير:

{وكان الله على كل شيء قديرا} أي من فتح القرى والبلدان لكم وغير ذلك. (الخازن)
«إن الله قادر على كل شيء، ينصركم حيث يشاء، إن أخلصتم نياتكم، واستكمل حماس الجهاد فيكم، ولا تريدون إلا مرضاة الله تعالى، مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس، أنجز الله وعده، وأظفركم في المعارك كلها». (معالم العرفان)