{بسم الله الرحمن الرحيم}
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا
تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا
(27)}.
ملخص
معاني الآية الكريمة:
(1) الذين عاونوا الأحزاب: قريشا
وغطفان، وهم بنو قريظة من صياصيهم أي حصونهم.
(2) قذف الله في قلوبهم الرعب، (فلم يتجرأوا على
محاربة المسلمين، ومهاجمتهم والدفاع عن أنفسهم، وتحصنوا في حصونهم، ثم نزلوا على
حكم سعد بن معاذ.
(3) {فريقا تقتلون} وهم رجالهم.
(4) {وتأسرون فريقا} هم النساء والذرية.
(5) أورث المسلمين أرضهم وديارهم
وأموالهم.
(6) كما أورث المسلمين أرضا ما وضعوا
أقدامهم عليها بعدُ.
والمراد منها إما أرض حنين، أو أرض مكة،
أو الروم والفُرس، أو كل أرض يفتحها المسلمون إلى يوم القيامة. (أو أرض خيبر أو
أرض اليمن أو غيرها)
قال يزيد بن رمعان وابن زيد ومقاتل:
يعني حنين ولم يكونوا نالوها، فوعدهم الله إياه، وقال قتادة: كنا نتحدث أنها مكة.
وقال الحسن: هي فارس وروم وقال عكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة.
(7) {وكان الله على كل شيء قديراً}..
له ثلاثة مطالب :
* إن الله قادر على معاقبة عباده أو
مغفرتهم.
* إن الله قادر على فتح القلع والحصون.
* إن الله قادر على الوفاء بما وعدكم.
{وكان الله على كل شيء قديرا} فيه
وجهان: أحدهما: على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير، قاله محمد بن إسحاق.
الثاني: على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى قدير، قاله النقاش. وقيل: {كان
الله على كل شيء} مما وعدكموه {قديرا} لا ترد قدرته ولا يجوز عليه العجز تعالى.
(القرطبي)
(خلاصة نفسير الآيتين مأخوذة من تفسير
القرطبي)
فائدة:
لقد تناول عدد من المفسرين قصة غزوة بني
قريظة بالتفصيل تحت تفسير الآيتين الكريمتين، وفي روح المعاني والتفسير المظهري
تفاصيل أوسع، ذكر صاحب التفسير المظهري كثيرا من «أحكام الجهاد» من هذه الآية،
منها أن غزوة الأحزاب وقعت في ذي القعدة، فدلت على جواز بدء القتال في الأشهر
الحُرم، إضافة إليها فإنه تناول كثيرا من مسائل تقسيم الغنائم والرقيق والإماء
بالتفصيل. وعلى الراغبين مراجعة التفسير المظهري. وهنا نكتفي بذكر ما كتبه الشاه
عبد العزيز رحمه الله، والذي تناوله صاحب التفسير العثماني بتسهيل وزيادة.
تفسير
ميسر:
هؤلاء اليهود المذكورين في الآية هم
«بنو قريظة» ، كانت لهم حصون حصينة شرقيّ المدينة المنورة، قد عقدوا صلحا مع
المسلمين قبل الحرب.
ويوم الخندق جعلوا جميع العهود
والمواثيق وراء ظهورهم، ونهضوا لمناصرة مشركي مكة بتحريض من حيي بن الأخطب، وأراد
بعضهم التعرّض للمسلمات، فردت عليهم «صفية» بكل شحاعة. ولمّا ردّ الله الأحزاب
ورجعت خاوية اليدين، تحصنت بنو قريظة في حصونها المحصّنة، وكان النبي · يغتسل
بعدما رجع من الخندق وعلى وجهه الشريف الأتربة مما لحقته في الخندق، حتى جاءه
جبريل عليه السلام، وقال: أوَ قد وضعت السلاح فإننا الملائكة لم نضعه، إن الله
يأمرك أن تتوجه إلى بني قريظة، فنودي: احملوا على بني قريظة لغدرها وخيانتها.
فأسرع المسلمون إلى محاصرة حصونهم، واستمر ذلك أربعا أو خمسا وعشرين يوماً، فعجزوا
عن المقاومة، وباتوا يراسلون النبي ·، حتى استقر رأيهم على النزول من الحصون على
حكم سعد بن معاذ، سيد الأوس. (وكان حليفهم) وقالوا: نذعن لما يحكم سعد، فباختصار
جيء بسعد بن معاذ، وحَكَمَ بقتل مقاتلتهم، وسبي نسائهم وذراريهم، وتقسيم أموالهم
وأراضيهم بين المهاجرين والأنصار، وقد حَكَمَ بما يُرضي الله ورسوله، وبما يقتضي
غدرهم وخيانتهم من عقوبة، فضربت أعناق مئات من مقاتليهم، وسُبي نسائهم وذراريهم،
(وقد باعهم المسلمون وابتاعوا السلاح) وأحرزوا أرضهم وأموالهم، فأرضهم التي كانت
بالقرب من المدينة قسّمها النبي · بين المهاجرين، وهكذا حصلوا على مصدر دخل، وخفت
على الأنصار مؤنتهم. وأراد بالأرض الثانية أرض خيبر التي استولى عليها المسلمون
بعد سنتين، فكانت سبب ثراء الصحابة. وقيل: هي أرض مكة. وقيل: هي أرض الروم وفارس،
التي فُتحت في عهود الخلفاء الراشدين، وقيل: بل هي كل أرض يستولي عليها المسلمون
إلى يوم القيامة. (والله أعلم) (التفسير العثماني)
الآية
تبشر المسلمين بانتصارات عظيمة:
قال الإمام أبو حيان رحمه الله:
وختم تعالى هذه الآية بقدرته على كل
شيء، فلا يعجزه شيء، وكان في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة، وأنه
لا يستبعد ذلك، فكما ملكهم هذه، فكذلك هو قادر على أن يملكهم غيرها من البلاد.
(البحر المحيط)
بعد
هزيمة قوات التحالف:
تحالفت قبائل المشركين واليهود، وهاجمت
على المسلمين، فصبر المسلمون وثبتوا بنصر الله في الموقف، فنصرهم الله. فلمّا عادت
الأحزاب إلى حيث أتت منها خائبة خاسرة، تحقق ذهاب ريح المشركين واليهود، وعدم
الثبات لها في المواقف القادمة، وبذلك افتتحت أبواب الانتصارات والفتوح. والمسلمون
اليوم يعانون من ظروف مشابهة بما كانت في عهد الرسول · من مهاجمة قوات التحالف على
بلادهم واحتلالها، والواجب عليهم الصبر والثبات في المواجهة. فإن اضطرت تلك القوات
على التراجع والانهزام، فإن ذلك يؤدّي إلى ذهاب ريحها وضياع قوتها وهيمنتها،
وتنفتح أبواب الانتصارات والفتوح أمام المسلمين مرة ثانية. نسأل الله القادر
والقدير ذلك.